استأثرت تصريحات بعض دعاة المناصفة في الإرث بحيز وافر عند كثير من الناس ،وبردود أفعال متباينة و متفاوتة ،بين مؤيدة و مناهضة ، و يبدو أن دعاة المناصفة ينطلقون ،ربما، من مقتضيات الفصل 19 من دستور 2011 التي تنص على المساواة و المناصفة في الحقوق و الواجبات و ملاءمتها للمواثيق الدولية المتعلقة بمناهضة التمييز بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المتعلقة بهما، و التي تمت المصادقة عليها من طرف الدولة المغربية . و يرى هؤلاء أنه من أجل مواجهة تحديات العولمة و السير في طريق التقدم العالمي لا بد من الاعتراف بالمساهمة الكاملة للنساء و الرجال في العالم، في مختلف مجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . و في ظل العالم الجديد أصبحت النساء أغلب المتضررات و المحرومات بشكل مأساوي من جوانبه السلبية ، و يلاحظ أنهن أقل تأهيلا في قوة العمل . و مازلن خاضعات لتقاليد و عادات ثقافية تدفع إلى استغلالهن مباشرة ،خاصة، في دول العالم الثالث و الدول التي تسير في طريق النمو بل و حتى في العالم المتقدم ، كما لا تزال فئات من النساء عرضة للآثار السلبية للنظام العالمي للإنتاج و التجارة . و بصفة عامة، فمازالت المرأة هي المسؤولة عن توفير الحاجيات الأساسية و تربية الاطفال . و رغم كل هذه السمات التي تتسم بها المرأة على الصعيد العالمي، إلا أنها أظهرت-كما يبدو- قدرتها على الابتكار و كذا قدرتها على المشاركة الرائعة في المجال الضيق للحياة الجماعية . لكن بالنسبة لأغلبيتهن، و أمام انخراطهن في معارك يومية من أجل العيش، يبقى من الصعب المشاركة في الأعمال الكبرى لإعادة تحديد السياسات و الاسهام في تقدم المشاريع التي تحسن حياة النساء ،خصوصا، في مؤتمر بكين، أو خلال المنتديات الدولية التي تلته، و تم التركيز على الحاجة الملحة لمشاركة النساء على قدم المساواة ،ليس فقط من أجل إشاعة و تأكيد احترام حقوقهن، و لكن أيضا للرد على التحديات الناجمة عن العولمة ،إذ يجب أن تشارك النساء في تحديد تطور المدن و تحسين التعليم و تنظيم أفضل للحياة اليومية بشكل عام . و لن يتأتى ذلك، إلا إذا كانت السلطة موزعة بشكل أكثر إنصافا بين الرجال و النساء، حتى يتسنى الرد على تحديات عصرنا . و هكذا، فإن أحكام الدين الإسلامي لا تتعارض مع مسايرة التطور كما لا تتعارض مع حقوق الانسان الكونية، فأحكام الشريعة الإسلامية لا تعارض التطور و لا تتعارض مع الاحكام المتعلقة بكونية حقوق الإنسان، و قد جاء في القرآن في سورة النساء من الآية 11 إلى الآية 14 بقوله سبحانه: ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) إلى قوله تعالى: (و من يعصي الله و رسوله و يتعدى حدود الله ندخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين). و قد تولى الله سبحانه قسمة الإرث بنفسه، فلا يحل لأحد أن يغير منها شيئا ،لا سيما، أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لم يتعرض للتحريف كما هو الشأن بالنسبة للكتب المنزلة كالتوراة و الإنجيل و صحف ابراهيم و موسى و غيرها، و لا يجوز فيها الاجتهاد إطلاقا ، إلا أنه يجوز في الفروع دون الخروج عن الاصول، لمسايرة تطور العصر