الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الإكوادور تُنهي وجود البوليساريو على أراضيها    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    منتخب U20 يهزم ليبيا في تصفيات كأس إفريقيا    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيروس كورونا: كيف أثر تفشي الوباء على النقابات العمالية؟
نشر في الأيام 24 يوم 26 - 12 - 2020

يعتقد الشاب جاك رودس بيرنايز، الذي يعمل في خدمة توصيل الأطعمة في بريطانيا، أن لدى الكثير من زبائنه تصورا خاطئا مفاده أنه وأقرانه من العاملين في هذا المجال، يجنون مكاسب أكبر في غمار تفشي وباء كورونا.
فأحيانا ما يسمع رودس بيرنايز، الذي يعمل لحساب شركة "ديلفرو" منذ عامين، من يقول له: "أراهن أنك مشغول الآن بالعمل، أكثر من أي وقت مضى".
المفارقة أن العاملين في مجال توصيل البضائع في شتى أنحاء المملكة المتحدة، يقولون في الوقت نفسه إنهم يمرون بفترة عصيبة، فقد باتوا يعانون الأمريْن لكسب قوت يومهم، في ظل تزايد عدد من يرغبون في العمل في مجالهم من جهة، وتراجع أعداد الشركات والمؤسسات العاملة في البلاد من جهة أخرى.
ففي الفترة السابقة لتفشي الوباء، كان من النادر أن يقل دخل رودس بيرنايز (26 عاما)، الذي يجوب مقاطعة يورك الإنجليزية على دراجته لتوصيل الأطعمة، عن الحد الأدنى للراتب المحدد قانونا في البلاد. أما الآن، فيقول إن مكسبه قد لا يزيد في بعض الأيام، عن أربعة جنيهات إسترلينية ( حوالي 5.23 من الدولارات الأمريكية) في الساعة، وهو أقل من نصف الحد الأدنى المنصوص عليه في القانون، للراتب الذي يتقاضاه من يماثلون هذا الشاب في العمر، ويعملون بعقود، لا بشكل مستقل وحر مثله.
لكن شركة "ديلفرو" تقول إن عمال التوصيل لديها، ممن يستخدمون دراجاتهم في هذا الغرض، يكسبون في المتوسط، ما يفوق الحد الأدنى من الأجور. كما أشارت في الماضي، إلى أنه لا يتم توظيف العمال الجدد، سوى في المناطق التي تشهد تزايدا في حجم الطلب، وهو ما يعني أن مكاسبهم مضمونة.
ولا يتمتع عمال توصيل البضائع على متن الدراجات من أمثال هذا الشاب، بالكثير من الحقوق خلال عملهم، نظرا لأنهم يعملون بشكل حر ومستقل، وهو ما يحدو برودس بيرنايز، للقول إنه يضطر دائما للسحب على المكشوف من حسابه المصرفي، ما يجعله يتابع باستمرار الإشعارات التي تصل إليه على هاتفه، كي لا يفوت فرصة الموافقة على القيام بأي توصيلة.
ويشير بيرنايز إلى أن نظام الإغلاق العام الذي طُبِقَ للحد من تفشي كورونا، كشف النقاب عن نقاط الضعف في مجال عمله، والتي تتمثل بشكل أساسي في "أنك لا تحظى بالحقوق التي يتمتع بها العمال" في المعتاد.
لذا، قرر قبل نحو أربعة أشهر الانضمام إلى فرع يورك من نقابة "العمال المستقلين في بريطانيا"، التي تمثل من يعملون في مجالات لا تشهد أنشطة نقابية في المعتاد، كعمال النظافة وموظفي الاستقبال ومن ينخرطون في أعمال خيرية، ومطوري الألعاب.
وجاء اتخاذ بيرنايز قرار الانضمام إلى هذه النقابة، أملا في أن يسهم من خلال موقعه داخلها، في لفت الانتباه إلى معاناته وأقرانه من الافتقار للكثير من الحقوق، وتكوين تجمع من العمال المعزولين عادة بشكل ما، عن الأنشطة النقابية.
