يرى المستشار بمعهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا سيمون أليسون أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي بعد مسار لم يكن سهلا تثير تساؤلات عن تأثير هذه العودة على دينامية عمل المنظمة القارية، وربما الأهم هو تأثير التفاعلات داخل المنظمة على مواقف الرباط. ويضيف أليسون -في مقال تحليلي نشر في موقع المعهد- أن التأثير الواضح والفوري لعودة الرباط هو مساهمتها في تمويل الاتحاد، فالأخير يعاني ماليا ويعتمد بشكل كبير على المانحين الدوليين لتسيير شؤونه الإدارية والأمنية، ومما لا شك فيه أن عضوية الرباط ستساعد في دعم خزينة الاتحاد. ويتم احتساب مساهمة الدول الأعضاء بالاتحاد بحجم الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل أكبر خمسة اقتصادات في القارة تسهم بنسبة 60%، وبما أن المغرب سادس أكبر اقتصادات أفريقيا فإن مساهمته ستقترب من الدول الكبرى مثل نيجيرياوجنوب أفريقيا ومصر والجزائر وأنغولا.
ولمعرفة حجم مساهمة الدول الكبرى في ميزانية الاتحاد، يكفي أن نعرف أن مساهمة جنوب أفريقيا في الفترة 2015-2016 تقدر ب 33 مليون دولار.
يقول أليسون إنه إلى جانب كون عودة المغرب تعني دخول بلد له وزن اقتصادي وعسكري كبيرين في القارة فإن قد تسهم في تعقيد موازين القوى داخل الاتحاد، والتي تتسم بالحساسية والتغير المستمر، فالقارة ليست أحادية القطب رغم أن كلا من نيجيرياوجنوب أفريقيا تعزم أن ميزان القوى يصب لصالحها، وهو ما يعني أن التنافس على الزعامة والتحالفات تتغير من قضية إلى أخرى. ويرى الباحث نفسه أنه من المتوقع أن يكون للمغرب داخل الاتحاد تقارب طبيعي مع جيرانه في منطقة شمال القارة ولاسيما مصر والجزائر، وهما القوتان الأساسيتان. وبما الدول الثلاث من المساهمين الأساسيين في تمويل الاتحاد فإنها ستكون قادرة على انتزاع نفوذ مقدر داخل المؤسسة القارية. غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالقوة التمويلية لدول ما لا تعني بالضرورة اكتساب نفوذ توازيه هذه القوة، فالاتحاد الأوروبي الذي يمول الاتحاد الأفريقي بنسبة تفوق 80% كان يجد صعوبة حتى لعقد اجتماعات مع رئيسة المفوضية الأفريقية السابقة نكوسازانا دلاميني زوما.
من جانب آخر، فإن كتلة دول شمال أفريقيا لم تستطع تشكيل جبهة موحدة داخل الاتحاد، فتلك المنطقة هي الأقل اندماجا مقارنة بباقي مناطق القارة، وهي أقل مناطق أفريقيا من حيث التجارة البينية، ولا يجمع دولها أي تكتل اقتصادي فعال، كما أن الدولتين البارزتين في شمال أفريقيا متمثلتين في المغرب والجزائر تتنافسان على النفوذ. ويقول جاكي سيليرز مدير الابتكار في معهد الدراسات الأمنية ومقره بجنوب أفريقيا إنه من المستبعد أن تشكل دول شمال أفريقيا كتلة إقليمية منسجمة ترمي بثقلها داخل الاتحاد الأفريقي. وتتسم العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر بالتعقيد، ولكنها تدور حول قضية واحدة هي نزاع الصحراء المغربية. ويرى الباحث في معهد الدراسات الأمنية أنه لكي يكتسب المغرب نفوذا حقيقيا داخل الاتحاد الأفريقي فإن عليه أولا حل نزاع الصحراء بطريقة ما، وهو ما سيزيل عقبات أمام اندماج منطقة شمال أفريقيا بصفة عامة. ويضيف سيليرز في مقالته بموقع معهد الدراسات الأمنية ب جنوب أفريقيا "لفتح الطريق أمام نمو منطقة شمال أفريقيا فإنه من الضروري إيجاد حل لمأزق الصحراء الذي يقيد حرية المبادلات، وعودة الرباط للاتحاد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن دون حل ملف الصحراء فإننا لن نشهد أي تململ". بينما يقول أليسون إن قبول عضوية المغرب بالاتحاد الأفريقي سيسرع إيجاد حل لملف الصحراء بطريقة أو بأخرى، إذ قد تستغل الرباط عضويتها لتشجيع دول أفريقية أخرى على سحب اعترافها بالبوليساريو، كما أن هناك احتمالا بأن تمارس الدول الكبرى المؤيدة للجبهة -ولا سيما جنوب أفريقيا- تأثيرا أكبر على الرباط بعدما عادت للأسرة الأفريقية لحل النزاع. ويخلص الباحث إلى أن عودة الرباط للاتحاد الأفريقي قد تفرز تأثيرا على مملكة المغرب أكبر من تأثير الأخيرة على المنظمة القارية.