على خلفية تداول تقارير لأخبار حول إمكانية اتخاذ موريتانيا لقرار يقضي بتغيير موقفها من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، بعد الموقف الإسباني بدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء، خرجت الحكومة الموريتانية، رسميا، للرد على كل تم تداوله في هذا الشأن، معلنة الإحتفاظ الرسمي بموقف الحياد الذي تتبناه منذ 43 عاما في ملف الصحراء المغربية، رغم التحولات وتغير مواقف الدول الكبرى في العالم من ذلك الملف. وعن خلفيات الموقف الرسمي لموريتانيا من الصحراء المغربية، يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط، "أن موقف موريتانيا مرتبط بالتطور التاريخي الذي عرفته نواكشوط في علاقاتها بملف الصحراء المغربية، فقد انتقل هذا الموقف من التحالف المطلق مع المغرب، عند عرض الملف أمام محكمة العدل الدولية، وأثناء توقيع اتفاقية مدريد، إلى نوع من التراجع بعد تهديد الجزائر والبوليساريو بغزو موريتانيا، وانسحابها من أقاليم جنوبية بشكل مطلق، بحيث عرفت عدة تذبذبات في مواقف موريتانيا منذ ذلك التاريخ".
وأضاف الحسيني، في تصريح ل"الأيام24″ أن "هذا التطور التاريخي له أهميته، لكن كذلك الوضع الخاص بموريتانيا، فهي دولة ضعيفة ومفتوحة بشكل كبير على دول المنطقة، ولا تتوفر على الإمكانيات الكبيرة لريادة الخارجية تتمتع بنوع من الريادة، وبالتالي هذا الضعف الذي تعاني منه موريتانيا جعلها تقع ضحية تجاذبات إقليمية خاصة بين محورين قويين ومركزين في المنطقة، وهما المغرب والجزائر، هذه التجاذبات كان لها أثرها على السياسات الخارجية لموريتانيا، وبالتالي مصطلح الحياد الإيجابي في قضية الصحراء، له ما يفيد مواقف نواكشوط في مختلف المراحل".
وأوضح المحلل السياسي، أن "موريتانيا تعتبر نفسها محايدة، ولكن في نفس الوقت إذا كانت هناك إمكانية للتدخل بشكل إيجابي بتسوية النزاع المفتعل حول قضية الصحراء، فهي لن تتراجع على ذلك بشكل واضح في عدة مواقف بما فيه تلك المعبر عنها أثناء زيارة المبعوث الأممي إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا إلى المنطقة، بخصوص المفاوضات حول الصحراء، دون أن ننسى أن موريتانيا طرف أساسي في الموائد المستديرة التي سينظمها دي مسيتورا، وبالتالي هي تحاول أن تأخذ العصا من الوسط في العلاقات بين المغرب والجزائر بشكل كبير.
واعتبر الحسيني، أنه "بطبيعة الحال ما تم تداوله من كون موريتانيا ستدعم موقف المغرب في الصحراء، فربما أن الرباط تفهم أن هذا النوع من الحياد الموريتاني غير كافي، والدليل على ذلك هو أن نواكشوط لا تزال تعترف بجبهة البوليساريو، والمغرب يعتبر أن الموقف الحيادي كان ينبغي أن يكون في إزالة هذا النوع من الاعتراف، وإلغاء هذا الاعتراف، على أساس أن "البوليساريو"، لم يعترف لها إلا الاتحاد الأفريقي حاليا، والمجتمع الدولي لا يتعرف بذلك، ويعتبر المغرب أن الحياد الموريتاني ينبغي أن يتبلور من خلال نزع وإزالة هذا الاعتراف".
ولفت أستاذ العلاقات الدولية، أنه "بطبيعة الحال، فالجزائر، فسوف لم تقبل بذلك إطلاقا، وربما سيصل التهديد إلى ما هو مادي دون أن يقتصر على القول، وهذا ما يهدد الكيان الموريتاني بالأساس، لأن الجزائر تتوفر على وسائل جد محرجة بالنسبة لموريتانيا في هذا الإطار، ثم أن نواكشوط تريد أن تحصل على نوع من التعاون المجدي مع الطرفين، فهناك لجنة عليا مشتركة بين موريتانيا والمغرب، ومئات الطلبة الموريتانيين الذي يدرسون في المغرب، وعدة مساعدات وتعاون اقتصادي، خاصة على مستوى نقل الخضروات والمواد الغذائية إلى موريتاينا، وربما هذه الأخيرة اتخذت موقف إيجابي عندما قامت القوات المسلحة الملكية بعملية طرد عناصر "البوليساريو" من معبر الكركرات، فهي انضمت ضمنيا إلى الموقف المغربي".
