أمينة الحقوني وأنت تتجول بين ردهات مواقع التواصل الاجتماعي يحدث أن تصادفك منشورات مغاربة قادهم الغضب والاستياء لترافعٍ إلكتروني ضد غلاء الأسعار، حيث تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب في الساعات الأربع والعشرين الماضية بتدوينات تتضمن وسم #لا_لغلاء_الأسعار_بالمغرب، وذلك على خلفية استمرار ارتفاع أسعار المنتجات والمواد الأساسية، في ظل موجة الغلاء المعيشي التي تعصف بجيوب المغاربة.
زيادات أضحت تؤرق القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات المغاربة ذوي الدخل المحدود، في وقت تشتعل فيه الأسعار في الأسواق دونما رقابة، نستحضر على إثرها شهادات حية صرحت ل" الأيام 24″ بحجم الضرر الناتج عن هذه الأخيرة.
قصة وئام.. بين طلب العلم والمطالبة بخفض الأسعار
تحكي "وئام" وهي طالبة في سلك الماستر، تتابع دراستها الجامعية في دروب العرفان من قلب العاصمة الرباط، لا تستفيد من منحة استكمال الدراسات العليا، -تحكي- ل" الأيام 24″ مختلف الصعوبات التي أضحت تعرقل السير العادي لظروف الحياة اليومية، كونها شابة عشرينية لا تتوفر على مصدر دخل قار، غادرت بيت الأسرة من فاس قادمة للعاصمة لمتابعة الدراسة، تستقي مصروفها اليومي من والدها المسؤول عن أسرة مكونة من خمسة أفراد، تقول وئام: "في كل مرة أتردد فيها على البقال أو الباعة أتفاجأ للأسف بالارتفاع المهول في عدة مواد أساسية، لقد تمكنت من ملامسة حجم الفارق الذي طال أثمنة المنتجات الحيوية الضرورية ،كالخبز والحليب والسكر وغيرها الكثير، أنا كطالبة جامعية غير ممنوحة ،لا أستفيد من أي دعم أو منحة لتغطية حاجاتي اليومية ،أجد نفسي مع مصروفي الثابت في مأزق كبير" .
تبوح وئام بالحياء والتردد الذي يعتريها عند التفكير بمطالبة والدها بمصروف إضافي وتقول: " في حالات كثيرة صرت أستحي مؤخرا أن أطالب أبي بزيادة مصروفي، لأني أعرف أنه هو الآخر لم تعد لديه الطاقة الكافية لتوفير متطلباتي أنا و أخوتي، بعيدا عن الكماليات التي أصبحنا نستحي الحديث عنها، ولعل فئة كبيرة من العائلات مثلنا يعانون في صمت، في ظل موجة التهاب الأسعار الصاروخية هذه، وهزالة الأجور" .
كما تضيف وئام: "نحتاج لحلول واجراءات في أسرع وقت، إنه دور الحكومة، من واجبهم ضمان استقرار القدرة الشرائية لنا كمكونات لهذا المجتمع، لتجنب أي أزمة أو مضاعفات، فإذا ظل الوضع على حاله، ستسوء الأمور، و سيؤدي ذلك إلى استفحال ظواهر اجتماعية سلبية طالما حاربنها كالسرقة و التسول..".
نور الدين.. يحكي معاناة رب أسرة
نفس الصعوبات يصرح بها نور الدين وهو الأب المسؤول عن مصاريف تعليم وتغذية أربعة أطفال، يفصح ل "الأيام 24" عن هذه الصعوبات: أنا كرب اسرة مغربية أعاني في صمت، ضعف الدخل من جهة والمصاريف المرتفعة من جهة أخرى والزيادات المستمرة في الأسعار، مصاريف الكراء وفواتير "الكهرماء" ومواد التغذية الأساسية، كلها مشاكل تثقل كاهل الأسرة ، بل وأصبحت تقود لمشاكل أسرية،
يتجه نور الدين بخطابه للمسؤولين ويقول بنبرة حادة: "نطالب الحكومة المغربية بالتدخل عاجلا وتخصيص دعم مباشر للأسر والرفع من القدرة الشرائية، أو التحكم في الأسعار وخفض الزيادات غير المبررة إلى ما كانت عليه من قبل أو أقل، لا لشيء إلا لوقف معاناة الأسر ذات الدخل المحدود.
محمد الجدري: موجة تضخمية تضرب الاقتصاد الوطني!