ورغم أن وقائع التاريخ تشير إلى أن العمال الشباب ونظراءهم ممن يعملون بصورة مستقلة، يرون النقابات العمالية أقل جاذبية، فإن عمالا مثل بيرنايز، بدأوا الآن في إعادة اكتشاف فوائد العمل النقابي، بعدما أصبح الغموض يكتنف المستقبل المهني للكثيرين منهم، وباتت وظائفهم أقل استقرارا. ومن هذا المنطلق، يقول بعض الخبراء إنه قد يكون من شأن الوباء وتبعاته، فتح الباب أمام إقبال مزيد من العمال الشباب، على الانضمام للنقابات.
وسيشكل ذلك على الأرجح تطورا إيجابيا بالنسبة للنقابات العمالية في الدول الصناعية، التي تكافح منذ أن بلغت ذروة ازدهارها في سبعينيات القرن الماضي، للإبقاء على أعضائها الأكبر سنا، ولاجتذاب أعضاء آخرين أكثر شبابا.
ففي المملكة المتحدة وفرنسا، يبلغ حجم العضوية في النقابات الآن، نصف ما كان عليه في العصر الذهبي للعمل النقابي في البلدين (رغم أنه حتى في ذلك الوقت، كان أعضاء النقابات يمثلون أقلية كذلك في أوساط العمال).
وتبدو الصورة أكثر قتامة في الولايات المتحدة، حيث أصبحت نسبة العمال النقابيين من إجمالي القوى العاملة، لا تتجاوز 10 في المئة، مقارنة ب25 في المئة في عام 1970.
فالاتجاه العام السائد يتمثل في أن النقابات تجتذب العمال من كبار السن وممن هم في منتصف العمر. وعادة ما يكون هؤلاء من بين العاملين بدوام كامل وفي وظائف ثابتة في القطاع العام، أو في القطاعات الصناعية التي يتسم فيها العمل النقابي بأهمية كبيرة على مر التاريخ.
لكن وتيرة الانضمام إلى النقابات القائمة في هذه القطاعات، تشهد تراجعا مطردا، وذلك بالتزامن مع التأثير المحدود لهذه الكيانات النقابية، في قطاعات مثل الضيافة والبيع بالتجزئة. وتشكل هذه المجالات تحديدا، المكان الذي يبدأ منه الكثير من الشبان مسيرتهم المهنية في بعض الدول، من خلال شغل وظائف غالبا ما تكون غير مجزية، سواء كانت بعقود أم لا.
المشكلة هنا أن العمال الشباب يتحملون الجانب الأكبر من العبء الناجم عن تفاقم الاضطرابات في سوق العمل، وتزايد سطوة النظام الاقتصادي الذي يعتمد على توظيف العمالة بشكل مؤقت. فالعقود في الوقت الحاضر أصبحت أقصر أمدا. ومع أن من يعملون بشكل مؤقت، قد يجنون أرباحا لا بأس بها، دون التقيد بعقود مع مؤسسات بعينها، فإنهم لا يتمتعون في الوقت نفسه، سوى بقدر أقل من الحماية.
وبينما ترفض الشركات الضغوط الرامية لدفعها، للتعامل مع عمال مثل هؤلاء على أنهم موظفون لديها، توجد صناعات وقطاعات اقتصادية تتعمد - كما تقول ميلاني سيمز الأستاذة المتخصصة في شؤون العمل والتوظيف في جامعة غلاسكو الأسكتلندية - أن تختبر "الحدود القصوى للقواعد التي تحكم سوق العمل في المملكة المتحدة، والعالم بأسره كذلك".
من جهة أخرى، فرغم أن العمال الشباب ربما لا يقبلون على الانضمام للنقابات العمالية بشكلها التقليدي، فإن ذلك لا يعني نبذهم لفكرة التحرك الجماعي المُنسق في مجال العمل، إذ يفعل بعض منهم ذلك على طريقتهم الخاصة، وذلك عبر نهج بدأ قبل فترة الوباء الحالي، لكن ظروف (كوفيد - 19) أكسبته طابعا جديدا.
