بلا منازع تبقى الولايات المتحدة أول مزود لإسرائيل بالسلاح تليها في الترتيب ألمانيا. وهناك دول أخرى مثل إيطالياواسبانيا أعلنت وقف شحنات الأسلحة لإسرائيل.. أما فرنسا فتؤكد أنها لا تزود إسرائيل سوى بما "يضمن " دفاعها عن النفس… قضية صادرات الأسلحة لإسرائيل لم تكن تحظى بمثل هذه الأهمية والحساسية بما فيها داخل الولايات المتحدة التي يعرف الكل أنها أول مورد للسلاح لإسرائيل بل وجعلت من ضمان أمن لإسرائيل عقيدة وقضية قومية مثلها مثل ألمانيا.. الدعم الأمريكي غير المشروط خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر الماضي بدأ يتآكل شيئا فشيئا مع تصاعد عدد الضحايا من الفلسطينيين ومشاهد الدمار والتجويع والقتل الجماعي الممنهج ضد المدنيين في قطاع غزة. وزاد من تصاعد التوتر بين مزودي إسرائيل بالسلاح والرأي العام في بلدانهم وفي العالم. القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية يوم 26 يناير والذي يطلب من حكومة تل أبيب – كإجراء احترازي- " الامتناع عن القيام بأفعال تدخل في مجال تطبيق معاهدة لمنع ومكافحة جريمة الإبادة". وهو ما دفع بعدة دول مثل اسبانيا أو إيطاليا وقف تعاونها العسكري مع تل أبيب وضمنه تزويدها بالسلاح. المعهد الدولي لأبحاث السلام بستوكهولم ( سيبري) – المعروف بمتابعاته الجدية في هذا المجال لاحظ أن " هناك ضغطا من جانب العديد من الفاعلين أو دول للحد من تزويد إسرائيل بالسلاح بسبب الخروقات المحتملة للقانون الإنساني الدولي". المؤكد أن جميع مزودي إسرائيل بالأسلحة لا يقدمون تفاصيل عن صادرات الأسلحة وبالتالي من الصعب معرفة حجم طبيعتها أو كمياتها لكن بعض المعطيات المتوفرة تسمح برسم صورة عن الوضع . فالولايات المتحدة تبقى وبدون منازع الشريك الأول والأساسي في المجالات الدفاعية. فإسرائيل أول مستفيد من المساعدة الأمريكية للخارج منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى اليوم أعطت الولايات المتحدة لإسرائيل ما يضاهي 158 مليار دولار ( بالدولار الجاري دون اعتبار التضخم) كمساعدات ثنائية وتمويل لنظام الدفاع الصاروخي الجوي المسمى "القبة الحديدية". وحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام 69 في المئة من الأسلحة التي استوردتها إسرائيل ما بين سنتي 2013 و2022 مصدرها الولايات المتحدة وهذه الواردات ممولة جزئيا من مبلغ 3,3 مليار دولار التي تقدمها واشنطن كمخصصات عسكرية سنويا لإسرائيل تضاف لحوالي نصف مليار أخرى موجهة للدفاع الجوي. لكن لا شيء يمنع تل أبيب من الحصول على السلاح خارج هذا الإطار. وحسب معهد ستوكهولم زودت واشنطن الدولة العبرية بعدة آلاف من القنابل والصواريخ الموجهة رغم أن الحجم الكلي لواردات السلاح من الولايات المتحدة ظل مستقرا سنة 2023. وفي نهاية أكتوبر طلب الرئيس جو بايدن من الكونغرس الموافقة على مبيعات أسلحة إضافية لإسرائيل بقيمة 3, 14 مليار دولارفي إطار حزمة يتضن كذلك مساعدات لفائدة أوكرانيا وتايوان. لكن النواب الجمهوريين في مجلس النواب يعرقلون مناقشة المشروع الذي أقره مجلس الشيوخ في فبراير. ومنذ 7 أكتوبر لم يصدر رسميا أي جرد للأسلحة المصدرة لإسرائيل, لكن مصادر صحفية