فرض الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، الذي خصصت مضامينه كاملة لقضية الصحراء، واقعا جديدا على الأحزاب السياسية، وذلك بالسير بنفس السرعة التي تسير بها الدبلوماسية الرسمية في الترافع عن هذه القضية، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول "قدرة هذه التنظيمات الحزبية على ممارسة الدبلوماسية الموازية في ظل الظروف السياسية الراهنة".
وتعيش المؤسسات الحزبية في السنوات الأخيرة مرحلة حرجة جراء تقاعسها عن القيام بأدوار الوساطة والتنشئة السياسية بسبب تراجع النخب المثقفة والأكاديمية المنتمية إليها مقابل توغل أصحاب المال والسلطة في هذه المؤسسات الحزبية، مما جرّ عليها متابعات قضائية في حق عشرات المنتخبين المنتمين إليها.
وحسب الخطاب الملكي فإن "المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم"، مشددا على ضرورة "شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي مازالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء".
وذكَّر الملك محمد السادس في الخطاب ذاته، "البرلمانيين بالدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في كسب "المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي"، داعيا إلى "المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية أو في المحافل الجهوية والدولية".
وفي هذا السياق، قال مصطفى الخلفي، الوزير السابق وعضو الأمانة لحزب العدالة والتنمية، إن "الدفاع عن قضية الصحراء المغربية هو واجب أصبحت تفرضه الظرفية الحالية، والتي تعرف دينامية متطورة في هذا الملف الذي شهد على اعترافات تاريخية لدول كبرى، إضافة إلى القرار الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية، لذلك بات واجبا على الأحزاب السياسية الانخراط في هذا الملف الوطني".
وأضاف الخلفي، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "لا يمكن ترك الدبلوماسية المغربية تسير بسرعة قوية في ملف الصحراء وتبقى الأحزاب السياسية والمؤسسات متخلفة عن ذلك، لأن الدبلوماسية الرسمية تعمل بشكل كبير لحلحلة هذه القضية ووضع حل نهائي لها".
وسجل الخلفي، أن "هناك قصور ذاتي يمكن تفسيره بعدة عوامل أبرزها التغيير الحاصل على مستوى النخب وذلك بدخول فاعلين سياسيين شباب إلى المنظومة الحزبية، إضافة إلى وجود هيمنة ضيقة للهم الانتخابي وتراجع النخب المثقفة والأكاديمية داخل الأحزاب السياسية".
واعتبر المسؤول الحكومي السابق، إلى أن "المتغيرات الحاصلة تفرض على الأحزاب السياسية تحمل مسؤوليتها في هذه القضية"، مشيرا إلى أنه "في سبعينيات القرن الماضي انخرطت الأحزاب في هذا الملف كل من موقعه".
وتابع أنه "أصبح من الضروري توطيد العلاقة بين الأحزاب السياسية والمنظومة الجامعية، لأن هذا بات من المهام المستعجلة"، مبينا أن "السياسة الاستراتيجية للدولة انتقلت إلى مرحلة مهمة وهي التغيير كما جاء في الخطاب الملكي الأخير".
من جهته، قال محمد أوزين، الوزير السابق، والأمين العام لحزب الحركة الشعبية، إن "الخطاب الملكي الافتتاحي للدورة التشريعية الجديدة، يشكل خارطة طريق بالنسبة لتدبير ملف الوحدة الترابية للمرحلة القادمة".
وأبرز أوزين، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "لا يتم ذلك إلى بناء على رصيد المكتسبات الدبلوماسية المتواصلة"، مؤكدا على أن "ذلك الرصيد الذي يجسد الاعتراف الدولي بالحق المغربي وبشرعية ومشروعية سيادته على أقاليمه الجنوبية".
وأوضح القيادي الحزبي أن "جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ذكر بالدور المنوط بالمؤسسة التشريعية وبالأحزاب السياسية وباقي مكونات المجتمع في مجال المزيد من التعريف بعدالة موقف المغرب في ما يخص صون وحدته الترابية".
ولفت المسؤول الحكومي السابق إلى أن "هذا دور يجب أن يعهد به للكفاءات المؤهلة والقادرة على التواصل والإقناع بالحجة والبرهان، في ترفع عن الحسابات الحزبية الضيقة وبعيدا عن اعتماد نسبة التمثيلية الرقمية في تدبير قضية وطنية مصيرية، مما يستدعي إعادة النظر في آليات الدبلوماسية الموازية، بما يضمن النجاعة وتحقيق المزيد من الانتصارات الدبلوماسية".