ومن بين أشكال التجمعات العمالية الجديدة هذه، نقابة باسم "العمال المستقلين" شُكِلَّت في الولايات المتحدة للدفاع عن حقوق من يعملون بشكل حر أو مستقل. وتشكل هذه النقابة كيانا غير هادف للربح يسعى لتمثيل هذه الفئة من العمال، ممن لم تنطبق عليهم في السابق القواعد الخاصة بطبيعة العمالة التي تمثلها النقابات التقليدية.
ولا تشكل هذه المؤسسة نقابة بالمعنى التقليدي المفهوم، فهي لا تحصل على اشتراكات من جانب أعضائها (رغم أنها تتلقى عائدات من وراء تسجيل هؤلاء الأعضاء أسماءهم في خدمة التأمين الصحي). كما أنها لا تتفاوض بشأن العقود التي تربط بين الأعضاء وأماكن عملهم.
ومع أن هذه الأشكال النقابية التي تمثل العمال المستقلين، نشأت على نحو أو آخر في الولايات المتحدة منذ عام 1995، فإن نجاحها الأبرز تحقق في عام 2017، مع إقرار قانون في مدينة نيويورك، تحت شعار "توظيف عمالة مستقلة أو حرة لا يحرر رب العمل من القيود الملزمة له حيالها".
وعزز هذا القانون الضمانات الممنوحة للعمالة الحرة أو المستقلة، بما في ذلك منحها الحق في إبرام تعاقدات مع أرباب العمل، والحصول على المستحقات في مواعيدها، وهو ما جعل نقابة "العمال المستقلين" تحقق الأهداف، التي تتوخاها نظيراتها من النقابات التقليدية، على صعيد توفير ظروف عمل أفضل لأعضائها. لكن هذا النجاح لم يحدث عبر الطريقة التقليدية، المتمثلة في التفاوض المباشر مع أرباب العمل.
وثمة حالات أخرى لعمال شباب شقوا طريقهم على درب العمل الجماعي المنسق في مجال العمل، تفاعلا منهم مع بعض القضايا، التي تفرض نفسها على العالم في الفترة الحالية.
فعلى سبيل المثال، ظهر في ولاية فيلادلفيا الأمريكية على مدار السنوات القليلة الماضية، جيل جديد من النقابات، يقودها أشخاص ذوو توجهات يسارية في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، ويعملون في الغالب في قطاع الخدمات. وفي الوقت الذي يمارس فيه هؤلاء ضغوطا تستهدف ضمان حقوق عمل أفضل لأنفسهم، فإنهم يربطون تلك الحقوق بحركات اجتماعية أوسع نطاقا، كتلك الحركات المناوئة للعنصرية، أو المُطالِبة بإجراء إصلاحات في سلك الشرطة.
ويتوافر هذا النمط من التجمعات والمنصات متعددة الأهداف، في جماعات ضغط يُشكلِّها بعض العمال، وظهرت بشكل مفاجئ ومتسارع في قطاعات لا تعمل فيها النقابات التقليدية في أغلب الأحوال. ومن بين الأمثلة على ذلك، ما حدث في شركة "أمازون" التي منعت موظفيها في الولايات المتحدة من إنشاء نقابة. لكن ذلك لم يحل دون أن تتشكل في العام الماضي، حركة بين العاملين فيها للمطالبة بأن تتخذ الإدارة تحركات أقوى حيال المسائل المتعلقة بالمناخ. لكن نطاق المطالب اتسع بعد ذلك، ليتضمن أمورا مثل توفير حماية أكبر لموظفي "أمازون" من خطر الإصابة ب (كوفيد - 19).
وعندما اجتاح الوباء العالم، كانت فئات العمال التي تحاول تلك الحركات العمالية الجديدة اجتذابها، من بين المجموعات الأكثر تضررا بتبعاته.
ففي الولايات المتحدة، فقد العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 سنة، وظائفهم في الفترة ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020، بوتيرة أسرع من أي شريحة عمرية أخرى.
أما في بريطانيا، فيشير "المؤتمر العام لنقابات العمال"، الذي يضم النقابات العمالية المختلفة في البلاد، إلى أن أكثر قطاعيْن صناعييْن تضررا من الآثار السلبية لكورونا، وهما "الغذاء وتوفير أماكن الإقامة" و"الفنون والترفيه والاستجمام"، وهما يشكلان في الوقت نفسه، القطاعيْن اللذين يضمان النسبة الأكبر من العمال الشباب، مقارنة بالقطاعات الأخرى.
