رغم الجليد الذي أصبح يحكم العلاقات الثنائية الفرنسية المغربية منذ ما يقارب السنتين، والذي تمثل أساسا في تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قادتهما، وحدوث فراغ دبلوماسي بعد تكليف سفير الرباط بمهام أخرى في أكتوبر الماضي. ووسط الأزمة الصامتة والمستمرة إلى حدود اليوم، يبدو لافتا للمتتبعين تبادل كل من فرنسا والمغرب برقيات التهاني خلال الأعياد الوطنية المهمة لكلا البلدين.
هي أعراف دبلوماسية لا أقل ولا أكثر
في هذا السياق يوضح الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن الأمر لا يعد أكثر من مجرد تقليد دبلوماسي في مثل هذه المناسبات، ويتكرر كل سنة في أهم عيد وطني للمملكة، كما أن المغرب يقوم بنفس الشيء في أهم عيد وطني لفرنسا، وهو عيد الثورة الفرنسية، وقد بعث العاهل المغربي أيضا برقية للتهنئة في 14 يوليوز الماضي أي قبل أسبوعين من رسالة الرئيس الفرنسي..يتابع نور الدين نحن إذن أمام أعراف دبلوماسية لا أقل ولا أكثر.
ماكرون لا يملك خيارا آخر غير مراجعة مقاربته الفاشلة
وبعيدا عن الشكليات والأعراف الدبلوماسية، وقريبا من مضمون رسالة الرئيس ماكرون، وحديثه عن العلاقات الاستثنائية بين البلدين وعن عمقها وعن قدرتها على التطور أكثر، والحديث عن التحديات الدولية، وقدرة البلدين على إيجاد أجوبة مشتركة ملائمة لها، يقول الأستاذ نور الدين.. فهنا نكون أمام رسائل مشفرة تدعو ضمنيا إلى طي صفحة البرود أو الجليد الدبلوماسي بين العاصمتين، والعودة إلى الوضع الطبيعي والتاريخي.
ويتابع المتحدث، أنه إذا ما سلمنا بهذه الفرضية فيمكن أن نقول على أن الرئيس الفرنسي، لا يملك خيارا آخرا غير مراجعة مقاربته التي أثبتت فشلها، فقد راهن على علاقات قوية مع الجزائر وإذا بالعلاقات تعود إلى أوج التوتر إلى درجة إلغاء زيارة عبد المجيد تبون التي كانت مبرمجة وتعويضها بزيارة إلى موسكو.
وأشار الخبير نور الدين، إلى الشريك التونسي الذي أصبح يعيش، أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة قد تصل إلى حد تصنيفها بدولة شبه فاشلة نظرا لإلغاء كل المؤسسات الدستورية وسيطرة الرئيس على كل السلطات، موضحا عجز تونس جزئيا عن أداء أجور الموظفين، وعجزها عن توفير العملة الصعبة لتموين السوق الداخلية ببعض المواد الأساسية مثل الزيت والقمح لإنتاج الخبز، وبعض الأدوية واضطرارها للخضوع لابتزاز الجزائر مقابل المساعدات المالية والكهرباء والغاز الطبيعي على سبيل المثال.
هذا وأبرز المتحدث ذاته، الأوضاع الكارثية، على صعيد باقي الدول الإفريقية في الساحل وجنوب الصحراء، فقد توالت الضربات والانقلابات، التي أخرجت فرنسا بشكل ذليل من مناطق نفوذها التقليدية في إفريقيا الوسطى، ومالي وبوركينافاسو، وغينيا، وأخيرا في النيجر التي قد تشكل تهديدا حقيقيا لإنتاج الكهرباء في المحطات النووية، مما سيشكل خطرا على كل القطاعات الإنتاجية واللوجستية الفرنسية التي، تعتمد على الطاقة النووية بحوالي 70% وهي تعتمد كليا على مناجم اليورانيوم في النيجر.
المغرب لا يمكن أن يبقى طويلا في قاعة الانتظار
"المغرب بعث بإشارات قوية تجاه فرنسا،أننا لا يمكن أن نبقى في قاعة الانتظار طويلا، ونحن في طور استبدال شراكتنا معها بشراكات مع حلفاء أوروبيين وأمريكيين" يقول أحمد نور الدين، وليس عبثا وردت الإشادة في خطاب العرش بعلاقات الصداقة مع اسبانيا والبرتغال،وهي علاقات مرشحة للتطور والانخراط في مشاريع بنية تحتية كبرى، إذا تم قبول ملف تنظيم المونديال بكيفية مشتركة، وقد يكون من ضمن تلك المشاريع الربط القاري بين أوربا وإفريقيا بقيمة تفوق 25 مليار دولار.
بالإضافة إلى العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في المجالات الإستراتيجية، وحضور المغرب القمة الروسية الإفريقية وقد بادلته روسيا بإشارة قوية سواء في كلمة الرئيس بوتن أو من خلال البروتوكول الذي أعطى للمغرب الكلمة الأولى في الترتيب من بين كل الدول الإفريقية رغم أننا لم نكن ممثلين برئيس الدولة، في حين كانت هناك 17 دولة يحضر رؤساؤها في الاجتماع منها مصر مثلا.. ونضيف إلى ذلك يتابع نور الدين القول ، الإعلان عن فوز شركة صينية، بصفقة الدراسات التقنية لإنجاز خط القطارات السريعة نحو اكادير، وهي إشارة إلى إمكان خروج فرنسا من إنجاز أشغال هذه الصفقة إذا استمر الجليد في العلاقات الدبلوماسية، وكذلك الشأن بالنسبة لأنبوب الغاز من نيجيريا.
وعن ما إذا كان هناك طريق أمام مكارون لإصلاح ما أفسدته السنوات العجاف من حكمه في العلاقات الخارجية مع المغرب، قال نور الدين إنه وباستحضار المعطيات الجيوسياسية والاقتصادية، فان المدخل سيكون من باب الإعتراف الصريح بمغربية الصحراء، مبرزا أن فرنسا كانت طرفا مباشرا في تقسيم المغرب مع إسبانيا وكانت وراء إقتطاع الصحراء الشرقية وضمها إلى الجزائر الفرنسية، وبالتالي هي اليوم أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية لإصلاح جزء مما أفسدته.