يوم بيوم إننا نذبح.. فالرجاء عدم الإزعاج نور الدين مفتاح نشر في 25 أكتوبر 2023 الساعة 16 و 12 دقيقة كل هذا فقط لأن المقاومة بادرت إلى عملية داخل حدود فلسطينالمحتلة. كانت هذه وقاحة ضد إسرائيل، والآن يقولونها بلا تردد: لقد أعطينا اليهود أرضا ودولة لئلا تتكرر المحرقة. واليوم عندما تجرأت كتائب القسام على تجاوز حائط الفصل العنصري، فإنها أعادت المحرقة !! نور الدين مفتاح [email protected]
قبيل بداية كتابة هذه السطور، كنت أتابع المؤتمر الصحافي لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فإذا به يصف الفلسطينيين ب «الحيوانات»، وهي المرة الثانية بعدما سبق لوزير دفاعهم أن استعمل نفس الوصف. وبعد هذا بقليل، استهدفت قذيفة اسرائيلية جبانة مستشفى المعمداني الذي كان يحتمي به المدنيون، لتقتل ما يناهز الخمسمائة شهيد دفعة واحدة ! إنهم سائرون في عمليات إبادة شعب محاصر، يقتلون منه ويجرحون آلاف الضحايا يوميا، أكثر من نصفهم أطفال ونساء. 100 طفل يقتلون يوميا في غزة، والغرب يصفق!
نحن مجرد حيوانات، لا حق لنا لا في مقاومة ولا في أرض ولا في كرامة، ويقولون إنها البداية فقط!
الرئيس الأمريكي وصل إلى تل أبيب، وهذه أول مرة في التاريخ يهدد فيها ساكن البيت الأبيض بأن بلاده ستدخل الحرب إلى جانب إسرائيل إذا فتحت عليها جبهة قتال. بمعنى: الرجاء عدم الإزعاج، إننا نقتل. ومن تحرك، كحزب الله، يجيبه رئيس مجلس الأمن القومي: سنعيد لبنان إلى القرون الوسطى. إسرائيل تبيد والغرب يصفق!
كل هذا فقط لأن المقاومة بادرت إلى عملية داخل حدود فلسطينالمحتلة. كانت هذه وقاحة ضد إسرائيل، والآن يقولونها بلا تردد: لقد أعطينا اليهود أرضا ودولة لئلا تتكرر المحرقة. واليوم عندما تجرأت كتائب القسام على تجاوز حائط الفصل العنصري، فإنها أعادت المحرقة !!
إن العربي اليوم نازي ! والمسلم داعشي إرهابي ! بل أكثر من هذا، لقد فقدنا إنسانيتنا ونحن لسنا سوى حيوانات. كل من تظاهر ضد الغطرسة الإسرائيلية يعتبرونه مشيدا بالإرهاب. ففي فرنسا اليوم، إذا رفعت علما فلسطينيا في الشارع يمكن أن تحاكم بمعاداة السامية. نحن نذبح وهم في الغرب حريصون على ألا نبكي. لأول مرة في التاريخ تسقط الأقنعة هكذا وتتعرى مبادئ الأممالمتحدة التي جمعتنا بعد حربين كونيتين بشعتين على قيم إنسانية جديدة. كل شيء على أعتاب بني صهيون ينهار، كل هذه القيامة من أجل عملية مقاومة في عمق بضع عشرات من الكيلومترات خارج غزة المحاصرة. هذا الجنون أكبر مما كان يتصوره كبار المهادنين وحتى المطبعين.
هذه حرب لن تشبه أي حرب أخرى سابقة! هذه حرب جعلت حتى الأنظمة التي قيل إنها مهادنة للكيان الغاصب تنتفض، فهذا رئيس مصر عبد الفتاح السيسي يعيد وزير خارجية أمريكا خائبا، وهذا عاهل الأردن الملك عبد الله يرسم خطا أحمر أمام محاولة إشراكه في جريمة تهجير الفلسطينيين، وهذا ولي العهد السعودي يوقف قطار التطبيع ويعيد ربط الاتصال مع طهران، والبقية تأتي.
إن الذي لا يتذكره الغرب اليوم هو أن انتخابات 2022 بإسرائيل أفرزت أسوأ حكومة على الإطلاق وأكثرها تطرفا، يقودها حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، سليل إسحاق شامير وأرييل شارون، ويشارك فيها حزب «الصهيونية الدينية» الذي تأسس على أنقاض حركة «كاخ» التي اعتبرت من طرف إسرائيل نفسها سنة 1994 بأنها إرهابية!