الذي سار العالم في اتجاهه بمختلف المجالات . أما بعض دعاة المناهضة الشرسة لهذه التصريحات المتعلقة بالمناصفة فيشددون في رأيهم على قوله تعالى: ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )، فما جاء به رأيهم يعتبر مناوءة صارخة لحرية الرأي و التعبير، لا يقبلون الرأي الذي يخالفهم، و لم يكن هدفهم الدفاع عن كتاب الله و دينه، إذ وصل بهم الأمر إلى درجة التكفير و هو أخطر من تصريح لأن تكفيرهم للمسلمين الذي اعتادوه، مخالف للكتاب و السنة، و رأي أهل السنة و الجماعة الذين يدعون الانتساب إليها لأن الكافر حسب القرآن هو الجحود بآيات الله، و بأركان الإيمان و الإسلام، كما جاء في الحديث الذي روي عن الرسول (ص): (إذا قال رجل لأخر يا كافر فقد باء به أحدهما ) أما أهل السنة فيقولون :( لا نكفر أحدا من اهل القبلة بذنب ما لم يستحله ) ، فهؤلاء و أمثالهم هم من فرقوا الدين و جعلوا منه فرقا و شيعا، يقتل بعضهم بعضا في بعض بلدان المشرق و ليبيا، و الحال أن الإسلام حرم الاقتتال بين المسلمين، بالإضافة إلى أنهم ينشرون الفكر المتطرف و المتشدد و المتعصب و يحقرون المرأة مثلما كان يفعل أهل الجاهلية ، أما أسلوبهم فجاء مخالف لأسلوب أهل العلم و الفقه . الذي يجب عليهم التعامل به في النقاش و المجادلة و يتعلق الامر بالتي هي احسن و الموعظة الحسنة والاقناع. ولإثارة الانتباه إلى أن ما يقومون به من تعدد زوجات ،و إن كان مشروعا، فإنه مقيد بالعدل،فهل يعدلون بين نسائهم و ينصفونهن؟ أعتقد أنهم لن يستطيعوا إقامة العدل بينهن ،مصداقا لقوله تعالى: ( و لن تستطيعوا ان تعدلوا و لو حرصتم ) و يبدو من خلال هذه الآية ، أن التعدد مقيد بالعدل، و العدل ضد الظلم و هكذا فالمرء لم و لن يستطيع العدل بين الزوجات، لأن الأمر ليس من اختياره لأنه معلق بالقلب و خارج عن إرادة الزوج، لذلك ورد في نفس السورة قوله تعالى:( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم )،بمعنى الاقتصار على واحدة ،و الاقتصار أيضا على الإماء لملك اليمين ذلك أدني ألا يعدلوا و لا يميلوا الى واحدة دون الاخرى او الأخريات كل الميل ويتركوهن معلقات . لذالك فإذا تولى الله قسمة الإرث فذلك لأنه حرم الظلم على نفسه . و هكذا فان أحكام الشريعة الإسلامية لا تتعارض مع مسايرة التطور و كونية حقوق الإنسان كما سبق ذكره، و مما لا شك فيه أن القرآن هو المرجعية لحقوق الإنسان و محورها . ولم يكن تكريم الإنسان منسوبا إلى الجماعة صغيرا كان فيها أو كبيرا، وبدأت نشأته في بداية خلقه دون حقوق . ولم يقع الإعلان عنه إلا بعد نزول سورة الاسراء وذلك بقوله سبحانه وتعالي «ولقد كرمنا بني ادم « ، وجاء التكريم بالصفة الاجتماعية والجماعية ، وهذا الحق طبيعي من حيث هو الاساس الجدلي بين (النحن) الجامعة لأحاديثها ، وأحاديتها أي (النون) في كرمنا . وهذه المساواة الدالة مع الفرق بين الخالق والمخلوق ،هو تكريس جذري للمساواة بين الذكر والأنثى، وبين الصغير والكبير، وباقي حالات بني الإنسان ،خصوصا، وأن شطره الذكوري والانثوي من نفس واحدة ، أما بلاغة قوله «بني آدم» فهو تعزيز لرفض التمييز على أساس الواقع الجغرافي للشخص، فنسب الإنسان لآدم