تحكي النساء قصص بلا نهاية، يدرن في دوامة التفاوتات ودائرة المفارقات من الأسرة إلى المدرسة إلى الجامعة والعمل مرورا بالشارع والفضاء الإفتراضي..وصولا إلى البيت الزوجية. ووسط هذا كله يجدن أنفسهن أمام خيارات أحلاها مر، فالقانون الوضعي يحفظ حقوقهن ويصونها، بيد أن الواقع وطبيعة المجتمع تسلبها في كثير من جوانبها. قبل 5 سنوات قررت ملكية وهي شابة عشرينية، الزواج من شاب يبلغ 34 سنة، بعدما تقدم لخطبتها، ورسمت في مخيلتها أحلام زوجية سعيدة وبناء أسرة واستقرار. كانت سنتين من العيش داخل البيت الزوجية كافية لإعلان الإنفصال إثر توالي خلافات حادة بينهما، إهتدت إلى طريق المحاكم الوعرة.
تقول إن سنة 2019 صدر لفائدتها حكم بالنفقة يؤديه الزوج، لكن الحكم القضائي لم ينفذ، ومنذ ذلك الحين وهي تجري بين قسم التنفيذ والمفوض القضائي المكلف بالإنفاذ..تعتبر أن لا علم لها لماذا تم إنصافها قانونيا لكنه لم ينفذ على أرض الواقع رغم مرور 3 سنوات عليه.
تعود وتحكي بمرارة عما تعيشه اليوم وهي في بيت عائلتها، حيث لاعمل ولامستقبل ولا استقرار أسري، تائهة بلا هدف أو عنوان للحياة التي ما كانت تعتقد أنها ستعرف هذا المنعطف، في وقت كانت فيه تدرس بالجامعة وتحلم بمستقبل عملي تحقق به ذاتها لكن لاشيء من هذا حصل.
استقرار مهدد
النساء ضحايا حالات الطلاق المرتفع، إذ يسجل المغرب في كل سنة ارتفاعا مهولا في عدد حالات الطلاق بمختلف المدن، ذلك ما أكدته إحصائيات لوزارة العدل أن محاكم الاستئناف سجلت خلال سنة 2020 المنصرمة ما مجموعه 3863 حالة طلاق في المغرب، بينما سجلت المحاكم الابتدائية خلال السنة نفسها 109229 حالة طلاق.
وحسب الإحصائيات ذاتها لسنة 2020 الماضية، اختلفت أنواع قضايا الطلاق المسجلة في المغرب بالنسبة لمحاكم الاستئناف، حيث تم تسجيل أكثر نسبة في قضايا الطلاق المتعلقة ب(مراجعة لوازم الطلاق) حيث وصل عددها إلى 2624، وبعدها قضايا (التطليق) بعدد 1030. أما فيما يتعلق بالمحاكم الابتدائية، حصلت قضايا (الطلاق بالشقاق) على نصيب الأسد بعدد 68995، وفي المرتبة الثانية قضايا (الطلاق الإتفاقي) بعدد 24257، حيث سجلت قضايا (التطليق) 6611، وفقا للمصدر ذاته.
وكشفت إحصائيات لسنة 2019 أن قضايا الطلاق التي تم تسجيلها في المحاكم الابتدائية بالمدن المغربية وصل عددها إلى 131,100، حيث بلغ عدد قضايا (التطليق للشقاق) 12,924، فيما وصل عدد (الطلاق الإتفاقي) 6,081. فيما أشارت الإحصائيات أن عدد قضايا الطلاق المتعلقة ب"(التطليق للضرر)، (التطليق للغيبة)، (التطليق للعيب)، (التطليق بسبب الإيلاء والهجر)، وغيرهم من القضايا الأخرى تسجل انخفاضا كبيرا، مقارنة مع قضايا (الطلاق الإتفاقي)، و(التطليق للشقاق) التي ترتفع بنسبة كبيرة في كل سنة.
تحرش وتنازلات
تشير المعطيات المتعلقة بالعنف، إلى أن أكثر من نصف النساء يتعرّضن لشكل واحد على الأقل من العنف. وخلال سنة 2019 عانت أكثر من 7 ملايين امرأة، أي 57 في المئة، على الأقل من شكل واحد من العنف.
