يرى البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، أن المغرب بعد زلزال الحوز أصبح من بين الدول المهددة بحدوث مخاطر طبيعية من قبيل الزلازل والفيضانات، غير أن الرؤية المتبصرة والحكيمة للملك محمد السادس التي تجلت في وضع استراتيجيات متعددة المدى بدأت في تحييد المكاره الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية عن المملكة المغربية. وتوقف البراق، في حوار خاص مع "الأيام 24″، عند أبرز الاستراتيجيات والمخططات التي وضعتها الدولة المغربية والرامية إلى تحسين مستوى التعامل مع الأزمات وإدارة الكوارث الطبيعية بشكل سريع وجيد، والتي تتلائم مع الاطارات التي تهدف إلى الحد من هذه التحديات الطبيعية مثال لإطارات "هيوغو" و"سنداي".
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
البراق شادي عبد السلام الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر
1) أظهر زلزال الحوز أن المملكة المغربية لديها تحديات كبيرة في إدارة الكوارث الطبيعية. ما هو تقييمك لمخاطر الكوارث الطبيعية في المغرب؟
المغرب وفق موقعه الجغرافي وطبيعته الجيولوجية بلد معرض بالفعل لمخاطر طبيعية مختلفة، بما في ذلك الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية والتغيرات المناخية كالجفاف والتصحر.
الزلزال الأخير في الحوز وتارودانت في سبتمبر 2023 كان منعطقا مفصليا في تاريخ تعامل المملكة مع مبحث إدارة الكوارث الطبيعية وتذكير لكل من يهمه الأمر بخطورة هذه المخاطر على التوازنات المجتمعية بشكل عام، وبلغة الأرقام وفقًا للبنك الدولي، تكلف الكوارث الطبيعية المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنويًا ومع التوسع الحضري السريع والتغيرات المناخية وتصاعد مخاطر الجفاف والتصحر.
ومن المرجح أن تزداد وتيرة وشدة هذه الكوارث، مما يجعل من توفر استراتيجية قوية للحد من مخاطر الكوارث وإدارتها ضرورة وطنية لإرتباطها بالأمن القومي والمصالح العليا للوطن وحقوق الأجيال المقبلة.
2) ما هي استراتيجية المغرب للتعامل مع هذه التحديات؟
بالفعل لدى المغرب استراتيجية وطنية رائدة للحد من مخاطر الكوارث 2020-2030 تمت صياغتها من طرف الفاعل المؤسساتي المغربي وفق الرؤية الملكية المتبصرة لإدارة الكوارث الطبيعية وتدبير الأزمات وبشكل يلائم إلتزامات المغرب مع إطار سنداي للحد من الكوارث 2015 -2030، حيث تهدف الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث في المغرب إلى معالجة نقاط الضعف في البلاد بشكل شامل، من خلال العمل على تعزيز المعرفة وقدرات تقييم المخاطر القوية عبر مختلف القطاعات.
كما تعطي الاستراتيجية الأولوية لتعزيز تدابير الوقاية والاستعداد للتخفيف من تأثير المخاطر الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والجفاف، حيث أن هذه الاستراتيجية تعمل على تعزيز القدرة على الصمود والتنمية المستدامة، مع الاعتراف بأن إدارة مخاطر الكوارث جزء لا يتجزأ من تحقيق الرخاء والإزدهار على المدى الطويل.
وبقراءة سريعة للإستراتيجية الوطنية نجدها على تشمل المبادئ التوجيهية من أجل التنسيق الفعال والتكامل السلس للجهود والمشاركة الشاملة لجميع أصحاب المصلحة المعنيين ويعكس هذا النهج الشامل التزام المغرب بإطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث، الذي يدعو إلى المسؤولية المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في بناء القدرة على الصمود.
ومن خلال مواءمة الإستراتيجية الوطنية مع العهود والمواثيق الدولية وبشكل خاص إطار سينداي وقبله إطار هيوغو، يثبت المغرب عزمه على خلق مستقبل أكثر أمنا ومرونة للشعب المغربي في مواجهة المخاطر المتزايدة المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية.
3) كيف يتفاعل المغرب مع الالتزامات الدولية، مثلا: إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030؟
المغرب من أول الدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الموقعة على إطار هيوغو 2005-2015 وباعتبارها دولة موقعة على إطار سينداي 2015-2025، التزمت المغرب بتحقيق الأهداف العالمية للحد من مخاطر الكوارث.
وقد أحرزت البلاد تقدماً كبيراً في مواءمة إستراتيجيتها الوطنية مع إطار سينداي، بما في ذلك إنشاء منصة وطنية للحد من مخاطر الكوارث وتطوير خطة وطنية للحد من مخاطر الكوارث.