يجعل الأرض كونا واحدا له، وليس مهما الايمان أو الكفر، لأن التكريم ممكن دون حماية، وعلى ذلك تكون حقوق الانسان في القرآن سابقة وبديهية لاتصالها بالتكريم الإلهي، فالله حق وفي عالمنا المتعدد حقوق . وقد ربط الله كل حقوق الانسان بمجرد الخلق والتواجد، ولا مجال لأي احد في انتقاص هذه الحقوق أو مصادرتها واختزالها بأرض أو شعب، لأن الإسلام كوني وعابر للحدود السياسية والاجتماعية ، ولم يأت للدفاع عن حقوق الإنسان بل عن حقوق ما فوق أرضية لنفس الجهة ، فالله يطلب العبادة يتحرر الانسان من كل عبودية مباشرة او غير مباشرة وبتحرير الانسان من نفسه يكون عادلا وبتحريره من غيره يشعر بالمساواة . ومن المفروض ان يكون الإنسان مساويا لأخيه الإنسان في التخليق كما كان مساويا له في الخلق. وجاءت الحرب الكونية الثانية وحولت حقوق الانسان الى واقع عالمي وتأسست على بناء فلسفة إنسانية جاءت في مرحلة ايقاف الحرب وضرورة بناء السلام . وقرر الانسان تحويل حقوقه الى شأن عام وتحويل الأخلاق الى قوانين وتم الشروع في خرق حقوق الإنسان ،مهيمنا على المشهد الكوني بشكل عام ، تسحق مصالح إنسان حقوق إنسان آخر، ويلجأ الغرب الى تفصيل المصالح وأولوية حقوق الدولة على حقوق الانسان ، تم توسعت الدول باسم الغزوات والفتوحات تحت شعار الهلال و الصليب او النجمة السداسية ، أما بالنسبة للغربيين فيريدون إعادة صياغة المواثيق الدولية انطلاقا من سنة 1948 على ضوء الممارسة ، فيما نجد أن تحسين الصياغة القانونية على أساس المبدئية والشمول والرصانة والحكمة والمساواة واجرأة الممارسة لتحييد القوة ،ويهدف العمل الدولي الفاعل والعابر للشبكات والقوميات والثقافات ،وبذلك أصبح قرار حقوق الإنسان يشكل قناعة يبطل في عدمها الانتساب للإنسان أما بالنسبة للمساواة في الحقوق والواجبات التي كان مصدرها القرآن الكريم فلا تزال قائمة لم يطلها أي تحريف أو توظيف في المصالح، كما هو الشأن للطغاة في أمم الكفر والشرك، فما زالت تعني المساواة بين الناس أو بين أفراد الشعب، ليست كما يتحدث عنها أصحاب الأهواء شرقا وغربا، فليس هناك مساواة مطلقة ولا مساواة ضيقة، وإنما المساواة في ظل الإسلام لها معنى يتغلغل في النفوس البشرية والقيم الإنسانية، فقد سوى الإسلام بين الناس وبين المرأة والرجل لقوله تعالى : (يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) أما ما عدا ذلك فان المساواة المطلقة مقيدة في الاسلام بالعدل وسياج من العاطفة والرحمة بين الناس ،فلا يستوي العالم والجاهل والمؤمن والكافر ،والتقي والفاسق ،والمنتج والعاطل ، والمجاهد والقاعد اذن فلا مساواة مطلقة ، وانما من الطبيعي ان يكون هناك تفاوت في المواهب والانشطة والانتاج والعمل . المساواة في القيم الانسانية المساواة امام القانون وفي التوظيف المساواة في الناحية الاقتصادية وهذه المساواة في الحقوق والواجبات تضمنها بتفصيل الفصل 19 من دستور 2011 بما فيه المساواة بين المرأة والرجل ، ويقع تطبيقها عمليا . انما الشيء المثير للجدال والخلاف هو مسألة المناصفة والارث بين الرجل والمرأة بسبب نصت عليه مقتضيات الفصل المذكور ، ومدى ملاءمة القانون الداخلي للمواثيق الدولية