يتحرك المغرب بقوة الدفع الدبلوماسي في الرقعة الجغرافية البعيدة نسبيا، بأميركا اللاتينية، التي تعد قلاع للجزائر والبوليساريو بإعتبارها أراض خصبة لتنامي التيار اليساري الذي يجر وراءه سنوات الحرب الباردة والاستقطابات والتحالفات، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي..كل هذا سيعيده المغرب إلى نقطة البداية، إذ سارت دول على درب سحب اعترافاتها بجبهة البوليساريو، بل وتعلنها بصريح العبارة أن لا مخرج آخر لحل النزاع المفتعل غير الإقرار بمغربية الصحراء، ومن لم تجد من العواصم اللاتينية حلا آخر اختارت الوقوف على الأقل على مسافة بين الأطراف. آخر تلك المواقف المسلجة لصالح المغرب ضد خصوم الوحدة الترابية، كان موقف دولة بيرو، الذي تمت مراجعته في أقل من سنة، وبالتالي فتح صفحة بيضاء ناصعة في علاقات البلدين ومد جسور التعاون بعيدا عن وحل السياسة.
موقف بيرو الذي رحبت به الرباط، يأتي، وفق مراقبين من منطلق "الرغبة في الاستماع أكثر إلى الطرح المغربي وتفهُّمه، مع وعي متزايد بضرورة تبني موقف اشتراكي معتدل، دون إغفال أبعاد التعاون الاقتصادي باعتبار البيرو خامس بلد في ترتيب اقتصادات أمريكا اللاتينية مع اهتمامها بالتعريف بإمكانيتها عبر فتح مكتب اقتصادي في الدارالبيضاء".
وبعد مرور أقل من سنة على القرار، تراجعت البيرو عن الاعتراف لاسيما وأنه يتزامن وتعيين وزير خارجية جديد وهو ميغيل آنخيل رودريغيث مكاي يوم 5 من الشهر الجاري. وأصدرت وزارة الخارجية، أمس الخميس، بيانا تعلن فيه سحب الاعتراف جاء فيه "نظرا لعدم وجود علاقة ثنائية فعالة حتى الآن، قررت حكومة جمهورية البيرو سحب الاعتراف بهذا الكيان". ويضيف البيان "حكومة جمهورية البيرو، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة بشأن قضية الصحراء، تقدر وتحترم السلامة الإقليمية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية ، فضلاً عن خطة الحكم الذاتي لهذا النزاع الإقليمي ".
ويبرز البيان أن البيرو اتخذت القرار "وفقًا للقانون الدولي، مع الاحترام الكامل لمبادئ السلامة الإقليمية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة ودعما للجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن للتوصل إلى حل سياسي وواقعي ودائم وتوافقي بشأن الجدل حول الصحراء المغربية". ويبرز البيان المنشور في موقع وزارة خارجية البيرو أن هذا البلد سيخبر هيئة الأممالمتحدة بالقرار المتخذ.
أوراق دبلوماسية
هذا التطور في موقف بعض دول أمريكا اللاتينية يرى فيه خالد عبدلاوي الباحث في العلاقات الدولية أنه يأتي في سياق تتبع الممارسة الدبلوماسية المغربية اتجاه دول أميركا اللاتينية حيث يُظهر أنها "تنهج أسلوب التأثير من أجل بلوغ أهدافها"، موضحا أن ذلك التأثير يتجلى في امتلاك المغرب ل"دبلوماسية نشيطة لاستقطاب النخب السياسية في أميركا اللاتينية"، ومشيرا إلى أهمية النشاط الذي تقوم به الدبلوماسية المغربية باعتبارها "الأكثر احترافية في الإدارة المركزية والسفارات بأميركا اللاتينية".
وأضاف في حديثه ل"الأيام 24″ أن المغرب يهتم أيضا في علاقاته بدور دول أميركا اللاتينية ب"الدبلوماسية التضامنية لكسب الصداقات"، مشيرا إلى "المساعدات الإنسانية التي يقدمها المغرب على إثر وقوع كوارث طبيعية كالزلازل والأعاصير"، ولافتا إلى الدبلوماسيتين الثقافية والرقمية، وكذلك إلى دور الوكالة المغربية للتعاون الدولي باعتبارها "الذراع التنفيذي لدبلوماسية التأثير المغربية نحو أميركا اللاتينية".
واعتبر أن مواقف سياسية للدول المختلفة من أميركا الجنوبية، مثل البرازيل، والأوروغواي، وتشيلي، والأرجنتين، والإكوادور، هذه الأخبرة التي تبادل المغرب معها زيارات رفيعة المستوى خلال العام 2019، ما انتهى بإحداث أول مجموعة للصداقة البرلمانية الإكوادورية المغربية، إضافة إلى البيرو، التي سحبت الاعتراف بالجمهورية الوهمية، كل هذا يعزز قيمة المغرب وصورته كصاحب حق داخل رقعة جغرافية مُتحكم فبها بخيوط السياسة التي تشدها شدا قويا منذ عقود، على اعتبار أن تلك البلدان تعرف رواجا للأطروحات الإنفاصلية التي في نظرها تحررية، وهنا يؤكد الباحث في العلاقات الدولية الأنظمة السياسية في تلك العواصم اقتنعت أن علاقاتها بدول الأخرى لن تمر إلا عبر مفتاح السيادة.
وذكر المتحدث أن المغرب سبق له وأنحصل على صفة حليف موثوق وعضو ملاحظ لدى مجموعة دول الأنديز (اتحاد جمركي يضم دولا من أميركا الجنوبية)، خلال اجتماعها الرئاسي ال20، الذي انعقد منتصف العام 2020، فضلا عن امتلاك المغرب أيضا صفة عضو ملاحظ لدى تسع منظمات إقليمية بأميركا اللاتينية ذات طبيعة برلمانية وسياسية واقتصادية.
وتقف وراء تلك النجاحات دبلوماسية مغربية نشيطة، يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي كان قد أكد في خطاب له بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، في نونبر الماضي، أن عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي قد بلغ 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة.
وبحسب بعض التقديرات حجم التبادل التجاري بين المغرب ودول الأميركيتين اللاتينية والجنوبية ومنطقة الكاريبي، قد بلغ ما يفوق المليار دولار، خلال السنوات الأخيرة، بقيمة تتجاوز 130 مليار دولار للصادرات، و890 مليار دولار للواردات، وذلك مع كل دولة على حدة، وهي المعاملات المرشحة لأن تتضاعف خلال السنوات القادمة، خصوصا في ظل الاهتمام الذي بات يوليه المغرب للاقتصاد البحري، تزامنا مع الانكباب على تطوير بنياته التحتية والموانئ العملاقة في طنجة والداخلة.