ما يزال قرار الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، بإعادة العلاقات مع جبهة "البوليساريو"، يشغل حيزا هاما من النقاش السياسي في البلد ويجر معه ردود فعل كثيرة، بعدما كانت العلاقات بين الرباط وبوغوتا تسير نحو تقارب وجهات النظر. قبل أن يقطع قرار الرئيس حبل وصالها ويعيد العلاقات بين البلدين خطوات إلى الوراء. دليل تأثير القرار وإحداثه انقساما بين الفرقاء السياسيين في بوغوتا، هو إقادم 62 سيناتور كولومبي من أصل 108 ويمثلون أهم الأحزاب السياسية الكولومبية، من بينها أحزاب تنتمي للائتلاف الحاكم. على توقيع ملتمس يرفض رسميا وبشكل قاطع قرار الرئيس غوستافو بيترو، تمت تلاوة الملتمس أمس الثلاثاء في الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، وهي الأقوى في البرلمان، من قبل الكاتب العام لمجلس الشيوخ، غريغوريو إلخاش باتشيكو، وبثه على الهواء مباشرة من قبل القناة التلفزيونية لمجلس الشيوخ ، وكذلك على الشبكات الاجتماعية للكونغرس.
كانت كولومبيا قد سجلت، منذ سنة 2007، طفرة نوعية في علاقتها بالمغرب؛ من خلال الدعم الصريح "لمبادرة الحكم الذاتي المغربية التي تكتسي أهمية كبرى بالنسبة للمغرب باعتبارها ترتبط بوحدته الترابية وسيادته الوطنية".
"نحن الموقعين أسفله، أعضاء مجلس الشيوخ نعرب عن رفضنا القاطع وعدم موافقتنا المطلقة على الموقف الذي اتخذته وزارة العلاقات الخارجية في 10 غشت 2022 ، والذي أكد صلاحية البيان المشترك الموقع في 27 فبراير 1985" مع الجمهورية الوهمية للبوليساريو. لقرار الذي اتخذته وزارة الخارجية الكولومبية في غشت الماضي، والذي يتعارض مع أحد المبادئ الأساسية للدبلوماسية الكولومبية، يقول عنها الموقعون على الوثيقة ، أنها بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للدول، له عواقب وخيمة، ودمر العلاقات الممتازة التي كانت تربط البلاد على الدوام مع المغرب.
الملتمس قدمه السناتور خيرمان ألسيديس بلانكو ألفاريز ، وهو عضو حزب المحافظين المشارك في السلطة والرئيس السابق لمجلس النواب، حيث استنكر أعضاء مجلس الشيوخ بشدة قرار "إعادة العلاقات الدبلوماسية مع هذه الحركة التي تعلن نفسها كبلد، لكنها في الواقع غير معترف بها من قبل الغالبية العظمى من بلدان العالم، ولا من قبل الأممالمتحدة ".
الملتمس تم توقيعه أساسا من طرف تسعة أحزاب في مجلس الشيوخ، من مختلف التوجهات الايديولوجية ، حيث قالت بخصوصه "القرار الذي يتعلق بسيادة المغرب ووحدته الترابية، البلد الذي تقيم معه كولومبيا علاقات دبلوماسية لأكثر من 43 عاما ، هو قرار متناقض" ، معتبرين أنه "من خلال البحث عن قرار يعود تاريخه إلى أكثر من 37 عام ا، من الواضح أن هذا القرار تم اتخاذه دون تقييم الوضع الحالي، ودون اعتبار عواقبه، مما أثر بشدة على روابط الصداقة الممتازة التي تربطنا تاريخيا بالمغرب". في غضون ذلك تم تسليم الوثيقة إلى سفيرة المغرب في كولومبيا، فريدة لوداية وسيحيله مجلس الشيوخ على رئاسة الجمهورية ووزارة العلاقات الخارجية، أن المملكة "دولة صديقة وحليفة كبيرة تمثل لكولومبيا شريكا استراتيجيا ومتميزا في إفريقيا والعالم العربي ، بالنظر للريادة والاعتراف الذي تتمتع به على المستوى الإقليمي والقاري والعالمي".
ويأتي قرار غوستافو بيترو الاعتراف بجبهة "البوليساريو" بشكل يعارض دينامية الدعم الدولي الواسع التي تعرفها السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية وكذا مبادرة الحكم الذاتي المغربية. إذ خرجت كولومبيا عن الإجماع الدولي الذي تتبناه أكثر من 160 دولة، وتنضم إلى أقلية تبني مواقفها على أسس إيديولوجية محضة لا علاقة لها لا بواقع الموضوع ولا بتوجيهات مجلس الأمن بالبحث عن حل دائم لهذا النزاع المفتعل.
كما أن الموقف الجديد لكولومبيا يتعارض مع موقف الأممالمتحدة التي لا تعترف بهذا الكيان وكذا مع مخرجات قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، ويشكل ضربا في سيرورة المسلسل الأممي".
وسبق للرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أن عبر سنة 2020، في تغريدة على تويتر، عن تعطافه مع جبهة البوليساريو قائلا: "على الرغم من أن الأمر يبدو غريبًا في كولومبيا، إلا أننا منذ عدة عقود نتضامن مع جبهة البوليساريو ونضالها من أجل استقلال أمتها". وأضاف: "ذات مرة كان هناك أشخاص من M19 (حركة يسارية مسلحة كولومبية ينتمي إليها بيترو) والجبهة يسيرون معًا في هذه الصحاري ويحلمون بعالم جديد".