"لا غالبية مطلقة"، هكذا كان شعار الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، والتي عرفت تحولات غير منتظرة بعدما قلب تحالف اليسار الطاولة على نظيره "اليمين المتطرف"، والتي اعتبرها بعض المراقبين "خسارة مخيبة للأمل"، في ظل احتلال معسكر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الصف الثاني، في انتظار إجراء مفاوضات "التحالف" بين الطرفين للوصول إلى قبضة السلطة. وحسب التحليلات والقراءات التي سبقت الانتخابات التشريعية داخل فرنسا، فقد توقعت ال"بي بي سي" في أحد تقريرها مفاجأت كبيرة في الجولة الثانية للانتخابات، على خلاف ما حاصل في الفصل الأول والذي شهد فوز تحالف "اليمين المتطرف"، معتمدة على "المساعي التي قامت بها الأحزاب اليسارية بهدف وقف تمدد "اليمينيين" إلى مرمى السلطة".
وفي نفس السياق، أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل الانتخابات، أنه مهما كان نتائج الفصل الثاني للانتخابات التشريعية بفرنسا لن تؤثر على العلاقات بين باريسوالرباط، علما أن الأحزاب الثلاثة لهم توافقات مهمة مع المغرب بما فيهم التيار اليميني".
وقال نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، إن "نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية بوّأت تحالف اليسار ممثلا بالجبهة الشعبية الجديدة المرتبة الأولى، وتراجع أغلبية الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرتبة الثانية، ووقف المد اليميني المتطرف عكس التوقعات التي صاحبت هذا الاستحقاق الانتخابي، وهذا تحول جوهري في المشهد الانتخابي الفرنسي سيكون له تداعيات وتأثير على السياسة الفرنسية داخليا وخارجيا، ومنها العلاقات المغربية الفرنسية".
وأضاف الأندلوسي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "العلاقات المغربية الفرنسية، عموما، من المستبعد أن تأثر بشكل مباشر بنتائج هذه الانتخابات، لاعتبارين أساسيين وهما أن القرار على المستوى الخارجي يتخذ في إطار توافقات وتأثير قوي للنواة الصلبة للحكم "الدولة العميقة"، كما أن لرئيس الجمهورية مكانة معتبرة في تحديد المعالم الكبرى لهذه السياسة الخارجية، مما يجعل من القرار الخارجي مجالا لتدخل أطراف متعددة، والاعتبار الثاني يتمثل في مكانة المغرب بالنسبة لفرنسا مهما كان الحزب أو التحالف المشكل للأغلبية البرلمانية، مما يجعل العلاقة مع المغرب تحدده المصالح الاستراتيجية بالدرجة الأولى، دون أن يعني هذا انعدام تأثير من يتولى الرئاسة وقيادة الحكومة".
وتابع المتحدث عينه أنه "رغم التذبذب التاريخي لليسار الفرنسي تجاه مصالح المغرب، فإن وجود شخصية مثل جون لوك ميلونشون، زعيم الجبهة الشعبية الجديدة، الذي تربطه علاقات قوية بالجانب المغربي، والذي عبر عن مواقف إيجابية تجاه المغرب وعبر خلال زيارته التضامنية للمغرب خلال زلزال الحوز، عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي الذي يتبناه المغرب باعتباره الأساس الأكثر جدية ومصداقية، فإنه سيساهم في تقوية مسار التعاون والتنسيق والعمل المشترك، بين الرباطوباريس، إن ساهم في تشكيل الحكومة المقبلة كما هو متوقع" . وأشار المحلل السياسي إلى أن "العلاقات بين المغرب وفرنسا، ذات عمق تاريخي وتؤطرها المصالح الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، ويبقى الموقف الواضح من مغربية الصحراء هو المحدد بالنسبة للمملكة في تحديد مدى تعميق وتطوير هذه العلاقات التي مرت من جمود في الفترة الأخيرة".