هذه الحركة هي التي يتزعمها إيثمار بن غافير زعيم مناصري الاستيطان والذي حصل على حقيبة وزارية ليقضي على الضفة، وبلغة شهد شاهد من أهلها، فقد قال عنه وزير الدفاع السابق المعارض بيني غانتس بعد تأسيس الحكومة: «لقد تم خلق جيش خاص لبن غافير في الضفة الغربية على نحو يشكل خطورة على تفعيل قوات الجيش ويخلق مشاكل أمنية أشبه بعمليات إرهابية». وهذا الحزب هو الذي يضم واحدا من أشهر المتطرفين هو وزير المالية بتسلئيل سموطريتش الذي لا يعترف بوجود شعب فلسطيني من الأصل.
في هذا الائتلاف الانفجاري، نجد كذلك حزبين دينيين متطرفين هما «شاس» و«يهودوت هتوراه» وكل هؤلاء يجمعهم خط واحد هو عدم الاعتراف بحل الدولتين في القضية الفلسطينية. والغريب أن هذا الغرب الذي يقف وراء مجازر هذه «العصابة» هو من كان من قبل ينتقد هذا الخليط المتطرف وسياساته، بما في ذلك السيد جو بايدن، ولكن يتبين الآن أن التقية الحقيقية ليست ملكية شيعية ولكنها علامة غربية مسجلة اتجاه الكيان الصهيوني.
إن إسرائيل في العمق، وحماتها لم يؤمنوا أبدا إلا بدولة إسرائيل الكبرى، وهي التي تضم فلسطينالمحتلة سنة 1948 والأراضي المحتلة سنة 1967، أي الضفة والقطاع والجولان، ثم شمال الجزيرة العربية ويعني نصف السعودية وبلاد الشام، وغرب الفرات أي نصف العراق وكل سورياولبنان تقريبا، وشبه جزيرة سيناء وشرق النيل أي نصف مصر. وأخشى أن نكون اليوم، مع هذه الحكومة الإسرائيلية المجنونة، ومع هذا الدعم الغربي غير المسبوق، في بداية الطريق نحو هذا الهدف، وأن يكون دك غزة وإبادة سكانها مجرد انطلاقة، لهذا تجدهم يقولون إن الحرب ستكون طويلة.
أمام كل هذا الظلم والدمار والقتل ترانا عاجزين، ولكننا لم نفقد إنسانيتنا، وكم كانت مباركة تلك المسيرة المليونية بالرباط يوم الأحد، التي عبرت عن حقيقة وجدان الشعب المغربي الذي خاله البعض قد خبا وتخلى عن قضية فلسطينية اعتبرناها أبا عن جد قضية وطنية. حتى التطبيع المغربي الذي أراده البعض احتفاء بإسرائيل، بينت الدولة المغربية بأنه تطبيع لإكراهات لدى الدولة التي لم تتخل عن مساندة القضية الفلسطينية. بيان المغرب كان مشرفا في شجب المجزرة في غزة، وبيان مجلس النواب كان مشرفا. هذا هو المغرب الأبيّ وليس مغرب بعض الذين أخذتهم الحماسة حتى أصبحوا إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين. ألم يشتموا القضية وسموها ب«فلسطيز»!!
هذا المغرب ليس طارئا على القضية، فالمغاربة حاربوا إلى جانب صلاح الدين الأيوبي وأصبحت لهم أوقاف في القدس قبل أكثر من 800 عام، وحيّ يحمل اسمهم إلى الآن، وإن كان الصهاينة قد هدموا بيوتهم واغتصبوا ممتلكاتهم. هذا المغرب له شهداء وهو يشارك في حرب أكتوبر المجيدة سنة 1973. وهذا المغرب أيضا احتضن اليهود عندما كانت معاداة السامية تقتلهم في أوروبا، بما في ذلك فرنسا على عهد حكومة فيشي، وحماهم المغفور له محمد الخامس، واليوم يعطوننا من باريس الدروس في معاداة السامية؟! المغرب له مسؤولية، وله واجب مبدئي لا يتنصل منه، وإلى الآن الملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس، فمع أي إسرائيل سنتصالح إذا لم تكن تلك التي التزمت بحل الدولتين؟
عموما، إن الذي يجري خطير وغير مسبوق، ولكنه في النهاية أحسن من هذا الانتظار والتلكؤ الذي جعلنا نؤرخ لقضية شعب لمدة 75 عاما بالمجازر والمذابح والتهجير. اليوم دقت ساعة الحسم، ففي النهاية، مع القضايا العادلة لا يستقيم إلا العيش بكرامة أو الموت بشرف.