ويظل الإطار الزّوجي الأكثر اتساماً بالعنف، كما يظل العنف النّفسي الشكل الأكثر شيوعاً بنسبة 46 في المئة من الحالات، ما يمثل 5 ملايين امرأة. يليه الفضاء التعليمي في المرتبة الثانية، بنسبة 22 في المئة من التلميذات والطالبات. أما في الوسط المهني، فقد بلغت نسبة النساء ضحايا العنف أثناء مزاولة عملهن 15 في المئة من النساء العاملات. وفيما يتعلق بالفضاء العام، تعرضت حوالي 13 في المئة من النساء لأشكال عنف في الشارع.
في وقت وجود قانون ضد التحرش الجنسي، تلازمه صعوبة تطبيقه، فإن تعريفه للتحرش الجنسي يعاني من إشكالات عديدة. من قبيل: هل يجب أن يتضمّن التحرش ألفاظا جنسية ليسمى تحرشاً؟ ماذا عن النّساء اللواتي يتلقين غزلاً غير مرغوب به، ويتعرضن للمطاردة في الشارع؟ إلى أي قانون سيلجَأْن؟ كما أنّ الإعلان عن التعرض للعنف لا يتم بسهولة. ولعل هذا أخطر ما في العنف، أي عدم اعتراف النساء بحدوثه، إما خوفا من عدم التصديق، أو من العقاب أو لشعورهن بالعار بسبب ما تعرّضن له.
تعليم وعمل
ولمعرفة حجم المسؤولية على النساء العاملات اللواتي يشكلن 20 في المئة من مجموع العاملين في البلاد، تقول إحصائيات عام 2020، التي أصدرتها في الأسابيع الماضية "المندوبية العامة للإحصاء"، في تقريرها عن وضعية النساء، أن 43 في المئة منهن مطلقات. ويفسر ذلك بارتفاع نسب الطلاق عموماً، ولأنّ نسب الزواج الثاني للمطلقات ضعيفة، خاصة إذا كان لديهن أولاد، كما أن نسبة منهن لم تكن ضمن القوة العاملة خلال مرحلة الزواج، واضطُررن للعمل بعد ذلك في ما يتوفر من مهن بسيطة، لأنهن لا يحملن مستوى تعليمياً مرتفعاً.
بينما تقول الملاحظة المجردة إن المرأة أكثر تحملاً لمسؤولية أسرتها من الرجل. فحين تعمل الشابة يستفيد الوالدان والإخوة من راتبها أكثر منها، على عكس الشباب الذين تشغلهم هواجس الاستقلالية والاستمتاع بالحياة والاستعداد لتكوين أسرة جديدة.
ويسجل عدد الفتيات والنساء في التعليم العالي لتصل إلى نسبة 52 في المئة من مجمل الطلاب عام 2019، بعد أن كانت 42 في المئة سنة 2016، وكذلك ارتفاع نسبهن في التعليم المحدود الاستقطاب (الهندسة، الطب)، إذ تشكل نسب الفتيات عام 2019، ضمن طلبة الطب والصيدلة 67 في المئة، و73 في المئة في طب الأسنان، و59 في المئة في العلوم والتقنيات، و60 في المئة في التجارة والتسيير.
ويعود عدم انعكاس ذلك التفوق على مستوى سوق الشغل، إلى كون هذه النسب حديثة ولم تصل إلى مقاعد العمل بعد. فيما يظهر معدل الشّغل بالشهادات، أن أكثر من ربع النساء العاملات لديهن مستوى تعليمياً عالياً، ونسبتهن أكبر بفارق ضئيل من العاملات بدون شهادة أو بمستوى تعليمي متوسط.
وكان البنك الدولي أصدر تقريراً يُحلّل أسباب ضعف مشاركة المغربيات في سوق الشغل، خلص إلى نتائج منها أن معدل مشاركتهن من بين أقل المعدلات في العالم، على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وانخفاض معدل الخصوبة، وتحسن فرص التعليم. بذلك يحتل المغرب المركز 180 ضمن 189 بلداً، وذلك يعني أن 78 في المئة من المغربيات بين 15 و65 سنة، لا يعملن أو لا يبحثن عن عمل.
وحسب خبراء البنك الدولي، فالمغرب يتوفر على سوقين مختلفتين للعمل: الأولى في المناطق الحضرية، حيث يرتفع معدل التشغيل والمشاركة من الجنسين، والثانية في المناطق القروية، حيث يرتفع معدل عدم عمل النساء بأجر ارتفاعاً حاداً. مع العلم أن العمل المتاح في القرى يكاد يقتصر على الأعمال الزّراعية، في ضيعات كبرى، بأجرة يومية. وبعضهن يعمل في تعاونيات فلاحية تُصنّف ضمن الاقتصاد التضامني، أو ضمن نطاق الأسرة.