الرئيس الموريتاني يحل بالمغرب في زيارة خاصة    الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    الملك يعزي الرئيس ماكرون في ضحايا إعصار تشيدو بأرخبيل مايوت    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    ريال مدريد يتوج بلقب كأس القارات على حساب باتشوكا المكسيكي    برعاية مغربية .. الفرقاء الليبيون يتوصلون إلى اتفاق جديد في بوزنيقة    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    النقض يرفض طلب "كازينو السعدي"    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    الأمن يطلق بوابة الخدمات الرقمية    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    مؤجلات الجولة 31 من الدوري الاحترافي .. الوداد ضيف ثقيل على الجيش الملكي بالقنيطرة والكوديم يتحدى نهضة بركان    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    مفوضة أوروبية: المغرب «شريك أساسي وموثوق» للاتحاد الأوروبي    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح        الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسابات الربح والخسارة في توقيف أنبوب الغاز الجزائري المغربي
نشر في الأيام 24 يوم 12 - 11 - 2021

بحلول منتصف ليلة الأحد/الاثنين الماضيين، يكون العقد المبرم بين المغرب والجزائر المتعلق بضخ الغاز عبر أنبوب المغرب العربي قد انتهى، ليعلن قصر المرادية في نفس الليلة أن الرئيس عبد المجيد تبون، قد أعطى تعليماته لشركة "سونتراك" بعدم تجديد الاتفاقية مع المكتب الوطني للماء والكهرباء، ولتطفو العديد من الأسئلة على السطح: في أي سياق أنشئ خط أنبوب الغاز الجزائري المار من المغرب؟ هل فعلا كان المغرب من المستفيدين منه؟ وما الذي ستخسره المملكة بعد وقف العمل به وما الذي ستربحه في المقابل؟ وكم حجم الغاز الذي كانت تمنحه الجزائر للمغرب مجانا كرسوم لمدة 25 سنة؟ وما الذي كان يفعله المغرب بالغاز الجزائري؟ وما هي الخيارات المطروحة اليوم أمام المغرب كبديل لغاز الجيران؟
مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي كان يحكم الجزائر رئيس عرف بتقاربه مع المغرب بالمقارنة مع من سبقه، وهو الشاذلي بنجديد، الذي يحسب له رغم خلفيته العسكرية أنه كان قريبا من فكرة اتحاد المغرب العربي، وكان يحضر إلى المغرب باستمرار ليشارك الملك الحسن الثاني في رحلات قنص خاصة، ويعقد الرجلان اجتماعات رسمية وغير رسمية لبحث إمكانيات الخروج بحلول عقلانية لأزمة الصحراء، التي أرادتها الجزائر منذ عهد الرئيس هواري بومدين أن تكون حجرة في حذاء المملكة، فكانت التخريجة التي تحفظ ماء وجه الجميع أن يتم الاتفاق على إنشاء اتحاد المغرب العربي وأن تترك مسألة الصحراء المغربية في ردهات الأمم المتحدة.
في 17 فبراير 1989 سيتمكن الحسن الثاني من جمع 5 قادة مغاربيين في مراكش ليشرع الجميع في الحلم بمغرب عربي تتكتل فيه الدول وتتكامل اقتصاديا، وهو الورش الذي بدأ بطموح جزائري كبير بأن تنقل صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا عبر تراب كل من تونس والمغرب، بحكم أن المسافة الفاصلة بين المغرب وإسبانيا على سبيل المثال بحرا، لا تتعدى 12 كيلومترا، بينما تفصلها مئات الكيلومترات على الجزائر.
ومع بداية التسعينيات تم التفكير بشكل جديد في الموضوع، حيث شرع في نفس الوقت بناء أنبوبين كبيرين يربطان الجزائر بأوروبا، الأول يربط الجزائر بإيطاليا عبر الأراضي التونسية، والثاني يربط الجزائر بإسبانيا والبرتغال عبر الأراضي المغربية.
ويبدو أن التفاهم الذي كان حاصلا بين الملك الحسن الثاني والشاذلي بنجديد، الذي حكم الجزائر ما بين 1979 و 1992، علما أن الضفة المقابلة (إسبانيا) كانت تحت حكم الملك خوان كارلوس الأول، الذي يناديه الحسن الثاني ب»الأخ الأكبر» قد سهل بشكل كبير بناء هذا الخط بطول 1400 كيلومتر، مكلفا ميزانية معتبرة وصلت ل 1.5 مليار دولار، وتمرّ منه 520 كيلومتر عبر الأراضي المغربية.
