الصفحات المنيرة من حياة المقاوم المغربي الراحل محمد بنسعيد آيت إيدر طافحة بالكثير من المواقف التي تؤرخ لمسار حافل بالنضال يقارب قرنا من الزمن، ظلَّ على امتداد سنواته الطوال يحمل في داخله همَّ تحرير البلاد من الاستعمار وآمن بمغرب ديمقراطي مستقل، إلى أن فارق الحياة في السادس من فبراير الجاري.
روى عبد العزيز النويضي المحامي والحقوقي والأستاذ الجامعي ضمن مذكراته الصادرة حديثا، تفاصيل حدث يلخص موقف صانع تجربة "التناوب التوافقي" في المغرب، المجاهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي، إزاء بذل مساع لدى الملك محمد السادس للعفو عن معتقلي "حراك الريف".
النويضي، الذي عمل إلى جانب اليوسفي كمستشار له عندما كان وزيرا أولا بين 1998 و2002، وظل على احتكاك به حتى بعد اعتزاله السياسة وركونه إلى الصمت؛ كشف في كتابه "مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي دروس من تجربة التناوب وما بعدها"، أن الأنثربولوجي والأستاذ الجامعي بجامعة "برينستاون" عبد الله حمودي، اقترح عليه زيارة اليوسفي لإقناعه بتقديم طلب للملك قصد العفو عن ناصر الزفزافي ورفاقه.
وانطلق النويضي وحمودي من المكانة الخاصة التي يحظى بها اليوسفي لدى الملك، فضلا عن رمزيته الوطنية والحقوقية والإنسانية الكبيرة، ليقودان سنة 2018 مبادرة لطي ملف "أحداث الحسيمة" الشائك.
يقول النويضي في مذكراته: "فكَّرنا في أن يكون الطلب من رجلين من الطراز الأول اللّذين يجمعهما النضال من أجل الاستقلال مع النضال من أجل الديمقراطية، فوقع الاختيار على محمد بنسعيد آيت يدر. اتصلت بالأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد السيدة نبيلة منيب لتسهيل اتصالنا بآيت يدر فرحبت بالفكرة". وأكد النويضي أن معارض الملوك الثلاث محمد بنسعيد آيت يدر رحّب بالمبادرة التي عرضت عليه وأعرب عن استعداده مرافقة اليوسفي في طلب العفو إن قبل، بالرغم من أن مكانتهما لدى القصر ليست متكافئة.
"اتصلتُ باليوسفي لتجديد الموعد الذي كنت أخذته معه سلفا، فأكد الرابعة عصرا"، يحكي النويضي في مذكراته، متابعا: "وصلتُ رفقة حمودي في الموعد المحدد بدقة، وبعد كأس شاي في ركن بالصالون الكبير فاتحته في الموضوع فاستمع باهتمام كعادته وأخبرته باستعداد بنسعيد لمرافقته في المسعى".
وأكمل: "كان عرضي جد موجز لأنه بدا لي جد متعب. عندما تكلم فاجأنا بالقول: "انتوما فيكم البركة". قلت في استغراب "وهل لنا مكانتك وتاريخك ووزنك لدى جلالة الملك؟"، فأجاب: "أنا متعب ولم تبق لي إلا ثلاثة أيام لأموت".
وخلص النويضي وهو يروي هذه الواقعة: "حاول الأستاذ حمودي بدل مزيد من الترافع، وبعد جملتين ضغطتُ على يده لكيلا يستمر لمعرفتي أن اليوسفي قلّمَا يتراجع في مثل هذه الحالات. ودّعناه وعدنا أدراجنا إلى الرباط".
فتح على امتداد سنواته الطوال صدره للرصاص حاملا السلاح لتحرير بلاده من الاستعمار، وجرب مأساة الاعتقال ولوعة المنفى والحكم بالإعدام، ثم انح جعلت منه رمزا وطنيا