لا يمكن لأي مواطن مغربي تجاهل ما يحدث من "حراك" في ريف مغربنا الحبيب، أقول مغربنا لأنه الجامع الحقيقي لكل المغاربة، نعم إنه بلد المغرب، لذا لا أقصد حكومته أو دولته.... لست خائفا من الفتنة المشاعة... لأن الوقوف وقفة الأوثان هو الفتنة الحقة... وإذا كان مداد الكتاب والمحللين يندفع اندفاع نهر هائج، وصراخ المواطنين يعلو علو أمواج عاتية، فذلك نابع من غيرتهم على هذا البلد، وحبهم له، وبحثهم عن ترسيخ مبدأ الوحدة الترابية المنبني على المساواة وتكافؤ الفرص... وإذا مثل هذا موقف المواطنين في بلد تشاع فيه الديموقراطية، فما هو موقف المؤسسات التي انتخبها الشعب في نظام يجب أن تكون حكومته خادمة للشعب؟؟ أين ولت الأحزاب وجوهها؟ أنحو قبلة الريف اتجهت أم فرت مهرولة تاركة دبرها ليزيد رائحتها بشاعة؟؟ لفظة الحراك تستوجب تدقيق النظر فيها، فهي مخالفة للاحتجاج الذي يستنكر فيه المحتجون على فعل ما أو وضعية ما... ومجانبة للثورة التي يريد فيها الثوار قلب النظام وترسيخ نظام جديد... دلالتها بين بين... تجمع بين الاحتجاج على الأوضاع المزرية والبحث عن قلب لهذه الأوضاع نحو الأحسن... إن "حراك الريف" حراك ناضج مخالف تماما لما حدث إبان الربيع العربي في تونس ومصر والعراق وسوريا... حيث انطلقت الاحتجاجات والتظاهرات انطلاقا إما عفويا وإما بالعدوى...تعددت الشرارات التي كان من شأنها أن تشعل فتيل هذا "الحراك"... لكن النار لم تندلع حتى حان أوانها... تراكمت المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... هي مطالب لا تنحصر في البحث عن الخبز كما يدعي البعض.. بل هي مطالب تجسد البحث عن الهوية وتأصيلها... بحث عن الكرامة والعدالة الاجتماعية... بحث عن المساواة وتكافؤ الفرص... بحث عن الذات الجماعية... وإذا لم يفهم الحجاج نحو الريف هذه المطالب في شموليتها فتلك هي الشرارة التي ستشعل فتيل الفتنة الحقيقية... لا يجب أن تعتبر مطالبهم بحثا عن امتيازات ما.. بل هي بحث عن حقوق مهضومة وعن اعتراف بأناس طال نسيانهم....