والمتعلقة بعدم التمييز ، بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات ، من بينها الارث ومن طرف بعض المفكرين القلائل . هذا، واحتراما لحرية الرأي والتعبير اشير الى ان المرأة تحظى بمكانة لائقة تحفظ كرامتها في الكتاب والسنة . وتجدر الاشارة الى ان مسالة الارث تناولتها سورة النساء بتفصيل حيث تناولت حقوق النساء والايتام واليتيمات في حجور الأولياء والأوصياء ، فقررت حقوقهن في الميراث والكسب والزواج وأنقاذهن من براثين الجاهلية وتقاليدها الظالمة المهينة كوأد البنات وحرمانهن من الارث ، وكلما بشر احدهم بازدياد البنت الا اسود وجهه وهو كظيم . ولما جاء الاسلام ونزل القران تعرض لموضوع المرأة في السورة المذكورة حيث صان كرامتها وحفظ كيانها ودعا الى إنصافها وإعطائها حقوقها التي فرضها الله لها ، في المهر والميراث وحسن المعاشرة ، ان السورة كما سبق ذكره تعرضت بالتفصيل للاحكام المتعلقة بالمواريث وتولى سبحانه قسمتها بنفسه ، حتى ان بعض العلماء اعتبر علم المواريث نصف العلم ، وذلك بتدقيقه على الوجه العادل الذي يكفل العدالة ويحقق المساواة ، كما تحدثت عن المحرمات في الزواج من النساء بالنسب والرضاع والمصاهرة ، وتناولت ايضا تنظيم العلاقات الزوجية ، وبينت انها ليست علاقة جسد ،بل علاقة انسانية وان المهر ليس اجرا ولا ثمنا وإنما عطاء يوثق المحبة ويربط القلوب ، ولم تغفل السورة حق الزوج على زوجته وحق الزوجة على زوجها وأرشدت الى الخطوات التي ينبغي للرجل لإصلاح الحياة الزوجية عندما يبدأ الشقاق والخلاف بين الزوجين ،وبين معنى قوامة الرجل بأنها ليست قوامة استعباد وتسخير وإنما هي قوامة نصح وتأديب كالتي تكون بين الراعي ورعيته ، وأخيرا انتقلت من دائرة الأسرة الى دائرة المجتمع ،وأمرت بالإحسان في كل شيء ، وبينت أساس الإحسان بالتكافل والتراحم والتناصح والتسامح والأمانة والعدل ، حتى يكون المجتمع راسخ البنيان قوي الأركان . وعليه فالحق الانساني مبني على المساواة وهذا الشأن دولي وكوني ،لان حق المساواة وشراكة النفس الواحدة بين الرجل والمرأة من النشأة الى المستقر و المستودع مؤسس على المساواة الواحدة ،والحق في الفضل بعد العدل (ولا تنسوا الفضل بينكم ) ، ومبدأ الفضل والنبل حق من حقوق الانسان وهو من حقوق التكريم ،وهو منحة من الله لا يجب الاجهاز عليها ومصادرتها هذا فان سورة النساء بدأت في القران بالنفس الواحدة للإنسان ،وإن من جنسين امرأة ورجل او الجنس الواحد لإنسان ذكر وأنثى تبعا للنفس الواحدة في الخلق وتؤكد هذه المساواة في الخلق على التقوى . ويبدو مما لاشك فيه أن أغلب الناس لا يعلمون ولا يقومون بإعطاء نصيب من الإرث لغير وارث أثناء حضوره اثناء قسمة التركة علما أن الآية 9 قد أشارت إليه بوضوح ويتعلق الأمر بقوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولي القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا )،ففي عشر آيات أوحى الرب بالحقوق النفسية للمرأة واليتيم والفقير من ذوي القربى في أية الإرث وتفصيلها حيث قال بشأنها سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) ابتداء من الآية 11 إلى الآية 15 من سورة النساء، وفيها