وقد مكنت هذا المواءمة المغرب من دمج الحد من مخاطر الكوارث في سياساتها وبرامجها الوطنية، وضمان نهج شامل لإدارة مخاطر الكوارث، كما سهلت المشاركة النشطة للمغرب في المنتديات الإقليمية والدولية تبادل الخبرات والمعرفة مع البلدان الأخرى.
ومن خلال تبادل خبراته الخاصة والتعلم من الآخرين، حيث تمكن المغرب من مواكبة أفضل الممارسات والنهج المبتكرة للحد من مخاطر الكوارث. وقد مكن هذا النهج التعاوني البلاد من الاستفادة من الخبرات والموارد الدولية، وتعزيز قدرتها على الحد من مخاطر الكوارث وبناء القدرة على الصمود.
4) هل يمكنك أن تحدثنا عن التدابير التي يتخذها المغرب للحد من مخاطر الكوارث؟
نفذ المغرب تدابير مختلفة للحد من مخاطر الكوارث والتنزيل الرشيد للإستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث وضمان حسن مواءمتها مع إطار سينداي ومن خلال تحليل المؤشرات وطريقة العمل وميكانيزمات التنفيذ يمكن التحدث على خمس محاور أعتمد عليها المغرب في تنزيل إستراتيجيته:
أولا، إنشاء منصة وطنية للحد من مخاطر الكوارث: تجمع هذه المنصة متعددة الأطراف بين الوكالات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتنسيق ودمج جهود إدارة مخاطر الكوارث في جميع أنحاء البلاد.
ثانيا، وضع خطة وطنية للحد من مخاطر الكوارث: تحدد هذه الخطة الشاملة أهدافًا وتدابير ومسؤوليات محددة لمختلف أصحاب المصلحة في معالجة مخاطر الكوارث في المغرب، مثل الزلازل والفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية.
ثالثا، المشاركة النشطة في المنتديات الإقليمية والدولية: لقد انخرط المغرب مع بلدان أخرى وتبادل أفضل الممارسات على المستويين الإقليمي والعالمي. وقد مكن هذا التبادل التعاوني البلاد من التعلم من الخبرة الدولية ودمج النهج المبتكرة في استراتيجيتها الوطنية.
رابعا، التوافق مع إطار سينداي: من خلال مواءمة استراتيجيتها الوطنية للحد من مخاطر الكوارث مع إطار سينداي، أثبتت المغرب التزامها بتحقيق الأهداف العالمية للحد من الوفيات المرتبطة بالكوارث والخسائر الاقتصادية وزيادة عدد البلدان التي لديها استراتيجيات للحد من مخاطر الكوارث.
خامسا، دمج الحد من مخاطر الكوارث مع التنمية المستدامة: يعترف نهج المغرب بأهمية بناء القدرة على الصمود كجزء لا يتجزأ من الرخاء والرفاهية على المدى الطويل، بما يعكس مبادئ التنمية المستدامة.
5) ما هو دور الاستعداد والتعافي في إدارة مخاطر الكوارث في المغرب؟
الأكيد أن الاستعداد والتعافي من المكونات الأساسية لإدارة مخاطر الكوارث في المغرب حيث أنشأت البلاد نظام إستجابة للطوارئ قوي، مما يمكنها من الاستجابة بسرعة وفعالية للكوارث تشرف عليه مديرية تدبير المخاطر الطبيعية بوزارة الداخلية حيث تضم هذه المديرية مرصدا وطنيا للمخاطر مهمته جمع وتقاسم البيانات والمؤشرات المتعلقة بالمخاطر الطبيعية.
يهدف هذا إلى تقوية التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال تدبير مخاطر الكوارث والمركز الوطني لتوقع المخاطر، له مهمة الإخطار الإستباقي للسكان المعرضين للمخاطر، وتأمين سلامة الأشخاص والممتلكات والأنشطة الاقتصادية بالأضافة للعديد من الأقسام والمصالح الأخرى التي تقوم بمهام رائدة في مجال إدارة وتدبير الكوارث الطبيعية وفق المقاييس العالمية حيث تؤكد الاستراتيجية الوطنية أيضًا على أهمية التعافي وإعادة الإعمار، مع التركيز على إعادة البناء بشكل أفضل وأكثر مرونة ، ويشمل ذلك تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة وإستعادة البنية التحتية الحيوية وتعزيز سبل العيش المستدامة.