والمؤكد أن الرئيس الآخر الذي خلف بنجديد، وهو محمد بوضياف المعروف بقربه الكبير من الحسن الثاني، وعلى الرغم من أنه لم يعمر طويلا فقد ساهم بدوره في تسريع بناء هذا الأنبوب الضخم، الذي لم يكتمل إلا مع حلول العام 1996، وكان حينها اليمين زروال رئيسا للجزائر، حيث تم بداية توقيع اتفاق أول امتد لمدة 15 سنة يهم نقل ما يقارب 10 ملايير متر مكعب سنويا من الغاز الجزائري إلى كل من إسبانيا والبرتغال عبر الأراضي المغربية، انتهى في العام 2011، ليتم تجديده لمدة 10 سنوات إضافية في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن ينتهي بحلول ال 31 من أكتوبر الماضي.
غاز الجزائر بثمن تفضيلي للمغرب
كانت الاتفاقية الموقعة بين المغرب والجزائر مع منتصف تسعينيات القرن الماضي، تؤكد أن المغرب يستفيد من رسوم على الأنبوب الجزائري المار عبر أراضي المملكة بواقع 7 في المائة من حجم ما نقله هذا الأنبوب سنويا لكل من إسبانيا والبرتغال كرسوم، بينما يشتري ما تبقى من احتياجاته من الجزائر بثمن تفضيلي لا يتغير سواء صعد ثمن الغاز عالميا أو تهاوى.
وبحلول العام 2011، انتهى هذا الاتفاق، وفي ظل دعوات مغربية جزائرية للتقارب تم تجديد الاتفاق، حيث دعا الملك محمد السادس في تلك السنة بمناسبة الذكرى ال 12 لعيد العرش لتطبيع العلاقات وإعادة فتح الحدود مع الجارة الشرقية، وقال إن المملكة تريد بناء تكتل اقتصادي متكامل في شمال إفريقيا. وفي مقابل ذلك قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة – في رسالة تهنئة لملك المغرب بمناسة عيد العرش 2011 – إن بلاده تطمح لبناء علاقات نموذجية مع الرباط، و»مد جسور التآخي والتعاون وحسن الجوار من أجل بناء هذه العلاقات».
بعد خطاب الملك ورسالة التهنئة التي بعث بها بوتفليقة للقصر بأسابيع فقط، وقعت الجزائر والمغرب نهاية يوليوز 2011 اتفاقية تقضي بتزويد الأولى للثانية بنحو 640 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا لمدة عشر سنوات، ووقع الاتفاقية حينها بالعاصمة الجزائرية رئيس شركة سوناطراك نور الدين شرواطي ورئيس المكتب الوطني للماء والكهرباء علي الفاسي الفهري.
في تلك الفترة قال المكتب الوطني للكهرباء إن إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري ستمكن المملكة من تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء هما عين بني مطهر (طاقتها الإنتاجية 470 ميغاواط) وتهادارت (385 ميغاوط)، وهما ما يشكلان حاليا حوالي 10 في المائة فقط من احتياجات المملكة من الكهرباء.
بلغة الأرقام: ما الذي كان يربحه المغرب من الغاز الجزائري؟
يتساءل الكثيرون ما الذي كان يربحه المغرب من خط الغاز هذا، وحتى نتحدث بلغة الأرقام، فالإحصائيات المتعلقة بهذا الأنبوب الذي وضع قيد الخدمة بداية من العام 1996، كان يمد المغرب بغالب احتياجاته من الغاز الذي يوجه جزء كبير منه بالأساس لإنتاج الكهرباء.
وبأرقام الحاضر، فالمغرب حصل من هذا الخط في سنة 2015 على 650 مليون متر مكعب، وحصل في 2016 على 644 مليون متر مكعب، وعلى 566 مليون متر مكعب في 2017، و 680 مليون متر مكعب في 2018 و 381 مليون متر مكعب في 2019.
أما بلغة المال، فقيمة ما حصل عليه المغرب من إيرادات في العام 2018 بلغت 170 مليون دولار، و 113 مليون دولار في 2019، أما في العام الذي ودعناه فإيرادات المغرب من هذا الأنبوب لم تتجاوز حاجز ال 56 مليون دولار، مما يعني أن المغرب كان يستفيد من القليل فقط مما كان يعتقده الآخرون كثيرا. ما يحتاجه المغرب من الغاز الطبيعي سنويا ليس بالرقم الكبير، فالمغرب على سبيل المثال احتاج في العام الذي ودعناه لحوالي 750 مليون متر مكعب فقط، حصل منها على 600 مليون متر مكعب من الجزائر، بينما ينتج ما تبقى محليا سواء في حقل تندرارا أو في العرائش، كما أن هذه الكمية يمكنه أن يدبرها بكل سهولة، عبر العديد من الآليات التي سنتحدث عنها في ما تبقى من هذا الملف.
