قبيل أيام قليلة من حلول شهر رمضان الأبرك، وجدت العديد من الأسر المغربية نفسها في ارتباك وتوجس وحيرة بين الاقتراض من مؤسسات التمويل الصغرى، وبين ترشيد النفقات لمواجهة غلاء الأسعار بالأسواق، على اعتبار أن هذا الشهر يمثل ذروة الاستهلاك خلال السنة بالنسبة لمختلف أطياف المجتمع.
وتجدر الإشارة أن مؤشرات الوضعية المالية للأسر المغربية تستمر في التراجع إلى منحنيات مهولة، إذ قفزت قيمة القروض معلقة الأداء بذمة الاسر لفائدة البنوك إلى 38.7 مليارات درهم، أي 3870 مليار سنتيم.
وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الفائدة البنكية على القروض خاصة منها الاستهلاكية، فإن الأسر ما زالت في منحى تصاعدي نحو الاقتراض من أجل تمويل الاستهلاك، إذ قفزت قيمة القروض التي حصلت عليها بنهاية العام المنصرم إلى 57.4 مليارات درهم، أي 5740 مليار سنتيم، بزيادة سنوية نسبتها 0.5 في المائة مقارنة مع سنة2022.
هذا وأظهرت الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن 42.1 في المائة من الأسر استنزفت مدخراتها، ولجأت إلى الاقتراض خلال الفصل الرابع من سنة 2023، واعترفت نسبة 59.8 في المائة من الأسر بتدهور وضعيتها المالية خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وفق إحصائيات المندوبية.
وفي نفس السياق اعتبر محمد شيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، أن الأسر حافظت بشكل غريب على عادات استهلاكية ثابتة، في مواجهة منها لارتفاع كلفة الاقتراض لدى البنوك ومؤسسات التمويل، فضلا عن تنامي حجم النفقات بسبب التضخم وموجة الغلاء، مؤكدا أن شهر رمضان المقبل سيعكس بالملموس هذا الوضع الذي يسائل بشكل أكبر الباحثين في علم الاجتماع وسلوك المستهلكين.
وتوقع نفس المتحدث استمرار مستوى استهلاك وإنفاق الأسر خلال الفترة الرمضانية المقبلة، في ظل عدم تسجيل أي مؤشرات تحيل إلى تراجع قيمة القروض الاستهلاكية الممنوحة إلى الأسر، موضحا أن بعض زبناء البنوك استمروا خلال الفترة الحالية في الاقتراض من أجل سداد قروض سابقة، ليجدوا أنفسهم في دوامة ائتمانية صعب الخروج منها على المدى المنظور.
وفي نفس الإطار، أفاد مراد بدير مستشار في المنازعات البنكية، أن استمرار مستوى الإنفاق المرتفع للأسر رغم تداعيات التضخم وارتفاع كلفة الاقتراض، يضفي المزيد من الغموض على الوضعية المالية للأسر بشكل عام، ويعقد عملية تتبع مسار المعاملات سواء بين الأفراد أو المقاولات، فضلا على أن تصاعد الإنفاق المرتقب في شهر رمضان المقبل، يخالف المنطق في الاقتصاديات المتطورة ويبرز بجلاء ضعف بنية الاقتصاد الوطني، بالرغم من الإنجازات المسجلة على مستوى مؤشرات المالية العمومية، فيما يتعلق بعجز الميزانية وارتفاع ميزان الأداءات وغيرها، وهو ما سماه المتحدث ب"اقتصاد الظل" الذي اعتبره أنه يواصل نموه بل ويعيق مسار تقدم مجموعة من الإصلاحات البنيوية، خاصة منها في المجالات السوسيو اقتصادية. فضلا عن تناقضات الوضعية المالية للأسر المغربية التي تتجلى بشكل واضح حسب بدير، وذلك من خلال ارتفاع مظاهر الاستهلاك، سواء بالنسبة إلى السلع الأساسية أو الكماليات، وكذا ارتفاع الطلب بالأسواق رغم غلاء الأسعار.