في هذا الحوار من ثلاث أسئلة مع المحامي والخبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء، صبري الحو، نتوقف عند الأهمية التي تكتسيها الوثائق التاريخية الخاصة بالصحراء المغربية، والتي ماتزال أسيرة الأرشيف الأجنبي، خاصة الفرنسي والإسباني، ونسلط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه بعض المؤسسات الوطنية، من بينها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب ومؤسسة أرشيف المغرب.
في سياق الدينامية الدولية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، وسط الزخم الدولي المتزايد والداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ أين تكمن أهمية العودة إلى التاريخ واستثمار معطياته في تقوية الترافع حول القضية الوطنية؟
أومن جازما أن جميع المقاربات مهمة اليوم في ملف الصحراء المغربية، سواء التاريخية أو القانونية أو السياسية أو حتى الروحية، وفقا لما جاء في خطاب الملك محمد السادس خلال افتتاح السنة التشريعية في البرلمان.
العودة إلى التاريخ في هذا النزاع المفتعل، مهمة طبعا، خاصة بالنسبة للأجيال الحالية التي لم تعايش لحظات مهمة من تاريخ المغرب، وهي مهمة ليست فقط من أجل تأصيل أو تأكيد الحق الذي يستمد مشروعيته من التاريخ ومن ما هو روحاني وقانوني وقضائي، فهنالك تأكيد على هذا المستوى من خلال حكم صادر عن محكمة العدل الدولية التي أقرت بروابط بين السلطة المركزية في المغرب وإقليم الصحراء، حيث حصلت المملكة المغربية على اعتراف من المحكمة الدولية بناء على أساس معرفي، وعلى وثائق تاريخية أقرت بوجود بيعة بين سكان الصحراء وسلاطين المغرب. ومن هنا فالمقاربة التاريخية قد اكتسبت تأكيدا من خلال هذا الحكم.
من المعلوم أن فرنسا وإسبانيا تتوفران على الملايين من الوثائق المهمة التي قد تكون تسعف في إظهار حقائق تاريخية جديدة عن هذه القضية، خاصة وأنها تعود إلى حقبة الاستعمار. لماذا لا يطالب المغرب باستعادة هذا الأرشيف المهم؟
أولا ينبغي التأكيد على أن الاعتراف الفرنسي والإسباني بمغربية الصحراء له قيمة استثنائية وذو أهمية مركزية على مسار ومستقبل هذا النزاع المفتعل، لأن للدولتين معا علاقة مباشرة به كونهما كانتا تستعمران المغرب. وبالتالي، أرى أن موقفهما القاضي بتأييد شرعية سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، يعتبر حجة في حد ذاته ولا يحتاج حتى إلى وثائق تاريخية تؤكد ذلك. إسبانيا وفرنسا هما معا الحجة نفسها.
لكن، خروج مدريد وباريس من المنطقة الرمادية ومن مبدأ التحفظ إلى المبادرة إلى اتخاذ موقف، سيمكن في إطار علاقة التعاون هاته أن تطالب الرباط باسترجاع جزء من الأرشيف الخاص بالصحراء المغربية، مع العلم أنه في جميع الأحوال هو تحصيل حاصل، لأن الموقف المعبر عنه من طرفهما هو حجة لا تحتاج إلى تعزيز أو تأكيد إضافيين، فهو دعم صريح وناصع ولا يقبل التأويل وشهادة في حد ذاتها، لأن إسبانيا هي التي تعرف ممن انتزعت الأراضي الصحراوية بالقوة قبل حتى ميلاد جبهة "البوليساريو" في 1973.
إذن، من هذا المنطلق، على المغرب في إطار علاقة التعاون والتبادل المطالبة بالكشف عن الوثائق التاريخية التي تحوزها إسبانيا وفرنسا، والحصول على الأرشيف والوثائق الخاصة بالصحراء المغربية.
في هذا السياق، ما الأدوار التي يمكن أن يلعبها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب الذي عين الملك محمد السادس على رأسه أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، رحال بوبريك؟
المغرب انتقل من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، أي الحسم في ارتباط بهذا النزاع، وهذه النقلة النوعية نحتاج فيها إلى خبرة ذكية ننتقل خلالها إلى مرحلة التغيير فعلا، كما نحتاج إلى إضاءات تاريخية من أجل استقراء علاقة المغرب بمنطقة الصحراء، سواء في الجانب التاريخي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وأعتقد أن رحال بوبريك هو الشخص المؤهل بالنظر إلى طبيعة عمله واشتغاله على الموضوع وعلاقاته ومعرفته الدقيقة به ليعطي إشعاعا أكثر، والإضافة المرجوة بالنظر إلى الخبرة التي راكمها وهو الباحث في الحقل الصحراوي وله باع كبير في هذا الصدد.
ليس لدي أدنى شك في أن هذه المؤسسة، المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، يمكن أن تساهم في النقلة النوعية الماضي فيها المغرب حاليا.