ما تأثير القرار على المغرب؟
هل سيؤثر هذا القرار الجزائري على المغرب؟ سؤال يطرح بقوة خاصة في الجزائر التي تروج أن المغرب سيخسر الكثير بسبب هذا الإجراء، غير أن مصدرا ل»الأيام» من المكتب الوطني للماء والكهرباء يؤكد أن الغاز الجزائري الذي كان يستفيد منه المغرب سواء كرسوم أو كشراء لا يساهم سوى في إنتاج 10 في المائة فقط من احتياجاته الكهربائية.
وهذا ما دفع كذلك المكتب الوطني للماء والكهرباء نفسه لإصدار بلاغ يوم الأحد الماضي، عشية نهاية العقد المبرم بين المغرب والجزائر، حيث أفاد فيه بأن «القرار الذي أعلنته السلطات الجزائرية بعدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي لن يكون له حالياً سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي الوطني». ليضيف: «… نظراً لطبيعة جوار المغرب، وتحسّباً لهذا القرار، فقد اتخذت الترتيبات اللازمة لضمان استمراريّة إمداد البلاد بالكهرباء». من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. ويكتفي فقط بالإشارة أن «المغرب يدرس خيارات أخرى لبدائل مستدامة، على المديَين المتوسّط والطويل».
المعطيات التي تتوفر عليها «الأيام» تؤكد أن الغاز الجزائري الذي كان يستفيد منه المغرب، والتي أشرنا إلى كميته في بداية هذا الملف، كان يستعمل بالأساس في تزويد محطتين للطاقة الحرارية في منطقة تهدارت، قرب السعيدية، ومحطة عين بني مطهر، بالمحاذاة مع وجدة، بما يصل إلى نحو 700 مليون متر مكعب في السنة.
كما أن حجم إنتاج المملكة للكهرباء من الغاز الجزائري لا يتجاوز في أحسن الحالات نسبة 10 في المائة فقط من احتياجات المملكة من الكهرباء، التي ينتجها بأساليب متعددة منها الطاقة الشمسية والريحية والمائية إضافة إلى الفحم الحجري، علما أن المملكة اتجهت في السنوات الأخيرة، في إطار مخطط الانتقال الطاقي، لإنتاج غالبية حاجياتها من الطاقات النظيفة.
الأنبوب «المغاربي الأوروبي» لن يترك للصدأ
عدد من الخبراء الذين تحدثت إليهم «الأيام» يؤكدون أن هذا الأنبوب «المغاربي الأوروبي» لن يترك للصدأ تمر منه الرياح وتنهشه أشعة الشمس الحارقة، فبعدما قامت الجزائر بعدم تجديد الاتفاق، أصبحت ال 520 كيلومترا منه المارة فوق أراضينا في ملكية الدولة المغربية.
والرباط لديها اليوم مجموعة من البدائل للغاز الجزائري، خاصة مع وجود اتصالات مغربية إسبانية، لبحث تدفق عكسي للغاز من إسبانيا نحو المغرب، فإسبانيا تملك الحق في بيع الغاز الذي تستورده من الجزائر للمغرب، كما أن إسبانيا بدورها، التي يبدو أنها لا تثق كثيرا في الجزائر، تستعد لتوقيع اتفاقية طويلة الأمد لتزويدها بالغاز مع قطر، في ظل أنباء تروج حول قرب توقيع اتفاق ثلاثي ما بين مدريد والدوحة والرباط، يحصل بموجبه المغرب على الغاز القطري من إسبانيا عبر الأنبوب «المغاربي الأوروبي» عبر التدفق العكسي.
الجزائر لا يمكنها أن تفرض أي شروط على مدريد في هذا الاتجاه، خاصة وأن الغاز الجزائري بعد تسلمه من إسبانيا يصبح في ملكية الأخيرة وبإمكانها التصرف فيه كيفما شاءت.