استعمل الله الحظ وليس النصيب ،بذلك يتداخل النفسي والمادي كما يكون في معنى النصيب هذا المزج وقال في الإرث بالحظ ربطه بالعمل والفضل لكن استخدم الحظ ، ويلغى الفضل في كل حالة يقدر الحكماء ما تكون عليه الأمور وليست المسألة فقهية أو آلية بل عدل من الله وفضل يجب اعماله في الشرائع على العدل ووصايا الرب على الفضل فقد خص الله الأبناء بالمساواة بقوله : ( لا تدرون أيهم أحسن واقرب لكم نفعا فريضة من الله) وفي نفس الآية المشار إليها يبدو مثلا وان الأنثى ترث النصف إن كانت واحدة ، وكلمة الفضل في الموضوع لا بد من الإشارة انه كلما أورد في القران نص قطعي فلا جدال فيه باعتبار أن القران العظيم هو الوحيد من الكتب السماوية الذي لم يتعرض للتحريف كما هو الشأن بالنسبة للتوراة والإنجيل منذ نزوله إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها بإذن الله و ذلك بقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) سورة الحجر، وفي اعتقادي أن دعاة المناصفة في الإرث ينطلقوا من الفصل 19 من دستور المملكة لسنة 2011 . أما بالنسبة لمعاملة النساء فقد أشارت إليها الآية 19 من سورة النساء بقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف ) ومعناها المصاحبة والمعاملة بالمعروف وهو ما اقره واطرد به العرف والعبرة بما اقره الشرع فإذا اقر الشرع شيئا فهو المعروف وإذا أنكر شيئا فهو المنكر ولو عرفه الناس ، وفي هذا الصدد جاء في حديث عن أبي هريرة قوله قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( استوصوا بالنساء خيرا... . ) ويبدوا أن المرأة تتمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في الدستور كما سبق ، وأنهن أكثر عطاء من الرجال في اغلب الوظائف واقل فسادا في بعض الوظائف كالقضاء، كما أن الفتيات أصبحن متفوقات في الدراسة أكثر من الفتيان ، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بالرفق بهن جاء فيه (ان يتقي الله فيهن لأنهن قاصرات يحتجن إلى من يجبرهن ويكملهن ) ،كما قال تعالى في الاية 24 من سورة النساء ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) وقول الرسول (ص) أيضا (خيركم خيركم لأهله وأنا خير لأهلي). اما ما جاء في بعض التفاسير حول مسألة الارث في قوله تعالى في سورة النساء الاية 11 (( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )) فقد اشار العلامة ابو بكر الجزائري في المجلد الاول لايسر التفاسير لكلام العلي الكبير بقوله يوصيكم اي يعهد اليكم و كذلك الشأن بالنسبة للصابوني في الجزء الاول من صفوة التفاسير فيقول يامركم الله و يعهد اليكم بالعدل في شأن ميراث اولادكم اما الزمخشري في الكشاف فان الاية جاءت يوصي و لم يقل يشرع تم استطرد و قال ان للذكر حظ مثل الأنثيين يكون في حالة الاجتماع مع الاناث، و اذا كانت واحدة حكمها النصف إلا ان اغلبية التفاسير تجمع على ان للذكر مثل حظ الأنثيين كالقرطبي و الطبري و ابن عربي و غيرهم، كما اجمعوا على ان الحظ هو النصيب او الحصة فتفيد معنى واحد .