كم من نداء وبيان سيكفي لحلحلة أزمات حزب الأصالة والمعاصرة التي لا تنتهي؟ فالظاهر أن الحزب الثاني برلمانيا دخل مرحلة بنيوية في أزماته الداخلية بعد أن فشل مجددا في إنهاء أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر بسلام والتوافق حول رئيس لهذه اللجنة في أفق عقد مؤتمر يعيد من جديد انتخاب أمين عام وتجديد الأجهزة التقريرية للحزب. فما كادت أجواء المصالحة تبدأ بين مكونات وقيادات الحزب حتى عاد الصراع يوم السبت الماضي إلى الهيمنة على المشهد وبدأت حرب البلاغات بين التيارين الرئيسيين المنبثقين عن أزمة اللجنة التحضيرية. وما كاد الأمين العام حكيم بنشماش يطعن في انتخاب سمير كودار رئيسا للجنة التحضيرية حتى التحق به عدد من أعضاء اللجنة ليصدروا بلاغا يؤكدون فيه "عدم شرعية" انتخاب كودار. وتم تبرير هذا الطعن بوجود ممارسات اعتبرها هؤلاء غير قانونية كإنزال العديد من "الأخوات والإخوة الذين ليسوا أعضاء في اللجنة التحضيرية، كما أنه تم تسجيل العديد من الممارسات المنافية لأخلاقيات العمل الحزبي وضوابطه، لعل من بينها اقتحام قاعة الاجتماعات بالقوة قبل انطلاق أشغال الاجتماع، وتسييد ممارسات تسيء لأدبيات الحزب وشعاراته". لكن طعن فريق بنشماش قابله في التيار المقابل تهنئة من طرف بعض قيادات الحزب لانتخاب سمير كودار صدرت عن رئيس المجلس الفدرالي للحزب محمد الحموتي ورئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري. وحاولت رئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر في بلاغ تأكيد شرعية اختيار كودار عندما روت أن الأمين العام اقترح انتخاب رئيس اللجنة التحضيرية بالاقتراع العلني، مضيفا أن سمير كودار قدم ترشيحه لهذه المسؤولية، ونال ثقة الأغلبية الساحقة من أعضاء اللجنة، وعلى إثر ذلك انسحب الأمين العام. وبين ادعاءات هذا التيار وردود التيار الآخر تتعزز احتمالات انفجار الكيان الحزبي الذي تأسس لأجل إعادة التوازن للمشهد السياسي ومواجهة احتمال هيمنة الحزب الوحيد. وفي خضم صراعاته الداخلية التي لا تنتهي ضاعت رسالة الحزب وأهدافه وأصبح اليوم مفرخة للبلاغات والبلاغات المضادة في الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب الأخرى منذ الآن لمعركة انتخابات 2021. ومن الواضح أن التجربة القصيرة للحزب لم تسعفه بعد في ترسيخ قواعد التعاطي القانوني مع الاستحقاقات الداخلية. وفي هذا الإطار يبدو أن آفة "التوافق" التي بدأ بها الحزب منذ تأسيسه تحولت اليوم إلى حجر عثرة في طريق تقدمه وتجاوزه لأزماته الداخلية والالتفات للعب أدواره كحزب معارض ومسؤول. فقد اعتاد أنصار الحزب في مناسبات سابقة على التوافق على مختلف القرارات الداخلية التي تهم الحزب كاختيار مسؤوليه أو هيكلة أجهزته. وأمام أي استحقاق يلجؤ فيه إلى مسطرة التصويت والانتخاب يواجه الحزب باستمرار مظاهر الطعن والطعن المتبادل في النتائج مما يؤكد أن أزمة الحزب تتخلص في ضعف الديمقراطية الداخلية. آفة الديمقراطية الداخلية هي التي دفعت 13 قياديًا في الحزب في وقت سابق إلى توجيه نداء يدعو أعضاء الحزب إلى ما أسموه ب"تدارك الأخطاء وإصلاح الإعوجاجات" داخل التنظيم السياسي ووضع حد للصراع الداخلي، مقترحين ثلاثة مداخل للعبور من الأزمة الداخلية للحزب تتمثل في "الديمقراطية الداخلية والتدبير الجهوي للحزب كخيار استراتيجي"، و"تجديد النخب الوطنية والمحلية والانفتاح على جيل جديد من القيادات السياسية"، ثم توحيد "توحيد الصف الديمقراطي الحداثي كمدخل لتحصين مكتسبات الانتقال الديمقراطي المنشود". وبينما تتوالى النداءات والمبادرات لإنقاذ الحزب من احتمالات السقوط في الانشقاق أو الانهيار، تتجه كل المؤشرات نحو تفاقم أزمة الحزب الذي فشل منذ تأسيسه قبل أكثر من عشر سنوات في اختيار قيادة تمثل مرجعية للحزب. ويعزو كثير من المراقبين الأزمة المزمنة للحزب إلى مساره التأسيسي وافتقاده لمنطلقات إيديولوجية واضحة وغياب الرصيد التاريخي الذي يعزز تجارب بعض الأحزاب المنافسة. فقد عرف الحزب في بداياته عملية استقطاب شاملة والتحق به أعضاء من مختلف التيارات والتوجهات، وهذا ما يفسر بعض الدعوات التي تعالت في الآونة الأخيرة من أجل تطهير الحزب.