لا يزال الخطاب الملكي الأخير الذي ألقاه الملك محمد السادس من داخل قبة البرلمان بمناسبة الدخول السياسي الجديد، يخضع لعملية التفكيك والتحليل من طرف مراقبين سياسيين، إذ وجد بعضهم أن الدعوة الملكية الرامية إلى "تفعيل الدبلوماسية الموازية" للأحزاب السياسية للترافع عن قضية الصحراء قد تصطدم بالخطابات الشعبوية، التي أصبحت تتخذ مكانة هامة داخل هذه التنظيمات، معتبرين إياها "إيديولوجية تحكم سياسات الشأن العام".
ودعا مراقبون الأحزاب السياسية إلى التخلي عن هذه الخطابات، و"التسلح بحكامة المرافعة في قضية الوحدة الترابية للمملكة، باعتبارها نموذجا حيا لتغيير لغة الاقناع واتخاذ القرارات الحاسمة"، مؤكدين على أن "الترافع الدبلوماسي يتطلب مناورات ذكية ومدروسة للاختراق وتحصين المكتسبات، واقناع الخصوم والمعارضين بالحجج الدامغة والبراهين الدالة على صحة القضية".
وتفاعلا مع هذا الموضوع، قال منير اوخليفا، أستاذ القانون بالكلية متعددة التخصصات بتازة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن "العمل السياسي في ظل المؤسسات الحزبية يرتكز على محددات أساسية، تقوم على التشاركية والعمل على الاستجابة لمتطلبات المجتمع، والترافع عن مطالبه وتكريس آليات الفعل المؤسساتي، نحو تحقيق تلك الأهداف بما يضمن فاعليتها وأجرأتها على أرض الواقع، وذلك انسجاما مع المبادئ الدستورية للمملكة وتوجهاتها وضمن إطار تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين وتكوينهم وتأطيرهم".
وأضاف اوخليفا، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "للأحزاب السياسية أدوارا جوهرية تبوئها مكانة مشاركة السلطة وفق مبادئ الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية وأحكام هذا الأخير، حيث تتجلى أهميتها في قوة انخراطها في الحياة السياسية ودفاعها عن مصالح الدولة وقضاياها الوطنية والدولية، عبر التفاعل مع الأحداث وإنتاج سياسة ناجعة وفعالة على قدر مسؤولياتها والتزاماتها الوطنية، فإتقان الأحزاب لسياسة معينة في مجال معين يقتضي تحديد الأدوار وتقدير المخاطر ومعرفة الحدود والفواصل التي تفرضها السياقات العامة لكل مجال من مجالات التدخل".
وتابع المتحدث عينه أنه "بالحديث عن القضية الوطنية الأولى باعتبارها أولى الأولويات ورهان الدولة في استكمال وحدته الترابية في مواجهة خصومها، فإننا نقف عند ثقل المسؤولية وعبئ الأمانة التي تفرض الحزم والجزم والتفاني من أجل الدفاع عنها، مما يتعين معه أن تكون الأحزاب السياسة قد اتحدت في إطار الوطنية الصادقة وتغليب المصلحة العامة للوطن بعيدا عن أي انحراف سياسي أو سلوك استباقي ذي أبعاد ضيقة تروم تحقيق السبق والانتصار التفاعلي مع الأحداث دون تخطيط أو تقدير للنتائج".
وأردف المحلل السياسي أنه "من السلوكيات السياسية المعيبة التي نشهدها اليوم هي تلك الخرجات الحزبية الآنية والسريعة في إخراج بيانات وبلاغات تنديدية، تحمل في طياتها العتاب واللوم للموقف المعادي والاشادة بالموقف الداعم دون إضافات أو دفاع حزبي خالص مبني على تبصر وادراك للقضية والسياق، وتحليل عميق من أجل الابداع في الدفاع عن القضية الوطنية بأسلوب يفيد تمرس الحزب في الأداء السياسي".
هذا فيما يتعلق بالخطابات المكتوبة، أما بخصوص الخرجات الحزبية الشفوية، يضيف المتحدث: "فإننا وللأسف لازلنا أمام ندرة الكفاءات ومعضلة تناسل الخطاب ومحدودية التمكن من الأدوات الفعالة لمواجهة الخصوم ودفع زيف الادعاء وضعف المقال، وذلك مرده من وجهة نظرنا الى عدم اهتمام الأحزاب بتعزيز هياكلها الداخلية بأطر متخصصة ومؤسسات متمكنة وتوجه متفرد غايته الالمام بأبجديات التعامل مع ملف وحدتنا الترابية بعيدا عن الخطابات الشعبوية المبنية على الغيرة والوطنية الدافعة التي يعوزها الدليل نتيجة قلة الاطلاع والتكوين، فتأتي بغير المطلوب ولربما في بعض الأحيان قد تضعف القوي وتقوي الضعيف".
وفي ذات السياق وضمن التوجيهات الملكية السامية باعتبارها خارطة الطريق وبوصلة النجاح لتحقيق الأهداف وتوجيه الجهود نحو المسار الصحيح، أوضح الأكاديمي أنه "فقد حمل خطاب جلالته بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة توجيه الأحزاب السياسية الى لعب أدوارها في صون الوحدة الترابية للمملكة أعمالا للحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء".
وخلص اوخليفا حديثه قائلا: "هذا الواقع يفيد ضرورة التجاوب الآني مع التوجيهات الملكية السامية وإعادة النظر في البرامج السياسية والتركيبة الحزبية الداخلية، من خلال تطعيمها بالكفاءات والآليات التكوينية القادرة على تحقيق الأهداف الدبلوماسية الموازية المرجوة عبر منافذ المؤسسات الوطنية والدولية وبعيدا عن الأدوار التقليدية الموسمية، خاصة في ظل المنجزات التي حققها المغرب، حفاظا عليها واستمرارا في دعم موقفنا العادل لقضيتنا الوطنية".