يمر المغرب اليوم بأزمة عصيبة ليست كغيرها من الأزمات، فبعد أن ضرب الزلزال المدمر مساء الجمعة الماضية إقليمالحوز، شهدت المنطقة خسائر بشرية ومادية جسيمة. وفي خضم هذه الكارثة التي حلت بالمملكة المغربية، حظي المغرب بتضامن منقطع النظير من مختلف دول بقاع العالم، ومن الحكومات والمنظمات الدولية، التي عبرت عن تعاطفها الكامل، واستعدادها المطلق لتقديم مختلف المساعدات والإعانات للشعب المغربي.
وبناء على تقييم دقيق أجرته السلطات المغربية، للاحتياجات في الميدان، "آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية"، استجابت المملكة في هذه المرحلة بالذات، لعروض الدعم التي قدمتها دول إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والتي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ.
استجابة المغرب لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة الأربعة المذكورة، وعدم قبوله المساعدات الفرنسية خصوصا، رغم التوضيحات التي قدمتها وزارة الداخلية المغربية، خلق جدلا كبيرا في الأوساط الفرنسية، حول دلالات وأسباب عدم رد أو تجاهل السلطات المغربية للعرض الفرنسي.
موقع "مغرب إنتلجونس"، ذكر نقلا عن وزير فرنسي سابق: "في الإليزيه، نتفهم جيدا الضرر الذي ألحقه إيمانويل ماكرون بالعلاقات الفرنسية المغربية، لكننا نصر على عدم رؤية الأمور وجها لوجه"، مضيفا أن العلاقات مع إيمانويل ماكرون، بالنسبة للقصر الملكي في المغرب، "وضعت على الرفّ" بشكل نهائيّ.
في هذا السياق، قال الخبير السياسي محمد شقير، إن البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية حاول أن يصحح مجموعة من المغالطات التي توقع أن يركب عليها الإعلام الفرنسي، وهذا ما شاهدناه بالضبط، خاصة من جريدة "الفيغارو" و"الاكسبريس"، وبعض القنوات التلفزية الرسمية الفرنسية، التي تحاول أن تظهر بسوء نية أن السلطات المغربية قد رفضت المساعدات الفرنسية التي تحتاجها الساكنة، بعدما سبق أن أشارت إلى غياب الملك وصمته أمام هول أخطر زلزال ضرب أفقر المناطق هشاشة بالمغرب.
وتابع شقير: "بلاغ وزارة الداخلية المغربية، كان واضحا ورفع اللبس سياسيا واعلاميا، خاصة وأن المغرب تقدم بشكر كل الجهات الأجنبية على تضامنها الواسع معه لكنه سيتعامل مع المساعدات الأجنبية المقدمة وفق خطة مدروسة ومنظمة، تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الضرورية والعاجلة التي تهم في البداية الإسراع في مرحلة الإنقاذ والبحث عن الضحايا من داخل الأنقاض الشيء الذي جعله يقبل بشكل سيادي مساعدات أربع دول تتمثل في إسبانيا وبريطانيا والإمارات وقطر".
مسترسلا: "هذه الخطة تأخذ بعين الاعتبار أيضا، التأطير الإداري واللوجستيكي لمختلف المساعدات، سواء تلك المقدمة من طرف مكونات المجتمع المدني بالمغرب أو المساعدات الأجنبية".
وعن تعاطي السلطات المغربية مع العرض الفرنسي، قال المحلل السياسي إن "المغرب تفاعل بشكل مهذب وصامت حتى لا يتم توظيف المساعدات الفرنسية لأغراض سياسية، تظهر المغرب كبلد محتاج، مما قد يساهم في تكسير الندية السياسية التي رسمها العاهل المغربي في تعامله مع سياسة ماكرون، التي استندت إلى الميل غير المتوازن نحو الجزائر، أو في التعنت السياسي بتشبثه بموقفه الضبابي إزاء قضية الوحدة الوطنية بعدما غير شركاء أوروبيين موقفهم من المبادرة المغربية للحكم الذاتي".
وبخصوص سبب هذا التحامل الإعلامي الفرنسي، يرى شقير أنه "راجع إلى عدم رد الملك على مكالمة هاتفية للرئيس الفرنسي ماكرون، والتي أجراها من طائرة عودته من قمة العشرين، التي أكدت في بيانها على تضامنها واستعدادها لدعم المغرب، في مواجهة كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وبعض مناطق سوس والجنوب".
ووفق المحلل السياسي، فإن "الرئيس الفرنسي من خلال سياسته مع المغرب، التي تقوم على التعنت والاستفزاز، وعدم الاستجابة لكل الضغوط التي تمارسها أوساط سياسية واقتصادية فرنسية معروفة، تشكل عقبة أمام أي تطور في العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية".
وأشار شقير إلى أن "ماكرون يريد أن يفرض أسلوبه الخاص في سياسته الخارجية مع المغرب، في المقابل العاهل المغربي يرفض هذا الأسلوب، مما أدخل الطرفين في "رهان قوة" سياسي وشخصي، لا يمكن أن ينتهي إلا باقتناع الرئيس الفرنسي، بتغيير سلوكه وسياسته، أو الانتظار حتى تتم مغادرته لقصر الإليزيه".