كشفت نتائج استطلاع رأي دولي، مؤخرا، عن حلول المغرب في المركز الثاني ضمن قائمة الدول الأكثر استعمالا لتطبيق الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي"، الشيء الذي يثير المخاوف من تأثيره على الكفاءات البشرية وقتل حس الإبداع لدى شريحة واسعة من الشباب وغيره من الفئات.
ولأن هذا التطبيق يتم استعماله في مجالات عديدة بما فيها التعليم، فإن ذلك يطرح تساؤلات حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على المنظومة التعليمية بالمملكة، واحتمال أن يكون حجر عثرة أمام الباحثين والأساتذة لجمع وتحليل المعطيات.
للإجابة عن هذه الأسئلة؛ أجرى " الأيام 24″ حوارا مع الخبير التربوي، عبد الرزاق بن شريج.
وهذا نص الحوار كاملا:
س: ما هو تعليقكم على نتائج الاستطلاع المذكور، وهل يمكن معرفة أهداف واضعي هذا التطبيق؟
ج: لابد من الإشارة إلى أن الاستطلاع قامت به مؤسسة مجموعة بوسطن للاستشارات الأمريكية، وأن الاستطلاع تم إجراؤه سنة 2023 ونشرت نتائجه هذه السنة، حيث أظهر أن 38% من مستعملي الأنترنيت المغاربة يعتمدون منصة الذكاء الاصطناعي، فيما جاءت الهند في المركز الأول ب 45%.
ولكن قبل ذلك، يجب فهم ماهية هذا التطبيق الذي نتحدث عنه، فهذا الأخير أعدته منظمة أمريكية تم إنشاؤها في دجنبر 2015، منظمة غير ربحية والهدف الذي أعلنت عنه آنذاك هو معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي العام، حيث كانت تقول بأن الذكاء الاصطناعي يخلق أزمات ويعطي معلومات غير صحيحة ومن الممكن أن يؤثر على مجموعة من الشباب والأطفال والصغار، ولهذا يجب القيام بشيء من شأنه معالجة هذه المخاطر، لكن ظهر على السطح نقاش منذ بداية 2024 من طرف مالكيها لتغيير هيكل إدارتها وتحولها إلى شركة ربحية، وهذا دليل على أن الأهداف المعلنة في البداية غير دقيقة وأن العملية برمتها تدخل في إطار النيوليبرالية الهادفة دائما إلى الربح الاقتصادي ولا وجود فيها للتعليم والإنسانية، وبالتالي فالذكاء الاصطناعي كما هي كل المنصات الربحية تتطلب الحيطة والحذر، والاستعمال المقنن والواعي بما وراء الأهداف المعلنة.
س: هل يمكن للمتمدرسين التعلم من خلال منصة " شات جي بي تي"؟
ج: لقد كنا دائما ولا نزال من خلال الندوات والاتصالات مع الآباء وأولياء المتعلمين نؤكد على عدم إنجاز التمارين المنزلية التي يطلبها الأساتذة من تلامذتهم بدلا عنهم، بل على الأولياء الاكتفاء بإرشاد أبنائهم لكيفية القيام بالمهمة المطلوبة، لأن منحهم الأجوبة الجاهزة لن تخدم المتعلمين نهائيا، ولن يفهموا كيف تم إنجازها، طبقا للمثل المعروف " لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها".
إذن فهذه المنصة تعطينا أجوبة جاهزة لن يستفيد المتعلم منها، لأن مدة تذكر الممنوح دون بحث تنتهي بسرعة، فأول شروط الاحتفاظ بالمعلومة بالذاكرة هو الفهم وبناء، والأهم هو الوصول لدرجة تطبيق تلك المعلومات والاستفادة منها، وهذه الدرجة تحتاج إلى التمكن من التركيب والتعميم، وكل هذه المراحل مهارية تستوعب بالتدرج وعبر خطوات تعليمية وليس تعلمية وخاصة عند الصغار، ولهذا فلا ينتظر أي استفادة من هذه المنصة وغيرها من منصات الذكاء الاصطناعي، اللهم إذا كان للمتعلم مرافق يقوم بإرشاده إلى ما يجب فعله والبحث عنه من أجل مناقشته معا.
س: هل يمكن الإقرار بوجود سهولة في استعمال الذكاء الاصطناعي من طرف المتعلمين؟
ج: سأقول إنه من بداية التعليم حتى نهاية البكالوريا هناك صعوبة في استعمال الذكاء الاصطناعي في البحوث التعلمية المنزلية، يعني لا يمكن الاعتماد عليه في التعلُّم، وهذا لا يعني أن الحل هو الرفض بل الذكاء الاصطناعي أساسي، وسيحين دوره شئنا أم أبينا، ولكن يجب إيجاد حل له لكي لا يتم اعتماده في هذه المسائل، أو يمكن الاعتماد عليه تحت المراقبة، فعلى وزارة التربية الوطنية القيام بالواجب واعتماد التقنيات الحديثة في المؤسسات التعليمية، فالحل في تكوين الأساتذة والمتعلمين في طرق الاستفادة من كل التقنيات الحديثة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وحجب الخطير منها، مع الإشارة أنه سبق لها الإعلان عن نيتها في إحداث برانم تحجب المواقع الإباحية على الأطفال، إلا أن ذلك لم يتم، لذا نتمنى أن تفكر الدولة في هذه المسألة وأن تمنع المواقع الضارة بصيغة معينة، ودعم ذلك بالتربية لأنها أساس النجاح.
