أعادت المؤتمرات الوطنية لبعض الأحزاب السياسية المغربية النقاش بقوة حول الديمقراطية الداخلية للتنظيمات السياسية ببلادنا، حيث أظهرت هذه المحطات غلبة منطق الترضيات واقتسام المناصب بين التيارات المتصارعة على حساب النقاش السياسي الرصين الذي يفرز عبر آلية الانتخاب الديمقراطي الطبيعي نخبة جديدة مؤهلة لقيادة الحزب. مؤتمرا حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال الأخيرين، أكدا بما لا يدع مجالا للشك أن القيادة الحزبية أصبحت تُفرز خارج الصناديق وعبر آلية التوافق القبلي، من خلال ابتداع "القيادة الجماعية" كشكل جديد لتدبير الصراعات الداخلية للحزب وترضية مختلف التيارات المتنازعة داخله، أو عن طريق تقديم مرشح وحيد لا منافس له على رئاسة التنظيم.
نبيل الأندلوسي، المحلل السياسي ورئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، قال إن "المؤتمرات الأخيرة لعدد من الأحزاب السياسية المغربية، كشفت عمق أزمة الحزب السياسي، كجزء من أزمة النسق السياسي المغربي بشكل عام، ولا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال محطات تغيير أو تجديد، بقدر ما هي، في العموم، محطات لتكريس الوضع الحزبي القائم وإستمرار "نخب المصالح" بدل النخب المناضلة التي تحمل مشروع سياسي تؤمن به وتدافع عنه".
وأرجع الأندلوسي في تصريح ل"الأيام24″ مظاهر الأزمة الحزبية إلى "غياب الديمقراطية الداخلية، واللجوء الى التوافقات بدل الانتخاب، استئثار القيادات بالقرار وتهميش النخب والكفاءات، الصراعات التي تنفجر قبيل كل مؤتمر، وبروز سلوكات عنيفة للتعبير عن الرأي"، مؤكدا أن "هذه السلوكات تسيء لصورة الفاعل الحزبي والقائد الحزبي".
"من بين مظاهر الأزمة كذلك"، يذكر المتحدث، "اللجوء إلى القيادة الجماعية كآلية لتسيير الحزب باعتباره نوعا من التعبير عن أزمة عميقة يعيشها الحزب السياسي، سواء على المستوى الداخلي التنظيمي أو في علاقته بالمواطنين"، مشيرا إلى أنه هذا الأمر "يعيق قيام الحزب بأدواره الدستورية في تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة السياسية".
ويرى الأندلوسي أن "المؤتمرات الحزبية لم تعد بالوهج الذي كانت عندها سابقا"، مُرجِعا ذلك إلى "تراجع دور الحزب السياسي في المشهد السياسي، من المساهمة في رسم هذا الأخير، إلى القبول بأدوار "الكومبارس"".