إسرائيلية ذكرت أن 250 طائرة شحن وحوالي 20 سفينة نقلت حتى نهاية يناير عشرات آلاف الأطنان من الأسلحة والمعدات العسكرية غير معروف طبيعتها. وحسب صحيفة نيويورك تايمز التي حققت بشكل خاص حول قنابل إم. ك-84 غير الموجهة والتي تزن الواحدة منها الطن والتي يثير استعمالها في تدمير غزة انتقادات قوية , وقالت الحصيفة أن عددها وصل حتى نهاية دجنبر حوالي 5000 قنبلة… أكثر من ذلك تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل باستعمال المخزون الاستراتيجي من الذخيرة الذي تحتفظ به واشنطن في المنطقة تحسبا لأي نزاع مفاجئ في المنطقة. وهذا الترخيص يعفي واشنطن من موافقة الكونغرس. كما أن حالة الطوارئ التي أعلنها جو بايدن عقب 7 أكتوبر سمحت للإدارة الأمريكية بالتحرر من الموافقة البرلمانية لتزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة. ومنذ 1960 تعمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على توفير " تفوق عسكري نوعي" لإسرائيل على جيرانها من الدول وعلى الفاعلين الآخرين في المنطقة وهو ما سمح لإسرائيل بأن تكون أول دولة في المنطقة تحصل على الطائرة المقاتلة الشبح إف-35 وتتوفر لديها حاليا حوالي 35 نسخة من هذا السلاح المتطور. أما ألمانيا ثاني مزود لإسرائيل بحولي 30 في المئة ما بين 2013 و2022 ضاعفت تراخيص التزود لفائدة إسرائيل عشر مرات ما بين 2022 و2023 والجزء الأكبر من هذه الزيادة تم بعد 7 أكتوبر. وحسب وزارة الاقتصاد وحماية المناخ الألمانية بلغت صادرات المعدات العسكرية الألمانية لإسرائيل السنة الماضية ما قيمته 326 مليون دولار تمثل منها الأسلحة الهجومية نسبة 6 في المئة – مقابل حوالي 2 في المئة سنة 2022- والباقي يتشكل من تجهيزات عسكرية مثل المركبات المصفحة أو ناقلات الجنود أو معدات وتجهيزات الحماية… ولا تفصح الحكومة الألمانية عن تفاصيل الشحنات بدعوى حماية الشركات الألمانية المعنية… أما إيطاليا فقد أوقفت تزويد إسرائيل بالسلاح بعد 7 أكتوبر كما أعلن وزير خارجيتها يوم 21 يناير الماضي وكانت تمثل المبيعات الإيطالية حوالي 9, 5 في المئة من الواردات الإسرائيلية. أما بريطانيا فقد وافقت حكومتها سنة 2023 على تزويد إسرائيل بمعدات عسكرية بقيمة 42 مليون جنيه إسترليني وهي نفس قيمة مبيعات السنة الماضية. قيمة يصفها وزير الدفاع البريطاني ب"المتواضعة نسبيا". ولم تصدر أي بيانات عن التراخيص الممنوحة منذ 7 أكتوبر. لكن مصادر حكومية أشارت أن منحها لن يتوقف مع التوضيح أن الحكومة تحتفظ بحق رفض الطلبات أو إلغاء تلك التي تمت المصادقة عليها بالنظر للمواجهات الجارية في قطاع غزة… وما بين 2018 و2022وافقت الحكومة البريطانية على صادرات أسلحة لإسرائيل بقيمة 146 مليون جنيه إسترليني وهذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار المعدات المقدمة في إطار التراخيص "المفتوحة" التي لا تحدد سقفا لكمية أو لقيمة الشحنات… وبريطانيا تنتج 15 في المئة من قيمة طائرات إف 35. أما فرنسا التي انتزعت من روسيا الصف الثاني عالميا بين مصدري السلاح فتؤكد أنها لا تصدر أسلحة "قتالية" لإسرائيل , وأنها تزودها فقط بما يمكنها من "الدفاع عن النفس"… وحسب التقرير السنوي