في الوقت الذي يستعد فيه حزب الأصالة والمعاصرة لعقد مؤتمره الوطني المقبل، وفي غمرة الأخبار المتلاحقة عن متابعة قياديين ومنتخبين ينتمون لحزب "الجرار"، من الذين زكّاهم الأمين العام الحالي عبد اللطيف وهبي، لخوض غمار انتخابات الثامن من شتنبر الماضية، بألوان وشعار الحزب، يطفو على السطح سؤال ما إذا كانت هذه المتابعات والسقطات المتتالية لأعضاء تيار وزير العدل الحالي داخل حزب الأصالة والمعاصرة تشكل إيذانا بنهاية مستقبله السياسي؟
وهبي، الذي جيء به لرئاسة "التراكتور" من أجل أداء وظيفة "تبييض" تاريخ تنظيمه وصناعة مشروعية جديدة له. بعدما نجح في قيادة الحزب للحصول على المرتبة الثانية في آخر انتخابات، وتحقيق هدف المشاركة في الحكومة، أخذته الحماسة، فبدأ يستعيد خطاب التأسيس والبدايات الممهور بنزعة التغول وشهوة الهيمنة واستئصال المخالفين، لتتوالى زلاته السياسية وتتكشف نواياه للمغاربة في حلبة الممارسة والرياسة والتدبير الحكومي.
ليس امتحان الأهلية لولوج مهنة المحاماة الذي أعيد إجراء نسخة ثانية منه، بعد تدخل مؤسسة وسيط المملكة، هو الفضيحة الوحيدة المسجلة في دفتر فضائح عبد اللطيف وهبي، الذي أشرف قبل سنة على امتحان اجتازه الآلاف من شباب المغرب، الراغبين بشهادة تمكنهم من ولوج مهنة إما حلموا بممارستها حبا أو هربا من شبح البطالة. ففوجئ كثيرون في الأخير بأن قوائم الناجحين تضم بين ثناياها من يحمل الاسم العائلي لوزير العدل بدل أسمائهم.
فضيحة أثارت زوبعة كبيرة، كان المغرب الذي يحارب خصوما ظاهرين وخفيين على مختلف الجبهات، في غنى عنها، لو أن سعادة الوزير حرص على ضمان مرور تلك المحطة في ظروف لم تشبها خروقات ولا تجاوزات. لكن وزيرنا للأسف، آثر إلا أن يكون أول الراسبين في الامتحان.
وهبي، الذي يدعي معرفته بألوان جوارب "المغاربة". ألم يكن يعرف وهو يوقع تزكيات مرشحي الثامن من شتنبر 2021، طبيعة المنتخبين الذين وضعهم على رأس لوائح البرلمان ومجالس العمالات والمقاطعات والجماعات، وما تخفيه بطونهم؟
ألم تسترق أذناه ما يتداوله الناس من أخبار عن شبهات فساد تحوم حول "فلان" و"علان"، وعن ولائم الحملات الانتخابية والأموال التي تشترى بها ذمم الفقراء من المصوتين؟ أم أن الرجل كان عالما بخبايا الأمور ومستشعرا لما يروج، لكنه كان "ميكيافيلي" الخلفية، فغلّب غاية ترشيح الأقدر على حسم المقعد لصالحه، بغض النظر عن الطرق والوسائل؟
وهبي، مبدع فكرة "قانون شراء أيام السجن"، هل كان يتوقع أن يَسقط مليارديرات من حزبه في ورطة المتابعات بتهم "التزوير والاختلاس وتبديد أموال عمومية والاتجار بالمخدرات" وغيرها من التهم التي تنذر بفساد "نخبة" يفترض فيها محاربة الفساد والدفاع عن حقوق المغاربة؟
هل كان يعي وهو يطلق التصريحات "المتعالية" ذات اليمين وذات الشمال، أن الحريص على عدم "ليّ يد الدولة"، يجب أن يكون أول من يُجنب دولته ومؤسساتها، وعلى رأسها البرلمان، من تفوح منهم رائحة الفساد، وأن يوصد أبواب الترشح وتصدر الشأن العام في وجهوهم؟
في النهاية، وهبي الذي قد يعصف به التعديل الحكومي المرتقب، وبعده مؤتمر حزبه القادم، ليس سوى تلك الشجرة التي تخفي الغابة، فحديثنا عنه، إنما هو استحضار نموذجٍ لما يمكن أن يفرزه التعثر والتلكؤ في المضي نحو إقرار ديمقراطية حقيقية، بوجود أحزاب سياسية تمتلك قراراتها، ونخب حزبية صقلتها الممارسة وأنضجها التكوين، ومرت عبر آليات التنخيب الحزبي والمجتمعي بشكل طبيعي.. نخب سياسية مؤمنة بالديمقراطية باعتبارها قيمة حقيقية، وليست شعارا.. نخب حريصة على مؤسسات الدولة المغربية وقوتها.
والأهم من ذلك، أن تكون نخبا لا تفوح من جواربها رائحة الفساد النتنة التي يمكن أن تعمي العيون عن رؤية كثير من الجمال المؤكد وجوده في هذا الوطن العزيز.