ولتقديم قراءة للمؤشرات الاقتصادية التي ساقت الوضع لما هو عليه الآن تواصلت "الأيام 24″ مع الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد جدري، الذي أكد جدية الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الوطني، حيث صرح قائلا:" أعتقد بأن الاقتصاد الوطني يمر خلال هذه السنة من موجة تضخمية غير مسبوقة، حيث ان نسبة التضخم وصلت إلى 8% مع نهاية غشت الماضي، وبالتالي فإن القدرات الشرائية للمواطنات والمواطنين تأثرت بشكل كبير، خصوصا ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة".
كما تحدث عن مختلف المحاولات التي تقوم بها الحكومة لاحتواء الوضع، ويقول جدري في هذا الصدد: "أعتقد أن الحكومة تحاول أن تخفف من وطأة الارتفاع المهول في مجموعة من المواد الغذائية والمواد البترولية عن طريق مخصصات صندوق المقاصة و التي وصلت إلى 32 مليار درهم هذه السنة، بالإضافة إلى دعم للناقلين سيصل إلى 5 ملايير درهم مع نهاية السنة و كذلك، دعم للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من أجل ضبط سعر الكهرباء في مستويات مقبولة.
بالمقابل، فإن الحكومة مطالبة بتسريع الإجراءات الكفيلة بالحد من الريع و الفساد و كل أشكال الوسطاء والمضاربين و المحتكرين الذين يغتنون من أزمان المغاربة، بالاضافة، إلى تسريع تنزيل قوانين المنافسة و تحرير الأسعار من أجل معاقبة كل أشكال الاحتكار و شبهات الاتفاق..". موقف الجامعة الوطنية لحماية المستهلك
وفي هذا الصدد أدلى بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، هو الآخر بتصريح ل "الأيام 24" حول مستجدات الوضع الصعب الذي تنذر به الزيادات المستمرة في الأسعار، وأكد الخراطي على موقف الجامعة الوطنية لحماية المستهلك من هذه الزيادات غير المبررة: "نحن نندد بارتفاع الأسعار غير المبرر، والذي يتم ربطه دائما بسياق الزيادات على المستوى الدولي، في حين أن ما يقع هو ترجمت الزيادات العالمية لعشرات الأضعاف محليا، فنجد منتجات محلية الصنع تعرف زيادات غير مسبوقة تبرر بالارتفاع الأخير للأسعار والسياق الدولي، في غياب تام لمراقبة الأسعار، من يقول أن هناك مراقبة الأسعار فهو كاذب، الأسعار حرة، ما هو إلزامي حسب قانون حرية الأسعار والمنافسة هو إشهار الأثمنة، باستثناء بعض المواد المقننة والمدعمة ذات الثمن المعروف، ما تبقى فالتاجر له الحق في تحديد ثمن البيع الذي يريده، وهذا هو النظام الساري في المغرب منذ سنة 2000".
كما يضيف الخراطي: "نحن كجامعة مغربية لحقوق المستهلك سبق و اقترحنا على الحكومة اللجوء للمادة 4 من القانون رقم 12.104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، للتدخل ضد الارتفاع الفاحش للأسعار دون أن تتجاوز مدة تطبيق التدابير ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة، ولم تستجب، اقترحنا أيضا على الحكومة التخفيض من نسب الضريبة على القيمة المضافة على المنتوجات وتخفيض الضريبة على الدخل إلى 50 في المئة على الأقل، ليتحقق بعض الرفع لهذه الأزمة على المواطن ولو كان نسبيا، لأن المتضرر الأكبر هو المواطن الأجير و الموظف، من الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود".
وحول ما جاء به مشروع قانون المالية لسنة 2023، في الشق المتعلق بالرفع التدريجي للدعم على قنينة الغاز والقمح اللين ومادة السكر، يشدد الخراطي على رفض الجامعة اتخاذ قرارات متسرع بهذا الشأن ويقول: "موقف الجامعة واضح من رفع الدعم على غاز البوتان والقمح اللين والسكر، لابد من التريث قبل العمل بهذا الاجراء ، لانه بمثابة قنبلة، يجب العمل على توخي الدقة في ما يخص السجل الاجتماعي الموحد، وتحديد الفئات المستفيدة بعناية، يجب ان يأخذ العمل على هذا الملف وقته الكافي".
ليختتم الخراطي افادته بنتيجة من نتائج هذه الأزمة حيث اضطرت فئة واسعة من المواطنين للجوء إلى مدخرات "دواير الزمان" لتدبير مصاريفهم اليومية: " لقد تراجعت نسب ادخار المواطنين إلى 50٪ حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، المواطن الآن أصبح يغطي نفقاته من مال الادخار الذي كان يخصصه لما نسميه "دواير الزمان".