س: استخدام هذه التكنولوجيا بشكل متزايد.. هل يمكن القول إنه دليل على فشل النظام التعليمي؟
ج: النظام التعليمي في المغرب فاشل لا نقاش في ذلك، وكل الخبراء والمهتمين على علم بأنه فاشل، ولكن ذلك غير مرتبط باستخدام هذه التكنولوجيا، فالتقنيات الحديثة تعطينا أجوبة جاهزة والبشرية جمعاء تبحث عن الجاهز، حتى الكبار إذا تم منحهم المال دون عمل مجهود فسيقبلون بذلك، ولهذا فالعلاقة بين الفشل واستعمال الذكاء الاصطناعي ليس بمعنى أن الناس لم يجدوا المطلوب في التعليم واتجهوا نحو هذه المنصة، حقيقة التقنيات المعتمدة في التعليم لا تزال قديمة ولا زلنا نستعمل مسألة ملء العقول بالحفظ وشحن الدماغ بالمعلومات.
وبخصوص التكنولوجيا الحديثة، فإنه يوجد خبراء في المغرب إضافة إلى مجموعة من مفتشين في التعليم المتخصصين فيما يتعلق بالتكنولوجيات، ويمكنهم بطلب من الوزارة أن ينتجوا مجموعة من البرانم التي يمكن بواسطتها تأطير وتكوين المتعلم والأستاذ وتحقق النتائج المرجوة من الذكاء الاصطناعي دون أضرار، ويجوز القول بأن فشل وزارة التربية الوطنية في إدخال التكنولوجيات الحديثة للمؤسسات التعليمية يدعو إلى محاسبة مديرية كانت تسمى مديرية "جيني" التي نفقت الملايير دون تحقيق أية نتائج وهذا من سنة 2009 إلى يومنا هذا، وإذا نظرنا إلى المؤسسات التعليمية سنلاحظ أنه لا وجود للتكنولوجيا رغم إهدار الأموال، فحسب الوثائق كل المؤسسات التعليمية تتوفر على المحفظة متعددة الوسائط وعلى الدروس الرقمية وعلى لواقط الدروس التعليمية التي تبثها القنوات…، لكن في الواقع الميداني لا يوجد أي شيء من ذلك.
س: بالنظر إلى اعتماد الباحثين والأساتذة والطلبة على مزايا هذه التقنية، ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على دور كل واحد على حدة؟
ج: الذكاء الاصطناعي ضروري، فعندما بدأت التقنيات الحديثة خاصة الأنترنيت كان هناك نوع من المقاومة، لأنه يصعب التعامل مع شيء جديد في بدايته وهو ما يتطلب مهلة معينة، وسيكون فيها أخطاء ومصائب كبرى ولكن مع المدة يمكن تطور الأمور من أجل الاحتفاظ بالمزايا وأي شيء غير صالح سيتم إلغاؤه.
ولكن ما يمكن قوله هو إن هذا الذكاء الاصطناعي يستفيد منه الأساتذة والباحثين والطلبة الجامعيين، وتقنينا للعملية وحتى لا تتطور الأمور إلى سرقة أو استنساخ البحوث السابقة فالجامعات تعتمد على برانم معينة تكشف عن بحوث الإجارة أو الماستر أو الدكتوراه المسروقة من المواقع الإلكترونية أو بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي يتم إلغاء ذاك البحث، وبحسب علاقتي بمجوعة من الأساتذة الباحثين فهذه البرانم تبقى غير دقيقة وتتسبب بمشاكل يمكن أن تلغى من خلالها بحوث أناس بحثوا بطريقة ذكية وعلمية وبعيدة عن الشبهات، وبالتالي لكل تطور مزايا ومساوئ، والزمن يقوم بالغربلة وإسقاط السيء.
س: في نظركم.. أين تكمن خطورة استعمال الذكاء الاصطناعي؟
ج: لا يمكن إنجاز بحوث دون الاعتماد على الأنترنيت الذي يمكن أن تجد فيه كتابا كاملا يمكن الاقتباس منه ومناقشته، والبحث هو أصلا دراسة كتب ومؤلفات والاقتباس منها أو القيام بتجارب (حسب نوع البحث ومنهجيته) فلا يوجد شخص يتوفر على المعلومة جاهزة في دماغه، وبالتالي فهو يحتاج منهجية لجمع المعطيات والتحليل والاستنتاج والخروج بخلاصات والتي يمكن أن نتوصل من خلالها إلى مرحلة التعميم.
فالاعتماد على الذكاء الاصطناعي واعتبار أن كل ما يمدنا به من معطيات صحيحة يشكل خطورة على الجميع، ولكن فحتى من غير هذا الذكاء الاصطناعي الذي غير منهجية البحث في الأنترنيت أي سهل على الباحث كل الصعاب فيطرح عليه سؤال وفي ثوان معدودة يأتيه الجواب جاهزا، فما يوجد في العديد من المواقع غير صحيح، وبالتالي يجب تجميع معطيات كثيرة وبحوث أنسب من المؤسسات والجامعات ومن مكاتب الدراسة والبحث التي تنطلق دائما من الشك العلمي، والشك من أجل البحث عن اليقين، وليس الشك من أجل الشك، وإلا سيتم الوقوع في مشكل السطو على مجهودات الآخرين وسنصل إلى نتائج غير صحيحة، الذكاء الاصطناعي كالدواء، يداوي ولكن يحمل معه تأثيرات جانية ومضار الاستعمال غير المعقلن.