قدّم أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري عبد العزيز النويضي، ثلاثة أسباب رئيسة، يرجح أن تكون قد أفضت إلى "الخروج عن المنهجية الديمقراطية، وأنهت بذلك تجربة "التناوب التوافقي" بقيادة الوزير الأول، عبد الرحمان اليوسفي. وفي تفسيره لبواعث إعفاء الملك محمد السادس لعبد الرحمان اليوسفي من الوزارة الأولى، وتعيين ادريس جطو بدلا له في أكتوبر 2002؛ أفاد النويضي الذي اشتغل مستشارا للوزير الأول في مجال حقوق الإنسان، بأن "نخبة العهد الجديد ومحيطه كانت لا تريد استمرار شخص بوزن اليوسفي وشرعيته التاريخية والنضالية، خاصة أنه رغم اعتداله فهو يصر على السير قدما في الإصلاحات الكبرى رغم العراقيل التي يصادفها". واعتبر النويضي في مؤلفه الصادر حديثا "مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها"، أنه "لم يكن محمد السادس كملك جديد مطوقا بأي التزام سياسي أو إكراه دستوري لتعيين اليوسفي من جديد"، وأبرز أن اليوسفي أوفى بعهده للملك الراحل الحسن الثاني بعد أن قبل تشكيل حكومة التناوب في 4 فبراير 1998، بالنظر، يقول النويضي، لأخلاقه ولشرعيته الداخلية وسمعته الدولية. ويرى مستشار الوزير الأول أن هذا الأخير "لم يكن بإمكانه، في ظل موازين قوى اختلت كما سنرى بعد الخلاف مع الشبيبة ومع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وانسحابهما من مؤتمر 2001، فرض ترسيخ تقاليد ديمقراطية لازال الملك الجديد لم يقتنع بها كلية أو هو يقدر أن مصلحة الملكية لا تدعو لتقاسم السلطة أو السير قدما في ذلك الاتجاه"، مستحضرا في هذا الصدد مقتطفا من كتاب "خواطر الصباح" لصاحبه المفكر المغربي عبد الله العروي، يتحدث فيها عن "الحملة التي شنتها مصالح متعددة ضد حكومة اليوسفي في الداخل والخارج بعد مجئ الملك محمد السادس، بهدف تخويف الملك من نوايا الجميع، خاصة من الأحزاب اليسارية وتشجيعه على أخذ المبادرة والاستئثار بالحكم حتى يتيسر فيما بعد الضغط عليه وضمن هذه الخطة إحياء أشباح الماضي". وذهب النويضي إلى القول إن "أصحاب القرار ربما ندموا على عدم تعيين اليوسفي إثر انتخابات حصل فيها حزبه على الدرجة الأولى. وقد يفسر هذا أيضا بالعناية الكبيرة التي أحاط بها الملك محمد السادس اليوسفي مثل أبيه، مع العلم أن الملكين كانا يحبانه ويقدرانه، ولكن للسياسة والمصالح منطقها". السبب الثاني، حسب النويضي، يكمن في ضعف الحزب بعد خروج ذراعه القوية وضميره المتقد معا، أي المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والشبيبة الاتحادية بعد المؤتمر السادس، موضحا أن السياسة ميزان قوة وتضارب مصالح، لذلك فإن وزيرا أول بحزب ضعيف، لم يعد من الممكن أن يفيد في التعبئة لفائدة السياسات العمومية أو على الأقل أن يحيد تلك القوى من أي صراع ضد المؤسسات والحكومة وضد السياسات التي يرغب فيها النظام. أما السبب الثالث، فيتمثل وفق أستاذ العلوم السياسية، في خروج القائد الاشتراكي ليونيل جوسبان من سباق انتخابات الرئاسة الفرنسية في الدور الأول قبل الأوان في ماي 2002، ليقتصر السباق نحو قصر الإليزيه في الدور الثاني على جاك شيراك وجون ماري لوبين. فلو أن الاشتراكي جوسبان، يعتقد النويضي "بقي إلى الدور الثاني، فمن المرجح أن تكون له حظوظ كبيرة للفوز برئاسة فرنسا"، متابعا: "من وجهة نظر التحليل السياسي، فإن حاجة القصر لليوسفي كانت ستكون مؤكدة في حال وجود جوسبان رئيسا لفرنسا، أما جاك شيراك فهو أكثر من صديق للمغرب، إنه صديق العائلة الملكية". "أتذكر أنني دخلت غداة خروج جوسبان من السباق، مكتب سي عبد الرحمان، فوجدته حزينا وبدا لي وجهه كلون التراب"، يحكي النويضي، مؤكدا: "لاشك أنه تأسف لخسارة صديق كبير إنسانيا وسياسيا. ولست أدري إن ربط ذلك أيضا بمصيره في الوزارة الأولى".