6) كيف يمكن للمغرب تحويل التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية إلى فرص لبناء مستقبل مرن قادر على الصمود؟
هناك إمكانات كبيرة لاستثمار تحديات الكوارث الطبيعية في تعزيز البنية التحتية الحيوية وتطوير نظم الإنذار المبكر وتحسين التخطيط العمراني والبناء بما يتناسب مع مخاطر الكوارث، حيث يمكن للمغرب أيضا استغلال الكوارث لتعزيز الوعي العام والمشاركة المجتمعية في إدارة مخاطر الكوارث.
ومن أهم الخطوات التي يمكن للمغرب اتخاذها في هذا الشأن هو دمج ونهج الاستبصار الاستراتيجي في جميع المجالات والاستفادة من التكنولوجيا والابتكار للتكيف مع مخاطر الكوارث من أجل بناء مستقبل قادر على الصمود من خلال نهج التشبيك بين مختلف أصحاب المصلحة حيث أن التشبيك والتنسيق الفعال بين مختلف الجهات والمؤسسات هو أمر بالغ الأهمية لتحسين كفاءة وفعالية إدارة الكوارث الطبيعية في جميع المراحل.
7) كيف يمكن تعزيز وتحفيز مشاركة المجتمع المدني في إدارة الكوارث بالمغرب؟ وما هي الإجراءات الممكن اتخاذها لتسريع هذا المسار ؟
من وجهة نظري تعزيز مشاركة المجتمع المدني في إدارة الكوارث الطبيعية يمكن تحقيقه من خلال عدة إجراءات أساسية مترابطة و متكاملة من 6 نقاط :
أولا: إشراك المنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية الجادة و الملتزمة بأقصى مقاييس الحكامة في عملية التخطيط والتنسيق لإدارة الكوارث على المستوى الوطني والمحلي من خلال دعم بناء قدرات المجتمع المدني في مجالات التأهب والاستجابة للكوارث من خلال توفير برامج التدريب والتمارين المشتركة بين الجهات الحكومية والمنظمات المدنية لتعزيز المهارات والخبرات في إدارة الكوارث حيث يمكن أن تشمل هذه البرامج التدريب على وضع خطط الطوارئ والاستجابة السريعة و كذا دعم مشاريع وبرامج تهدف إلى زيادة وعي وقدرات المجتمعات المحلية في التأهب والاستجابة للكوارث بشكل يساهم في تعزيز الاستدامة والقدرة على الصمود على المستوى المجتمعي.
ثانيا: توفير آليات واضحة لمشاركة المجتمع المدني في عمليات صنع القرار المتعلقة بإدارة المخاطر والكوارث.
ثالثا: تشجيع الشراكات بين الحكومة والمجتمع المدني لتطوير وتنفيذ مبادرات التوعية والتثقيف المجتمعي حول الاستعداد للكوارث.
رابعا: إتاحة التمويل والموارد اللازمة للمنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية الجادة و التي تتوفر على أفصى درجات الحكامة للقيام بدور فعال في عمليات الاستجابة والإنقاذ والإغاثة في أوقات الأزمات.
خامسا: إنشاء قنوات اتصال وتنسيق فعالة بين السلطة الحكومية والمجتمع المدني لتبادل المعلومات والخبرات وتنسيق الجهود خلال مراحل إدارة الكوارث.
8) في نظرك، ما هي معيقات إنخراط المجتمع المدني بالمغرب في جهود إدارة الكوارث الطبيعية؟
بكل الوضوح الممكن هناك شروط ذاتية وموضوعية تضعف مشاركة المجتمع المدني في جهود الدولة المغربية للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية وهذه الشروط متداخلة لكن المؤكد أن ضعف التشبيك والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني مع بعضها البعض يعتبر تحديًا رئيسيًا يواجه جهوده للمشاركة في إدارة الكوارث الطبيعية، وتتفاقم هذه المشكلة بسبب غياب الحكامة المالية والشفافية داخل جمعياته وإطاراته، بالإضافة إلى نقص الديمقراطية التشاركية والتحكم في هياكله الداخلية حيث تطغى مظاهر الإستفراد بإتخاذ القرار.
وتبرز سلبية أخرى تتمثل في افتقار بعض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني للجدية والالتزام والشفافية والوضوح والمبادرة الفاعلة مما يقلل من تأثير مساهماتها بحيث تظل كل مبادراتها رهينة بدعم مالي من الجهات الحكومية.
كما أن ضعف تأطير وتدريب منظمات المجتمع المدني وإنخراطها في التدريبات العالمية والإقليمية ذات الشأن يحد من قدراتها على الاستجابة والتعامل بفعالية مع حالات الطوارئ والكوارث.