Reuters كانت المنطقة العربية قاب قوسين أو أدنى من مرحلة سياسية جديدة: عودة علاقات من هنا وتطبيع من هناك. لكن تلك الحقبة من الهدوء السياسي لم يُكتب لها أن تستمر بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تاريخ بدء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل. وقد أرادت الإمارات، الدولة المضيفة للدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف أو ما يعرف ب"كوب 28" الذي سينعقد في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أن يكون هذا الحدث العالمي فرصة لجمع قادة العالم تحت راية المناخ. وأريد من هذه الفرصة أيضاً تقريب العرب من إسرائيل التي تلقّى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو دعوة للمشاركة في المؤتمر. لكن كثيرين يستبعدون مشاركة نتنياهو في ظل الحرب المستمرة، وفي ظل توقعات بأن عدداً من النشطاء سيحوّلون موضوع اعتصاماتهم من قضية المناخ إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقد يلفت هؤلاء الانتباه إلى مفاقمة الحرب المستمرة تدمير البنية التحتية وخدمات المياه وتسببها بنزوح جماعي في قطاع غزة، ما ستكون له آثار كارثية برأيهم على الفلسطينيين المتضررين أساساً من التغيّر المناخي. الحرب والتغيّر المناخي AFP أكثر من ذلك، ثمة من يرى أن هناك علاقةً بين استمرار الحرب والتغيّر المناخي. وقد اعتبرت مؤسسات حقوقية أن إطالة أمد الحرب واتساع نطاقها الجغرافي سيؤثر على أسعار النفط حول العالم. وهو أمرٌ قد ينعكس سلباً على قدرة البلدان الأكثر ثراءً واستعدادها لمساعدة البلدان الأكثر فقراً والتي تعاني من تغيّر المناخ. وقد وُضعت هذه المسألة سابقاً كأولوية وبمثابة تعهد على أجندة "كوب 28". وهناك احتمال كبير أن تسرق الحرب في غزة الأنظار من الأجندة المناخية. إذ إن قادة العالم قد يتطرقون في كلماتهم إلى الحرب الدائرة بين حركة حماس وإسرائيل. وإذا حصل ذلك فعلاً، فتلك قصة. أما إذا تم تجاهل الحرب كلياً وتم التركيز فقط على أمور مناخية، فتلك قصة أخرى. حضور إشكالي للأسد AFP وسواء كانت الحرب في غزة حاضرة أم لا، لا شك في أن هوية الحضور ستكون تحت المجهر. فمن بين الشخصيات التي وُجهت لها دعوةٌ لحضور المؤتمر، الرئيسُ السوري بشار الأسد. فهل سيحضر الأسد العائد حديثاً إلى الحضن العربي، أم سيغيب؟ وفي حال حضوره، هل سيحرج الأمر دولاً غربية وهل يحرج تحديداً الإمارات؟ خصوصاً بعد إصدار محكمة فرنسية مذكرة توقيف في حق الأسد بتهمة التواطؤ بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. "رئيس قمة المناخ مديرٌ لشركة بترول" AFP وإلى جانب مسألتي الحرب وحضور الأسد، لم يسلم الحدث المنتظر من الجدل حتى قبل أشهر من انعقاده لأسباب أخرى أيضاً. ففي كل مرة تستضيف فيها حدثاً عالمياً، تواجه الإمارات انتقادات عدة، خصوصاً في ما يتعلق بسجلها في مجالي حقوق الإنسان وحرية التعبير. كما طالت الإمارات هذه المرة انتقادات أخرى متعلقة بقضية المناخ نفسها. فالإمارات التي تستضيف مؤتمراً هدفه تقليل الانبعاثات الكربونية، هي من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم. الأمر الذي يراه كثيرون تضارباً للمصالح. إلى ذلك، تواجه الإمارات أيضاً انتقادا آخر بسبب رئاسة القمة التي أسندت إلى سلطان الجابر، وهو الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية المعروفة ب"أدنوك". والسؤال الذي طُرح من قبل جمعيات مناخية حين تم تعيينُه: كيف لشخصية تعمل في شركة بترول، أي في مجال الوقود الأحفوري، تحقيق أهداف قمة المناخ العالمية؟ كما أثارت قضية إدارة "أدنوك" لقاعدة البيانات الخاصة بمؤتمر كوب 28 تساؤلات عدة. وقد تحدثت تقارير صحفية عن تمكّن "أدنوك" من قراءة رسائل البريد الإلكتروني من مكتب "كوب 28" وإليه، الأمر الذي اعتبره كثيرون أشبه بإشراف شركة عالمية للتبغ على الأعمال الداخلية لمنظمة الصحة العالمية. العمالة الوافدة والتظاهر وطالت انتقادات أخرى مسألة بحقوق العمّال الوافدين في الإمارات. ففي أحدث تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، اعتبرت المنظمة أن ما وصفته بالانتهاكات الإماراتية لحقوق العمّال تساهم في الظلم المناخي بطرق عدة. وبحسب التقرير، تعرّض هؤلاء لمخاطر مناخية متصاعدة، لا سيما الحرارة الشديدة المرتبطة بالأضرار الصحية المزمنة وحتى بالوفاة. كذلك، وُجّهت انتقادات للإمارات بسبب منعها لأي شكل من أشكال التظاهر ولو كان سلمياً. ولكن بعد ضغوط عدة من أكثر من جهة حقوقية، أعلنت الإمارات أنها ستسمح ب"التظاهر السلمي" في أماكن محددة. جاء ذلك بعد توقيع سلطان الجابر اتفاقية مع الأمين التنفيذي لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ سايمون ستيل. وقد اعتبرت منظمات حقوقية هذه التعهدات تضييقاً على الحريات وأبدت تخوّفها من أن يتكرر مشهد التضييق على المتظاهرين كما حصل في قمة "كوب 27" للمناخ التي عُقدت في شرم الشيخ العام الماضي.