عاد جدال تعديل مدونة الاسرة ومعه نقاش المساواة في الإرث ليطفو على النقاش العمومي في المغرب، بين رافض لفكرة المساوة في الإرث باعتبار النص الديني حسمها قبل قرون، ولا تقبل أي تعديل أو مس، وبين من يرى ضرورة مراجعتها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وفي ظل التطورات المجتمعية الراهنة.
ويتشبث دعاة المساواة في الإرث بالفصل 19 من الدستور المغربي والذي ينص على على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة، فيما يرى المعارضون لهذه الفكرة أنها تصطم مباشرة مع نصوص قطعية حسمت هذا الجدال قبل قرورن.
وفي هذا الصدد قال مصطفى بوهندي، أستاذ التعليم العالي ورئيس مختبر الأديان والعلوم الإنسانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الدارالبيضاء، أن هناك تقارب في وحهة النظر بين التيار الحداثي والمحافظ فيما يخص القضايا المتعلقة بمدونة الاسرة.
ودعا بوهندي، في تصريح للأيام 24، الطرفين إلى الجلوس إلى الحوار والنقاش وتدبير الاختلاف وفق الممكن، مضيفا بالقول الجميع يجب أن يستمع للطرف الاخر المخالف له في الرأي والتصور، وأن تكون حلول صادرة عن الطرفين.
وتابع قائلا "فحتى التيار المحافظ يمكن أن يقدم تصورات أكثر تقدمية"، مضيفا بالقول "فالتيار الحداثي فهم أنه لابد له أن يستمع للطرف الاخر، وإلى من يمثل الجانب الديني ولا يمكن إقصاؤه".
وأكد أستاذ علم الأديان أن الموضوع ليس موضوع المساواة في الإرث ولكن الظلم في الإرث، فالمرأة أحيانا ترث أكثر من الرجل، ولكن يطالها ظلم اجتماعي يحرمها من حقها المقرر بنص قرآني صريح، وأحيانا أخرى لا ترث إطلاقا في بعض المناطق.
وتابع قائلا "فالموضوع الذي يجب التعاطي معه بحزم أكثر هو الظلم الذي يلحق النساء عند تقسيم تركة هالك، إذ غالبا ما يلحقهن ظلم نتيجة الثقافة المجتمعية السائدة، على الرغم من أن سورة النساء كانت واضحة في التأكيد على إقرار نصيب مفروض للمرأة، من خلال الاية الكريمة "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا"، لكن عمليا هناك مشاكل كثيرة تواجها في الحصول على نصيبها.
وزاد قائلا "وحتى إن أرادت المرأة الحصول على نصيبها عن طريق القانون، فيجب أولا أن تتغلب على هواها وخجلها و على المجتمع، حتى تطالب بحقها من خلال اللجوء إلى القضاء ورفع دعوى قضائية ضد أقاربها، سواء خالها أو أخيها أو عمها، لأن العرف يرفض ذلك".
وشدد بوهندي على أن الرجل -الفقيه- يفسر غالبا النص القرآني وفق ما يخدم مصلحته، وليس على أساس المساواة التي أقراها القرأن من خلال لاية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ"، مشيرا إلى أن هناك مشكل آخر يمكن أن نطرحه والمتعلق بحق ذوي القربى في الحصول على نصيب من التركة، وهو ما أقرته دائما سورة النساء من خلال الآية الكريمة"وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا".
فالآية السابقة، يقول بوهندي، تقر نصيبا لذوي القربى، وهم الأبناء المتبنون أو أي شخص كان يعيش في كنف الهالك، لكن عمليا يتم توريث الأشخاص وفق النصوص القرآنية فقط دون التوسع في تفسير الآية السابقة لتشمل ذوي القربى.
ودعا المتحدث نفسه إلى العودة إلى سورة النساء وفهمها في أبعادها الإنسانية الكبيرة، وسن قوانين تتماشى مع ورحها ومع الالهام القرآني عموما، وقادرة على حل المشاكل الاجتماعية، وتميكن هذه الفئة -ذوي القربى- من كامل حقوقها، مع إمكانية ترك للقاضي إمكانية التدخل وفق تقديره لكل حالة بحسب وضعها الاجتماعي.
كما شدد أستاذ علم الأديان على أن المجتمع يجب أن ينتقل مع الحديث عن الصدقات إلى المطالبة بالحقوق وتمكين أهلها منها.