في أول خطاب ملكي بعد تعيين الحكومة الجديدة بقيادة عزيز أخنوش، شدد الملك محمد السادس أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين على وجوب الحرص على "التناسق والتكامل والانسجام بين السياسات العمومية، ومتابعة تنفيذها، ودعا "لإجراء إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط، لجعلها آلية للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي لسياسات التنمية، ومواكبة تنفيذ النموذج التنموي، وذلك باعتماد معايير مضبوطة، ووسائل حديثة للتتبع والتقويم"، وفق نص الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأولى. ووضع الملك أمام الحكومة خارطة طريق بوصلها النموذج التنموي الجديد الذي أعدّته لجنة خاصة برئاسة شكيب بنموسى، وإذا كان وزراء أخنوش سيعملون على تنزيل هذه التوصيات في أكثر القطاعات حيوية فإن الحاجة ستكون ماسّة إلى بنك معطيات ضخم ومتابعة وتنسيق من المندوبية السامية للتخطيط التي يديرها المندوب السامي أحمد الحليمي منذ تأسيسها بعد حذف وزارة التخطيط والتوقعات الاقتصادية سنة 2003.
ودعوة الملك إلى إصلاح عميق لهذه المؤسسة يمكن أن يكون تمهيدا لإعفاء أحمد الحليمي وتعويضه بشخص جديد يعمل على تطوير عملها، خاصة وأن المندوب السامي الحالي قد وصل إلى سن متقدمة تفرض عليه التقاعد أمام كثرة الالتزامات وصعوبة المهمة.
ووفق نص مرسوم تحديد اختصاصات المندوبية السامية للتخطيط، تُناط لها مهمة إنتاج المعلومة الإحصائية وتحليلها وحفظها ووضعها رهن إشارة السلطات العمومية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والباحثين والمجتمع المدني والعموم. ومهمة إعداد الحسابات الوطنية والجهوية والقطاعية والقيام بالدراسات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وإعداد التوقعات الاقتصادية والسوسيو ديموغرافية وتتبع تطور الظرفية الاقتصادية والمالية وظروف معيشة السكان ، وذلك من أجل استشراف السياسات العمومية في مختلف القطاعات والمساهمة في تقييمها.
لكن المندوبية خلال الولايتين اللتين قاد فيهما حزب العدالة والتنمية الأغلبية الحكومية، كانت في مواجهة على أشدها مع السلطة التنفيذية وكانت الأرقام والتوقعات التي تقدمها تتعارض مع ما تعلنه الحكومة للرأي العام، حتى أن بعض الوزراء اتهموها بممارسة دور المعارضة.
وأحمد لحليمي الذي كان في قلب المعمعة، رجل خبر الأرقام وغاص في أعماق بحر الاقتصاد، وُلد في مدينة مراكش سنة 1939، حصل على شهادة الدراسات العليا في الجغرافيا الاقتصادية، ثم درس لفترة وجيزة في جامعة الرباط عام 1966 وشغل منصب مدير الدراسات الفنية والاقتصادية، ثم أمينا عاما لوزارة السياحة ووزيرا للتخطيط والتنمية الإقليمية سنة1973.
ويبدو أن مسار لحليمي بات قريبا من نهايته في مندوبية التخطيط، وهو الرجل الذي كان أحد المقربين من الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وهو مهندس حكومة التناوب في الكواليس، وقف وراء عدد من التعيينات وسحب بعض الترشيحات، وقبل تعيينه على رأس مندوبية التخطيط كان وزيرا مكلفا بالشؤون العامة للحكومة والاقتصاد الاجتماعي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرف اليدوية.