ويبدو بحسب ما يمكن أن نطالعه في مجموعة من الصحف الجزائرية أن الجزائر من مصلحتها هي نفسها إمداد المغرب بالغاز الذي تصدره نحو إسبانيا، مما يعني زيادة الطلب على الغاز، مما ينعكس بالإيجاب على السوق، خاصة وأن الجزائر تريد إنعاش مبيعاتها من هذه المادة التي تشكل العصب الحيوي لاقتصادها، وهي تعرف بشكل مسبق أن المغرب يحتاج بشكل سنوي إلى ما يفوق 1 مليار متر مكعب من الغاز المسال.
وزيادة على ذلك، فميزانية الجزائر يمكن أن تتضرر بشكل كبير إذا ما فقدت السوق المغربية، خاصة إذا ما قرر المغرب الاستعانة بأسواق أخرى سواء في الخليج أو السوق النيجيرية أو الاستعانة بالسوق الأوروبية خاصة النرويجية، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها بالمغرب اتفاقية للتبادل الحر، فالأمر في نهاية المطاف لن يكلف ميزانية الدولة المغربية سوى بضعة ملايين من الدولارات، وهو ما لا يؤثر بشكل كبير على ميزانية المملكة، التي أصبحت تتفوق على ميزانية الجزائر من حيث الصادرات، علما أن عجز الميزان التجاري في الجزائر يفوق بكثير نظيره في المغرب، رغم أن الناتج الجزائري الخام يفوق المغربي بقرابة 50 مليار دولار.
الخيارات المطروحة أمام المغرب لتأمين مليار متر مكعب سنويا من الغاز!
يبدو المغرب اليوم في وضع مريح جدا، فحاجياته من الغاز لا تتجاوز بشكل سنوي مليار متر مكعب من الغاز المسال، وهي الكمية التي تتناقص سنة بعد أخرى في ظل اعتماد المملكة على آليات متجددة لإنتاج الكهرباء، من خلال طاقات بديلة على غرار الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرمائية، والهيدروجين الأخضر.
لكن في الوقت الراهن، ما هي الحلول الآنية المطروحة أمام المغرب لتعويض الغاز الجزائري؟
يروي مصدر مطلع على بعض خبايا هذا الملف ل»الأيام» أن المغرب كان متأكدا بما لا يدع مجالا للشك أن الجزائر لن تجدد الاتفاق مع المغرب حول الغاز، ولذلك لم يقف مكتوف الأيدي طيلة الشهور الماضية، وبحث مجموعة من البدائل.
البديل الأول – حسب ذات المصدر – هو استيراد الغاز عبر البواخر، حيث سيتم نقله وتخزينه، خاصة وأن المملكة قامت مؤخرا بإنشاء شركة مساهمة أطلق عليها اسم «Onhym Midstream Co»، والتي سيتركز نشاطها الرئيسي في نقل الغاز إلى المغرب، بالإضافة إلى إنشاء وتطوير شبكات نقل وصيانة وإصلاح وبنية تحتية متعلقة بنقل الغاز.
وهكذا سيكون التوجه الآخر هو إنشاء آليات التخزين، كما هو معمول به في ما يتعلق بالمحروقات من خلال المخازن الموجودة في المحمدية على سبيل المثال، فالخطة التي تتوفر عليها المملكة حاليا تتجه لتخزين الغاز الطبيعي داخل خزانات أو تجاويف جيوليوجية في أعماق الأرض، حيث صدر مرسوم جديد خاص بالشركة التي ستقوم بهذه المهمة، وهي التابعة للمكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن.
وفي الاتجاه ذاته، منحت الحكومة المغربية عددا من التراخيص لشركات وطنية لاستيراد الغاز الطبيعي عبر البواخر، ليتم نقله عبر الصهاريج إلى المناطق الصناعية، حيث أن استيراده سيكون على الخصوص من بعض دول الخليج على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، ممن تربطهم علاقات مميزة بالمغرب، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تجمعها بالمغرب اتفاقية للتبادل الحر، ناهيك عن مُصدرين كبار في القارة الإفريقية على رأسهم نيجيريا.
ما الذي سيربحه المغرب من التخلي نهائيا عن الغاز !
قبل سنوات قليلة، أطلق المغرب ورشا كبيرا للانتقال الطاقي، واضعا نصب عينيه أن تكون 52 من حاجياته الطاقية نظيفة، في حدود العام 2030، رغم أن مصادر ل «الأيام» تشير إلى أن الحكومة الحالية تدرس إمكانية رفع هذه النسبة إلى 64 في المائة بحلول العام 2030، وتتجاوز سقف ال 70 في المائة بحلول 2035.
