يعيش المواطنين المغاربة، على مدار الأسابيع القليلة الراهنة، على وقع زيادات متتالية في أسعار المواد الغذائية والمحروقات وصفت ب"المهولة والمبالغ فيها"، الشيء الذي دعاهم إلى حث الحكومة على إيجاد حلول عاجلة للحد من هذه الزيادات التي مسّت قدرتهم الشرائية، وجعلتهم في معاناة، خاصة بحلول شهر رمضان حيث تتضاعف المصاريف. وفي هذا السياق، أفاد مرصد العمل الحكومي التابع لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، على أن الزيادات المتسارعة التي تشهدها أسعار المحروقات في المغرب تحمل بصمات دولية واضحة، نابعة بالأساس من السياق الاقتصادي العالمي، لكن هذا لا يعني أن مجموعة من الإجراءات والتدابير المتخذة في المغرب فيما يخص قطاع المحروقات، تُساهم هي أيضا في استفحال هذه الأزمة، و تزيد من وقع الزيادة في أثمنة المحروقات. وزاد المرصد، خلال ورقة تنفيذية حول الزيادات في أسعار المحروقات خلال شهر أبريل الجاري، توصلت الأيام 24 بنسخة منها، بأن هناك مجموعة من القرارات والإجراءات التي راكمها المغرب طيلة سنوات، شكلت بيئة مناسبة لاستفحال هذه الأزمة، واشتداد وقعها وتأثيرها على النسيج الاقتصادي الوطني. استبعاد الحكومة من المسؤولية المباشرة "إن تحرير المغرب لأسعار المحروقات، بدون أي استشراف مستقبلي، وبدون أي تخطيط مسبق، وبدون إشراك لمختلف الفرقاء، وبدون وضع آليات حقيقية وواضحة للمنافسة بين مختلف الفاعلين في القطاع، وبدون أي مجهود للاستثمار في بينية التخزين خاصة مع التخلص غير المبرر من مصفاة "لاسامير" لتكرير النفط وقدرتها الكبيرة على التخزين، وفي ظل منظومة ضريبية غير متوازنة، هذا بالإضافة إلى المنظومة القانونية المتجاوزة التي تؤطر بيع وتوزيع المحروقات، جعل البلاد خاضعة لتقلبات السوق الدولية، و شبه عاجزة على مواجهة أي أزمة طارئة في هذا الصدد" يوضح المصدر نفسه. واستبعد المرصد، مسؤولية الحكومة الحالية بشكل مباشر على الوضع الحالي لقطاع المحروقات والأسعار الملتهبة للمنتجات البترولية، محملا بذلك المسؤولية للحكومتين السابقتين، مشيرا "لكن هذا لا يعني أن الحكومة الحالية غير مطالبة باتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الآنية والعاجلة لتصحيح الوضع، ولحماية المستهلك المغربي، وتخفيف تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد الوطني". إلى ذلك، أشارت الورقة ذاتها، إلى غياب التواصل الواضح والصريح للحكومة المغربية الحالية، فيما يخص أزمة ارتفاع المحروقات، واعتمادها على فرض الأمر الواقع لتبرير الزيادات، مع ربط الأزمة التي يعيشها المواطن المغربي بالسياق الدولي؛ وكذا إلى امتناع الحكومة عن مناقشة أزمة المحروقات داخل البرلمان، وعدم سعيها لإشراك مختلف الفرقاء السياسيين في إيجاد الحلول المناسبة لتجاوزها، وعدم تدخلها لتنظيم المنافسة وتحديد هوامش الربح لدى الموزعين، وتساهلها فيما يخص شروط التخزين المنصوص عليها قانونيا. ما الحل؟ وقدم المرصد العمل الحكومي، جُملة من التوصيات لتجاوز أزمة زيادة أسعار المحروقات، في مقدمتها مواصلة دعم المهنيين عن طريق الوقود المهني، وتعزيز آليات المراقبة وتمكين الفاعلين الحقيقيين من الوصول إلى الدعم وتسهيل ولوج أرباب محطات الوقود، إلى التمويلات البنكية ومساعدتهم على مواصلة تموين السوق من الاحتياجات من المواد البترولية، ومراجعة أو تجميد الضرائب المطبقة على المحروقات لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر في أفق استقرار أسعار المحروقات على المستوى الدولي. وأوصى المصدر نفسه، بضرورة عمل الحكومة على حل مشكلة مصفاة المحمدية "سامير"، من أجل الرفع من قدرات التكرير والتخزين للمحروقات بالمغرب، وإلزام الفاعلين في قطاع المحروقات على الرفع من استثماراتهم في مجال التخزين، والخفض التدريجي للقيمة الضريبية المطبقة على المنتجات البترولية بما يسمح بتقوية القدرة الشرائية للمواطنين، وتحسين شروط المنافسة بين مختلف الفاعلين في مجال المحروقات، وفرض آليات أكثر شفافية تضمن توازن الأسعار والربح. أما بالنسبة للتوصيات المقدمة على المدى البعيد، أكد المرصد على تحسين وتجويد خدمات النقل العمومي، بما يمكن من خفض الاستهلاك الداخلي للمنتجات النفطية، وتشجيع استعمال واقتناء السيارات الكهربائية، عبر إجراءات ضريبية أكثر جاذبية وأكثر توازنا، فضلا عن تنويع مصادر الطاقة، ومواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة كمصدر أساسي للاستهلاك الطاقي بالمغرب.