لقد قطعت المرأة المغربية أشواطا مهمة في خدمة الوطن وتقدمه، سواء على مستوى الحياة العملية أو في مجالات نضالية عديدة، وذلك قبل وبعد الاستقلال، والتاريخ المغربي شاهد على ذلك. فمثلا، قد شاركت في المقاومة بشتى الوسائل الطرق، في البوادي والمدن، إلى جانب الرجل للتصدي للاستعمار الأجنبي.
كما انخرطت المرأة المغربية في المجتمع المدني وفي الأحزاب السياسية للدفاع عن الوحدة الوطنية للمملكة، ناهيك عن مشاركتها إلى جانب الرجل في المسيرة الخضراء سنة 1975 لتلبية نداء الراحل الحسن الثاني من خلال الخطاب الذي ألقاه بمدينة مراكش في 16 أكتوبر في نفس السنة والذي أعلن فيه عن تنظيم مسيرة سلمية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وبعد تلك المرحلة، بدأت أصوات الحركات النسائية المغربية تتعالى من خلال الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات وفعاليات إعلامية والتي تدافع عن حقوق المرأة وتطالب بالمساواة بين الجنسين. وفي هذا الإطار، نشرت اتفاقية مناهضة التمييز بمختلف أنواعه بالجريدة الرسمية في سنة 2001، كما تم تعديل وإصدار عدة نصوص تشريعية تهدف الى تحسين وضعية المرأة، زد على ذلك مصادقة المغرب عل بعض العديد من الاتفاقيات الدولية قي هدا الشأن. وفي سنة 2002، مكن نظام الكوتا على مستوى الانتخابات التشريعية، إلى الرفع من تمثيلية النساء في البرلمان بنسبة 11 في المئة، وفي سنة 2004، جاءت مدونة الأسرة لتعزز مكانة المرأة في المجتمع، وتضمن لها حقوقها أكثر داخل الأسرة. لكن في سنة 2007، انخفضت تمثيلية النساء في البرلمان بنسبة 10,47 في المئة.
وفي المقابل، يعتبر دستور المملكة 2011 حدثا عظيما في مسار المرأة المغربية، وقد خول لها مكانة مرموقة من خلال خاصة الفصل 19 والذي ينص على المساواة بين الجنسين. مما أعطى نفسا جديدة للمرأة والتي أصبحت تطالب بالمزيد من الحقوق والحريات. وأضحت قضية المساواة بين الجنسين قضية وطنية، تهم جميع المؤسسات والمواطنين. وخلال الانتخابات التشريعية، كان معدل تمثيلية النساء في البرلمان ب 16,96 %، وفي سنة 2016، وصل إلى 20,51 في المئة، ليرتفع في سنة 2021 إلى 24,3 في المئة.
وأصبحت المرأة المغربية تزاول مهن كانت سابقا حكرا على الرجال، كالشرطة، والقضاء، والعدول، والمقاولة، الخ. كما تم الحرس على تمتع الفتاة المغربية في حقها إلى الولوج إلى المدرسة وخاصة في القرى وذلك من خلال البرامج والمساعدات التي تقدمها الدولة المغربية في هذا الإطار.
لكن السؤال الذي يطرح حاليا: هل قضية المساواة على مستوى المؤسسات تستجيب فعلا إلى تطلعات النساء والحركات النسائية؟
إن قضية المساواة بين الجنسين مع الأسف تبقى موضوع نقاش موسمي، والذي أصبح يتداول خاصة في المحافل السياسية والحقوقية، وخلال الانتخابات التشريعية والجماعية. لكن على مستوى المؤسسات، تبقى المناصب العليا التي تمنح للنساء ضئيلة بالمقارنة مع الرجل. ويرجع هذا التفاوت إلى عدة أسباب، من بينها غياب إرادة سياسية واضحة تعزز مكانة المرأة في مراكز القرار، من مناصب عليا، مجالس ولجن المؤسسات. كما تظل شبكة الترقية معقدة وقديمة، وتشكل شروط اجتياز مباراة الولوج إلى المناصب العليا في أغلب الأحيان حاجزا في وجه المرشحات. فمعايير تقييم المرأة لا تأخذ بعين الاعتبار العاملين الثقافي والتربوي. فهذه الأخيرة تزاول مهامها ليس فقط في المؤسسات ولكن أيضا داخل المنزل، في الأشغال المنزلية. كما يمكنها أن تغيب عن عملها نتيجة إجازة الأمومة.
وهذين العاملين لهما ارتباط وطيد بعنصر الزمن. فالرجل، خلافا عن المرأة، يتمتع في غالب الأحيان، بالوقت الكافي والذي يخول له تطوير مهارته بطريقة سريعة والصعود في الدرجات وفي سلاليم المؤسسة حتى الوصول إلى القمة. كما أن الفضاء الذي يتواجد فيه في غالب الأحيان يبقى خارجي، يساعده أكثر على تطوير علاقته ويمكن في بعض الأحيان أن يحظى بمنصب مهم أو بامتيازات.
إن شبكة تقييم الكفاءات للولوج إلى المناصب العليا تقف ضد صعود المرأة. فمثلا على مستوى التعليم العالي، هناك غياب شبه كلي للمرأة في مناصب المسؤولية، لا على مستوى العمادة أو رئاسة الجامعة. وهذا يجرنا إلى طرح العديد من الأسئلة، مثلا، هل الأستاذة الجامعية لا تتوفر على كفاءات تمنحها أن تكون في مرتبة القيادة؟
وإذا تفحصنا الجامعات المغربية، سنرى أن هناك العديد من الأستاذات يتوفرن على كفاءات عالية، يشاركن في محافل علمية داخل وخارج الوطن، كما أنهن يزاولن العمل الجمعوي وفي بعض الأحيان الحزبي. وهذا يظهر أن هناك خلل في قضية صعود المرأة إلى مناصب المسؤولية. فمثلا في ما يخص العمادة، من بين المعايير التي تشترط في مباراة عميد المؤسسة، يجب على المرشحة أو المرشح أن يكون من صنف درجة التعليم العالي، وهذه الدرجة لا يمكن لأغلبية النساء الوصول اليها وهن في أوج العطاء لأن ذلك يتطلب منهن وقت طويل نظرا لإكراهات التي تواجها. لكن يمكن أن تختزن هذه الدرجة مع تقدمهن في السن، وهذا لا يحفزهن للترشح إلى مناصب المسؤولية. ونلاحظ أن هذا الشرط في الدرجة يشكل أيضا عائقا في بعض الأحيان بالنسبة للرجل. وبذلك تصبح مباراة عميد الكلية منحصرة في ثلة من الأساتذة. في حين نرى أن منصب المسؤولية يمكن أن يحدد في المهارات والصفات التي يجب على القائد أن يتوفر عليها والتجارب التي راكمتها في مدة مثلا لا تقل عن عشر سنوات.
إذا يجب تبسيط المساطر التقييم لولوج المرأة لمراكز المسؤولية ولا يمكن التعامل معها بالمثل بجانب الرجل. تحسين مستوى المرأة رهين بتقدم الوطن.