وقد سبق لوزارة الطاقة والمعادن أن عرضت خطتها للانتقال الطاقي بالمغرب، والتي تشمل كلا من الكهرباء والطاقات النظيفة الواعدة وتعميم الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية واقتصاد الطاقة منذ عهد الوزير السابق عزير الرباح.
ومن خلال الخطة التي تم تقديمها في وقت سابق، يظهر أن المغرب يراهن بشكل كبير على التخلص تدريجيا من استعمال الغاز في إنتاج الطاقة، فالمملكة انتهت من مرحلة إعداد خارطة الطريق المتعلقة بكل من الهيدروجين والكتلة الحيوية والغاز الطبيعي خلال الفترة الممتدة ما بين 2021 و2030، وشرعت في إنجاز خارطة الطريق المرتبطة بالطاقة البحرية والطاقة الحرارية الجوفية.
المسلسل الطموح للانتقال الطاقي الذي انخرط فيه المغرب، من أجل تقليص تبعيته الطاقية، يرتكز بالأساس على تنويع مصادره للتزود من الطاقة عن طريق إنشاء حظائر إنتاج ريحية ومحطات طاقة شمسية، إضافة إلى الطاقة الكهرمائية من خلال العشرات من السدود ثم الهيدروجين.
ومن خلال النتائج الأولية التي اطلعت عليها «الأيام» لتنزيل هذا التحول الكبير فقد أثمرت هذه الاستراتيجية الشروع في إنشاء 48 مشروعا، باستثمار إجمالي بَلغ 52,1 مليار درهم، وقدرةٍ إجمالية متراكمة تزيد عن 3900 ميغاواط MW، وهو ما يمكنه أن يقلص بشكل كبير من استيراد المغرب من الغاز. خاصة وأن هذه المشاريع ال 48 الموجودة حاليا قيد الإنجاز ستضاف إلى 53 مشروعا آخر قيد التطوير، بقدرة إجمالية تتجاوز 4200 ميغاواط، بلغت استثماراتها 51.7 مليار درهم.
هذا الانتقال الطاقي المنشود تشتغل فيه حاليا حوالي 34 شركة مستثمرة تنتمي إلى 12 دولة، تضاف إليها حوالي 600 مقاولة صغيرة متخصصة في مجال تسويق وتركيب معدات وأجهزة الطاقات المتجددة؛ وهو ما يؤكد الاهتمام المتزايد، دولياً ووطنياً، بهذا النوع من الطاقات الصديقة للبيئة.
ولا يقف المغرب عند هذا الحد، بل تجتاحُه طموحات جامحة وإرادة قوية على بلوغ قدرة إنتاج 5400 ميغاواط خلال الفترة 2025-2030، وهو ما سيرفع نسبة إنتاج واستخدام الطاقات المتجددة بالمملكة إلى 52 في المائة بحلول العام 2030، وربما يصل الرقم 64 في المائة كما تعتزم الحكومة في صيغتها الحالية رفعه كتحدي.
وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، فقد جرى خلال السنوات القليلة الماضية، إطلاق مبادرات واعدة لتطوير استعمالات ومشاريع الطاقات المتجددة، كقطاع يحظى بأولوية كبيرة وتتبّع دائم ضمن المشاريع الملكية على المدى البعيد، لعل أبرزها يتمثل في برنامج ذي قدرة إجمالية تبلغ 400 ميغاواط لإنجاز مشاريع للطاقة الشمسية الفوتوضوئية (Photovoltaïque) بهدف دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة في هذا القطاع وخلق فرص شغل جديدة. ولأنّ المغرب مؤهّل – حسب بعض الدراسات المُنجزة – لاستقطاب 4 في المائة من السوق الدولية للطاقة الهيدروجينية، فإن إعداد خارطة طريق (Roadmap) وطنية للطاقة الهيدروجينية والتثمين الطاقي للكتلة الحيوية يُشكّلان أولوية ضمن هذه المشاريع المستقبلية، فضلًا عن تطوير برنامج لتزويد المناطق الصناعية بطاقة كهربائية نظيفة، وكذا تزويد محطات تحلية مياه البحر باستعمال الطاقات الريحية والشمسية.
هذه الخطوات التي قامت بها المملكة ساهمت في تقليص نسبة التبعية الطاقية الوطنية للخارج من 97.5 في المائة سنة 2008، إلى 90 في المائة حاليا، في حين يُغطي الإنتاج الطاقي من الموارد المتجددة حوالي 20 في المائة من تلبية الطلب الكهربائي للبلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.