الزمان يوم الثلاثاء 7 مارس 2017، والمكان شارع بنغازي بقلب حي كاليفورنيا الراقي جنوب العاصمة الاقتصادية، عقارب الساعة تشير إلى التاسعة وخمس وخمسين دقيقة مساء، وسط سكون عم الإقامات الفاخرة وفيلات الحي المشابه لمناخ مدينة كاليفورنيا بالنسبة للأمريكيين، مزق صوت لعلعة الرصاص وإطلاق النار بواسطة ثلاث رصاصات مسامع ساكنة هذا الحي الراقي وكسر الهدوء الذي من المعتاد أن يخيم على شارع بنغازي. ما الذي حدث؟ الكل سارع بإطلاق نظرة سريعة، سيتبادل السكان والمارة الذين تجمهروا حول مكان الحادث رواية واحدة، تفيد بأن الأمر يتعلق بطلقات نارية ليست في شوارع بنغازي الليبية على كل حال، أردت مواطنا جثة هامدة داخل سيارته الفاخرة من نوعAUDi A8 ، قبل أن يتضح أن الأمر يتعلق بمقتل عبد الصمد مرداس، النائب البرلماني بحزب الاتحاد الدستوري عن دائرة ابن احمد، الذي اخترقت جسمه الرصاصات الثلاث. مشهد قتل مرداس أمام بيته؟
حوالي الساعة التاسعة وخمس وخمسين دقيقة من يوم الثلاثاء 7 مارس الماضي، وبمجرد مرور سيارة مرداس، بدأت تتحرك سيارة "داسيا" التي تتربص به وتنتظر قدومه، كان يقودها " ح – م"، فيما فضل مشتاري الجلوس بالمقاعد الخلفية متأبطا بندقية صيد الخنزير البري ذات فعالية عالية حسب خبراء السلاح، قام بحشوها بثلاث طلقات نارية، وبمجرد تقابل السيارتين صوب مشتاري انطلاقا من موقعه ثلاث طلقات على مرداس أردته إحداها قتيلا وغارقا في دمائه، بعدها سيغادر القاتل ومساعده بسرعة جنونية فاقت 80 كلم في الساعة، كانت الوجهة هي منطقة السالمية التي تخلصا فيها من الخرطوشتين الفارغتين اللتين بقيتا على متن السيارة، ورغم مرور 17 يوما عن وقوع الجريمة لم يتوفق رجال الشرطة في العثور عليهما.
بعدها سيزف القاتل خبر نجاح مهمته لزوجة الهالك التي كانت تزور والدتها، واتصل بها حوالي العاشرة و9 دقائق، وبشرها بالخبر، هي الأخرى اتصلت بصديقتها "ر- ب" هاتفيا، وبلغة الأمنيات والتمويه، ستخبرها أن زوجها تعرض لاعتداء بالضرب أمام منزله بحي كاليفورنيا، وطلبت منها الالتحاق بها سريعا، هنا ستسر الزوجة لصديقتها أن مشتاري نجح في تصفية زوجها، ليستمر الجميع في العيش بشكل عادي، خصوصا عندما انتشر نبأ اعتقال المشتبه الأول "م – خ"، ظانين أن الأمر انتهى.
إخفاء الأدلة المهمة الصعبة
بعد شيوع نبأ الإفراج عن "م – خ"، سيضطر القاتل إلى تدارك الأخطاء التي ارتكبها في تنفيذ جريمته، ومحو كل أثر ودليل يمكنه أن يقود المحققين إليه، وأول ما قام به هو استرجاع الهاتف الذي كان قد وضعه رهن إشارة عشيقته.
ولخبرته العالية في مجال الأسلحة، ودرايته بأن كل سلاح ناري له بصمة، وضياع إحدى الخرطوشات التي استخدمها في قتل مرداس، كان متيقنا من حجزها من طرف الشرطة، ومكنت الأبحاث التي جرت بعد اعتقاله، والانتقال معه لحجز أداة الجريمة وباقي الخراطيش، من العثور على البندقية التي استعملت في الجريمة، وهي بندقية عمد المشتبه فيه إلى محو العلامات المميزة التي تتركها عملية إطلاق النار في خلفية الخرطوشة، معتقدا أنه بذلك سيضلل المصالح الأمنية والعدالة.
كانت الخبرة التي أحيلت على مختبر الدرك الملكي حاسمة في الاهتداء إلى أن بندقية الصيد هي نفسها المستعملة في الجريمة، بناء على أبحاث القسم البالستي للتحليل التابع للدرك، الذي استعان ببنك معلومات يضم معطيات دقيقة عن مالكي بنادق القنص ونوعية الخراطيش، وهو البنك المنشأ قبل سنة بعد حملة واسعة شنتها مصالح الاستعلامات العامة بالعمالات والأقاليم، من أجل العمل على إلزام جميع الحاصلين على رخص حمل السلاح الظاهر بتقديم نموذجين من الخراطيش المستعملة انطلاقا من أسلحتهم النارية، ورغم أن المتهم عمد إلى محو بصمات الجهاز الذي يدفع الرصاصة، عند الضغط على الزناد، فإن تطابق مواصفات وبصمات خرطوشة عثر عليها أثناء مسح مسرح الجريمة، مع تلك المخزنة ببنك المعلومات، انضاف إلى باقي الدلائل العلمية التي طوقت عنق المتهم.
وخلصت الأبحاث نفسها إلى أن المتهم سدد ثلاث طلقات، خرطوشتان منها سقطتا داخل السيارة، بينما الثالثة زاغت وسقطت على الأرض، عكس ما كان يتوقعه المتهم، إذ أنه حرص على أن يضع ماسورة البندقية على حافة نافذة السيارة في وضع يسمح ببقاء الخراطيش داخل السيارة، إلا أنه في لحظة ما لم يتحكم في أعصابه، سيما بعد أن تحركت سيارة الضحية، ما دفعه إلى إطلاق رصاصة ثالثة زاغ فيها المتهم عن حافة النافذة لتسقط الخرطوشة خارج السيارة وتقع على الأرض، وغادر المشتبه فيه وشريكه المكان بسرعة حتى لا يتجمهر الجيران فيكشفوا أمرهما، لم تكن هذه الأدلة الوحيدة التي قادت المحققين إلى منفذي الجريمة، حيث إن ملابس ابن أخت القاتل التي أحيلت على الخبرة العلمية أثبتت أنها لا تزال تحتوي على آثار البارود من جراء إطلاق النار.