بعد مخاضٍ عسيرٍ دام لساعات طوال ، شهدت قُبة مجلس النواب أول أمس الاثنين، ميلاد "جهاز قضائي" جديد، يحمل إسم رئاسة النيابة العامة، والذي خلق الكثير من الجدل والنقاش الواسعين منذ مرحلة "حَمْل" وزارة العدل بمشروع القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. وفي ظل خروج هذه السلطة الجديدة إلى الوجود، تتباين ردود الفعل تجاه هذا القرار بين الرافض والمدافع عنه "بشراسة". ويَحمِلُ هذا القانون الجديد بين سطور بنوده، عديد الأسئلة عن الصلاحيات المُجَردة بموجبه من وزير العدل إلى رئيس النيابة العامة، من قَبيل الأمر بالاعتقال والمنع من السفر وتفتيش البيوت،الأمر الذي ولد تخوفا عند المتتبعين والمهتمين بالشأن القضائي، من تهديد هذه السلطة "المُطلقة" لمبدأ استقلالية الجهاز القضائي الذي نصَّ عليها دستور 2011.
ومن الأصوات المعارضة لميلاد هذه المؤسسة الجديدة، عضو فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب،عبد اللطيف وهبي، الذي قال في تصريح خاص ل"الأيام 24 "، "إن سَحب النيابة العامة من وزير العدل وتحويلها إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، يشكل خرقاً واضحاً وصريحاً للنص الدستوري"، مُستغربا في معرض حديثه من حجم الإمكانات والسلطات الدقيقة "التي مُنِحت للنيابة العامة من دون حَسيبٍ ولا رقيب". ونَبَّه القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، إلى أن هذه الخطوة اتسمت بالكثير من التسرع، ومن شأنها أن تمس باستقلالية القضاء خاصة وبالديمقراطية عامة، مشيرا إلى أن "الحكومة جاءت باستقلالية غير تلك التي كنا ندعو إليها". وبخصوص إمكانية استدراك غياب أي سلطة رقابية على رئاسة النيابة العامة، بتقديم النواب البرلمانيين لمقترح قانون يملأ أي فراغات مُحتملة في القانون الجديد، شَدَّدَ وهبي على أن الحل الوحيد هو انتظار "ما سنتوصل به بخصوص مراجعة المسطرة الجنائية". وفي سياق متصل أفادت مصادر ل " الأيام 24" أن العديد من ممثلي الأمة في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان نبهوا أثناء مناقشتهم للمشروع المثير للجدل، إلى أنه يجب التمييز بين القضاء الواقف والقضاء الجالس في الشق المتعلق بالاستقلالية، مُوضحين أنه إذا كان القضاء الجالس جديراً بالاستقلالية الكاملة ومُحكما لضميره، وحامياً لاستقلاليته بنفسه، فإن الدستور المغربي يُلح على أن قضاة النيابة العامة يتبعون التعليمات القانونية والكتابية بحسبهم، وهو ما اعتبره بعض النواب دليلاً على أن النيابة العامة بطبيعتها ليست سلطة مستقلة.
من جهته وبعد انتهاء سلطاته وأوامره تجاه النيابة العامة، أكد محمد أوجار، وزير العدل،على دستورية القانون الجديد، حيث قال، إن القانون الجديد يأتي في سياق تطبيق الفصل 107 من الدستور، والذي ينص على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية".
وأوضح أوجار أن هذا القانون يعتبر الثالث من نوعه في مجال تطبيق هذا الفصل، إذ سبقه إصدار القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، باعتباره تجسيدا لاستقلال القضاء، والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
وأضاف الوزير التجمعي، أن الملك محمد السادس دعا خلال اجتماع المجلس الوزاري في 25 يونيو الماضي إلى الإسراع بعرض مشروع القانون المذكور على البرلمان قصد المصادقة عليه خلال الدورة التشريعية الحالية. يشار إلى أن مجلس النواب صادق على مشروع القانون بعد تصويت 160 برلمانيا لصالحه، ورفضه من قبل 53 برلمانيا، وامتناع 29 من الفريق الاستقلالي عن التصويت، ليتم بعدها إرسال "المولود الجديد" إلى رئيس الحكومة ،والأمين العام للحكومة، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني ، ورئيس مجلس المستشارين.