وزاد الحسيني قائلا "كذلك موريتانيا اتخذت مواقف إيجابية فيما يتعلق بالأحداث التي تعرفها المنطقة العازلة بالصحراء، وأشارت إلى أن أشياء من هذا القبيل لا تحصل فوق التراب الموريتاني، كما تدعي الجزائر، وكان موقفها إيجابيا في هذا الخصوص، لكن بين هذا وذاك، فنواكشوط تفضل أن تبقى في هذا الوضع الحيادي الذي تجني منه مصالح إضافية من الطرفين".
وأشار المحلل السياسي، إلى أن "الجزائر تعد موريتانيا كثيرا بتوجيه مساعدات ودعم عبر الطريق التي قامت بترصيفها على مئات الكيلومترات، بينها وبين نواذيبو، هي كذلك تحصل على هذا النوع من المساعدات بشكل قوي وكبير من طرف المغرب، وبالتالي هي الحلقة الضعيفة في موقف إقليمي صعب، دائما تريد الحصول على امتيازات من الطرفين المتصارعين، وهذا ما تقوم به موريتانيا بالذات، وهي تعول على مواقع أخرى، ستعمل على تسوية النزاع المفتعل حول قضية الصحراء، في إطار الأممالمتحدة، أو عبر ضغوط تقوم بها القوى الكبرى وفق إمكانياتها، قد ترتاح مبدئيا لموقف إسبانيا الداعم للمقترح المغربي بالصحراء، وقد تتماهى مع مثل هذه المواقف في المستقبل القريب، ولكنها تحاول دائما أن تأخذ جانب الحيطة والحذر تفاديا للوقوع في قطع للعلاقات مع الطرفين.
وقال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، محمد ماء العينين ولد أييه، إن موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية، موقف ثابت يأخذ شرعيته من قناعة موريتانيا بضرورة تبني خيار الهدوء وتغييب الصراع.
وأوضح ولد أييه، الأربعاء الماضي، خلال المؤتمر الأسبوعي للتعليق على اجتماع مجلس الوزراء، أن موريتانيا تتابع ملف الصحراء عن قرب ومستعدة للعب دورها المنوط بها في أي لحظة.
وأضاف ولد أييه، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الموريتانية، أن أي تدخل لموريتانيا في قضية الصحراء سيكون في إطار موقفها الثابت الذي هو الحياد الإيجابي.
وفي وقت سابق، تسائلت تقارير محلية، عن مافائدة احتفاظ حكومة نواكشوط من تخزين موقف الحياد مدة ثلاثة وأربعين عاما، خاصة أن إشكالية التعاطي الموريتاني مع قضية الصحراء هي استمرار لظل اللبس والغموض والمأزق النظري والسياسي والجيوستراتيجي المحاط بهذا التعاطي، الذي يصفه البعض بالموالي للمغرب، وينعته آخرون بالموالي للجزائر وجبهة البوليساريو، ناهيك عمَّا "تتمسك به السلطات الرسمية الموريتانية من التزام الحياد بين مختلف أطراف القضية".
واعتبرت المصادر ذاتها، أن حياد نواكشوط في قضية الصحراء، لم ينفع فى تقريب وجهات نظر المتنازعين ولم يفلح ولو مرة واحدة فى جمع طرفي النزاع الجزائر والمغرب على طاولة واحدة ..!؟. وأضافت المصادر ذاتها، أنه منذ حوالي عامين تقرييا، قال رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني ، "إن موقف الحياد الإيجابي من نزاع الصحراء الذي تبنته بلاده ليس قابلا للتغيير لأنه -حسب قوله- من ثوابت السياسية الخارجية للبلد" .
وأشارت إلى أن المخاوف الأمنية التى كانت تمنع حكومات موريتانيا السابقة لم تعد موجودة بعد أن شددت المملكة قبضتها على صحرائها وحذفت المنطقة العازلة للكركرات "قندهار شمال إفريقيا، وكذلك فإن الجيش الموريتاني عزز عتاده ورفع من نسبة فاعليته في السنوات الأخيرة.