اما ابن كثير في الجزء الاول من كتابه تفسير القرآن العظيم فقد تطرق الى عدة احاديث كقول عبد الله بن عمر فصوت العلم ثلاثة و ما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة و سنة قائمة او فريضة عادلة، اما ابو هريرة فقال قال النبي (ص) ( تعلموا الفرائض و علموه الناس فانه نصف العلم و هو ينسى و هو اول شيء ينزع من امتي)، و عن عقبة قال: سمي الفرائض نصف العلم لانه يبتلى به الناس محلهم . اما اسباب النزول فهو الحديث الذي رواه جابر قال ( جاءت امرأة سعد ابن الربيع الى رسول الله (ص) فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ابن الربيع قتل ابوهما معك في يوم احد شهيد و ان عمهما اخد مالهما فلم يدع مالهما مالا غيره فقال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فارسل رسول الله(ص) الى عمهما فقال ( اعط لابنتي سعد الثلثين و أمهما الثمن و ما بقي فهو لك ) .و اخيرا فان قوله تعالى :( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، اي يأمركم بالعدل فيهم فان اهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكر دون الاناث فأمر الله بالمساواة بينهم في اصل الميراث و فاوت بين الصنفين فجعله ضعفي ما تأخذه الأنثى و ذلك لاحتياج الرجل الى مؤونة النفقة و الكفلة و معناها التكسب و تحمل المشاق، و عليه ان يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى و من يرغب في التوسع في الموضوع فليرجع الى الجزء الاول من تفسير القرآن العظيم لابن كثير فانه تضمن الفرائض بالتفصيل . و في هذا الصدد يجب إثارة الانتباه الى ان مسألة الإرث تثير عدة مشاكل و نزاعات قضائية يجب معالجتها و يتعلق الامر بكون فصائل من بعض القبائل الجبلية ما زالت تحرم المرأة من الارث كما هو الشأن في الجاهلية حيث يستحوذ الرجل على الإرث و ينفرد به ،و من جهة اخرى ارى انه يتوجب على الورثة اشعار قاضي التوثيق بوفاة الموروث داخل اجل معين لإصدار امر يقضي باجراء القسمة بين الورثة ذكورا و إناثا داخل اجل محدد، حتى لا يتسنى لاحد الورثة او بعضهم التصرف فيه دون الباقي، و أثناء المطالبة به حبيا أو قضائيا تثار في شأنه مشاكل و صعوبات بسبب الحجج و تستغرق المسطرة القضائية عدة سنوات قد لا تؤدي الى النتيجة المتوخاة منها، مما يترتب عنه تفكك الاسر و قطع الارحام، و قد يؤدي احيانا الى القتل و الشجار . و في اعتقادي أيضا اشعار الورثة داخل أجل محدد، كذلك إزالة الشياع في التركة بالاتفاق و التراضي دون إلزامهم بتحديد الأنصبة ، أنذاك ليس هناك ما يمنع من المناصفة في شأنها بين الذكر و الأنثى، حفاظا على تماسك الاسرة و تراحم افرادها، كما يجوز للمرء ان يجري القسمة لأولاده و هو على قيد الحياة ،دون تفضيل بعضهم على بعض، و يمكنه ايضا في هذه الحالة إجراؤها بالتساوي بين الذكور و الإناث بالتراضي، لان المشاكل المتعلقة بقسمة التركة ناتجة بالأساس بسبب عدم تحفيظ الأملاك العقارية في العالم القروي، و يبدو أن هذه الاقتراحات لا تتعارض مع الآية و مبدأ المناصفة، و يتطلب الامر تدخل المشرع في التنصيص عليها، و هي نقطة الحسم في الخلاف حول المناصفة في الارث و عليه فان مسألة الارث المنصوص عليها في سورة النساء اعلاه هي احكام قطعية لا تقبل الاجتهاد مصداقا لقوله تعالى في سورة فاطر (( لا تبديل لكلمات الله)) .