جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان". قبل ساعات من وفاته المفاجئة.. وصية علال الفاسي الأخيرة في رومانيا
يحكي امحمد بوستة في لقاء خاص بأنه رافق الزعيم علال الفاسي في ربيع 1974 إلى إيرانوالكويتورومانيا، في إطار جولة اختلفت مواضيعها وأهدافها، يقول بوستة: في ايران زرنا مدينة الورود" شيراز"، حيث شارك علال الفاسي في لقاء ثقافي عالمي حول اللغة العربية، هناك ألقى محاضرة حول "سيبويه"، مبرزا خصوصية المدرسة المغربية الأندلسية".... انتظم هذا اللقاء بمناسبة مرور ذكرى 1200 سنة على وفاة " سيبويه"، العالم النحوي الشهير.
يضيف بوستة" زرنا بعد ذلك الكويت، وكنت إلى جانب عبد الحفيظ القادري مرافقين ومساعدين للزعيم ، وفي الكويت عقد علال الفاسي ندوة تحدث في جزء منها عن قضية الصحراء، كانت صحافة الكويت في ذلك الزمان أقوى صحف الخليج وأشهر صحافة العرب، طلب علال الفاسي من الصحافيين دعم المغرب لتحرير جزء من ترابه، كما وجه نداء إلى الدول العربية لتعزيز موقف المغرب وهو يستعد للمواجهة مع الاستعمار الإسباني.
رحل الوفد الثلاثي بعد ذلك إلى رومانيا، ومنها سيتوجه إلى بلغاريا تلبية لدعوات من أحزاب البلدين..في رومانيا، وقبل لحظات من استقبال " شاوسيسكو" للوفد المغربي، وقف الثلاثة في بهو الفندق في انتظار وصول رجال البروتوكول الروماني.
يحكي بوستة في لهجة فيها حنين وتأثر: "لا أدري ما الذي دفع علال الفاسي إلى الحديث في هذا الموضوع، كأن شيئا غير طبيعي قد أصابه، أو انتفاضة روحية هزت فكره وجسده، أو إشراقة غمرته فحركت فكره ومشاعره، فجأة وبدون مقدمات، وفي شكل وصية ساعات قبل وفاته، وقال لنا: "إن السياسة التي ينهجها حزب الاستقلال سياسة غير موفقة، إن القطيعة مع الحسن الثاني لا فائدة له فيها، بل لا فائدة فيها للمغرب، والدليل ما أصاب استقرار البلاد وتوقيع معاهدتي"إفران" و"تلمسان"، وأعاهدكم أنني بمجرد عودتي إلى الوطن، سأسعى لأن أكون دائماً بجانب الملك وبأية صفة، حتى نضع حدا للتصرفات السيئة للحاشية المحيطة به". وأضاف علال الفاسي في حديث منبعث من أعماقه، وكأنه ينبئ عما في خاطره قبل الوداع.."تصوروا الخطر الكبير لو نجحت محاولات الانقلاب ...كان المغرب سيدخل إلى المتاهات والمجهول، إلى حكم العسكر، وحكم العسكر لن يأتي بالخير كيفما كان".
ويتابع بوستة:" صمت علال الفاسي لحظة، وكأنه أزال ثقلا على كتفيه، وأخرج ما كان حبيسا في صدره وتابع: "الطريق السوي لمسيرة المغرب يتجلى في الاتفاق بين الوطنيين، لذلك علينا أن نعود إلى العمل المشترك مع " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" حتى ولو تطلب منا ذلك التنازل عن بعض مواقفنا، اتحاد الوطنيين هدف لابد من بلوغه، والاقتراب من الملك اختيار استراتيجي لإنقاذه وإنقاذ البلاد وسد الطريق أمام حاشيته السيئة".