لسنة 2023 حول صادرات الأسلحة الذي تصدره وزارة الدفاع الفرنسية فإن باريس باعت لإسرائيل منذ 2013 ما قيمته 208 مليون أورو كمعدات وتجهيزات عسكرية منها 6, 25 مليون سنة 2022 يضاف إلى ذلك حوالي 9 مليون أورو كتراخيص صادرات أسلحة من صنف قنابل وقذائف و توربيدات و صواريخ و معدات أخرى مصاحبة… ومثل 113 دولة أخرى منها كل دول الإتحاد الأوروبي صادقت فرنسا على المعاهدة المتعلقة بتجارة الأسلحة التي تمنع على دولة موقعة بيع أسلحة إذا "…كانت على علم …أن هذه الأسلحة أو المعدات قد تستعمل لارتكاب إبادة أو جرائم ضد الإنسانية أو خروقات خطيرة لمعاهدات جنيف لسنة 1949 أو هجمات موجهة ضد المدنيين أو ممتلكات ذات طابع مدني ومحمية بهذه الصفة أو أي جرائم حرب أخرى.." . وهي مقتضيات تأخد معاني أخرى بعد التوصية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية مؤخرا. ويتعين انتظار التقرير القادم حول صادرات السلاح الفرنسية لمعرفة طبيعة وحجم الأسلحة التي تزودت بها إسرائيل من فرنسا سنة 2023. وفي غياب أرقام رسمية أكد وزير الدفاع الفرنسي نهاية يناير الماضي أن "فرنسا تحترم تماما التزاماتها الدولية فيما يخص صادراتها من الأسلحة لإسرائيل… وأنها لا تصدر ولم تكن تصدر قبل أحداث 7 أكتوبر معدات قتالية من المحتمل استعمالها ضد السكان المدنيين في قطاع غزة…". أما كندا فقد أعلن وزير خارجيتها يوم 19 مارس أن بلاده ستوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة. وسبق للبرلمان الكندي أن صادق على توصية غير ملزمة من أجل " وقف فوري لإطلاق النار" وطالب الحكومة بوقف " الموافقة على نقل الأسلحة إلى إسرائيل". ومنذ 7 أكتوبر تقول أوتاوا أنها لم ترخص سوى لمعدات غير قتالية بالنظر للتطور المتسارع للوضع في الميدان. وحسب الأرقام الرسمية صدرت كندا أكثر من 21 مليون دولار كندي (5, 14 مليون أورو) من العتاد العسكري لإسرائيل خلال سنة 2022 . أما إسبانيا فقد أكد وزير خارجيتها أنه لم تتم أية عملية بيع أسلحة لإسرائيل منذ 7 أكتوبر2023. إلا أن الصحافة الإسبانية ذكرت أن مدريد باعت ما قيمته مليون أورو من الذخيرة لإسرائيل, وهذه الشحنات تمثل تراخيص منحت فبل 7 أكتوبر ولا تشمل سوى " تجهيزات التجارب أو الاستعراض وغير موجهة بأي حال للاستعمال في الصراع..". وحسب أرقام وزارة التجارة الإسبانية باعت مدريد ما قيمته 44 مليون أورو من المعدات العسكرية لإسرائيل خلال النصف الأول من سنة 2023. وفي هولندا أمرت محكمة الاستئناف في لاهاي يوم 12 فبراير من الحكومة الهولندية وقف تصدير مكونات إف 35 المخزنة في المركز الجهوي للمصنع الأمريكي لوكهيد مارتن واعتبرت المحكمة في إطار الدعوى التي رفعتها ثلاث منظمات غير حكومية أن " هناك خطر واضح بأن طائرات إف 35 التي تستعملها إسرائيل تسفر عن خروقات خطيرة للقانون الإنساني الدولي" في قطاع غزة. وقد لجأت الحكومة لمسطرة الطعن في القرار. وخلال سنة 2022 استوردت إسرائيل ما قيمته 2,3 مليون أورو كقطع غيار لمقاتلات إف 35 المخزنة في هولندا. وسمحت هولندا في ربيع 2022 تصدير " قطع مقذوفات موجهة ومحركات إطلاق" بقيمة 10 مليون أورو. وهي عملية التصدير الوحيدة المسجلة هذه السنة.