وترى آنا ستانسبري، التي تجري دراسات بشأن السياسات الاجتماعية وعدم المساواة في جامعة هارفارد، أن "أحد الآثار طويلة الأمد للوباء، ستتمثل في إقناع قطاع أوسع من الناس، بأن الانضمام إلى نقابة ما، قد يعود بالفائدة عليهم".
وتعتبر أن ضمان سلامة العمال في مكان العمل، في ضوء الوضع الناجم عن تفشي وباء كورونا، سيكون عاملا رئيسيا في هذا الصدد.
وتلفت ستانسبري الانتباه إلى أن الجامعات الأمريكية مثلا، باتت تشهد تأسيس نقابات للمرة الأولى على الإطلاق، وذلك بسبب المخاوف الناجمة عن الوباء، والمرتبطة بشواغل صحية ومالية.
وتقول: "كان الكثيرون يتشككون في أي تحرك يستهدف إقامة نقابة في الجامعات الأمريكية لأعضاء هيئة التدريس وللعاملين فيها من طلاب الدراسات العليا. لكن هذه النقابات اضطلعت بدور كبير في ضمان أن تكون أماكن العمل بالجامعات آمنة، بقدر يسمح للمعلمين والطلاب بالعودة إليها".
وتتفق الباحثة سيمز مع هذا الرأي، قائلة إنه كان يُنظر أحيانا في السابق إلى مسائل مثل الصحة والسلامة، على أنها "الموضوع الأكثر إثارة للضجر فيما يتعلق بقضايا العمل والعمال. لكن هذه النقطة تحديدا، تُظهر الآن بوضوح أكثر من أي شيء آخر، مدى تعارض مصالحك كعامل مع مصالح رب عملك، إذا طلب منك مثلا أداء مهمة ما، قد تصيبك بمرض شديد".
وعلى أي حال، من المؤكد أن هناك مؤشرات تفيد بأن تفشي كورونا، يولِّدُ اهتماما متجددا بالنقابات العمالية.
ويقول رفاييل أسبينال المدير التنفيذي لنقابة "العمال المستقلين" في الولايات المتحدة إن النقابة "شهدت خلال ذروة تفشي الوباء، زيادة في معدل الانضمام الأسبوعي لها، بنسبة تتراوح ما بين 300 في المئة و500 في المئة. وأعمار غالبية المنضمين الجدد تقل عن 35 عاما".
ويرى أسبينال، البالغ من العمر 36 عاما، أن "هذه الزيادة الدراماتيكية، قد تعود إلى سعي العمال المستقلين، لأن ينعموا بمنظومة دعم، وجهة يحصلون منها على المعلومات، خلال فترة مفعمة بالشكوك وعدم اليقين".
وفي مارس/آذار الماضي، شهدت نقابة "العمال المستقلين في بريطانيا" زيادة بدورها في عدد المنضمين إليها ممن تقل أعمارهم عن 35 عاما. ورغم أن حجم هذه الزيادة متواضع بوجه عام، فإنها ذات مغزى ما، ومستمرة أيضا. فقد انضم 146 من العمال الشباب إلى هذه النقابة في مارس/آذار، مقارنة بما بلغ متوسطه 78 عاملا انضموا لها شهريا، خلال الشهور الأربعة السابقة لذلك، و93 عضوا جديدا سجلوا أسماءهم فيها في الأشهر الأربعة اللاحقة.
ويقول هنرى تشانغو لوبيز، رئيس هذه النقابة، إن العمال الشباب ينضمون إليها "لأن كوفيد - 19 أوضح على نحو مخيف، أنه لا يمكن اعتبار أن غالبية حقوقنا الأساسية أو مسألة الحفاظ على صحتنا وسلامتنا، أمر مضمون ومفروغ منه، في غمار هذه الأزمة".
ورغم ذلك، فإذا كان الوباء يكشف عن أهمية أن ينظم العمال صفوفهم، فربما يضع صعوبات أمام حدوث تحركات عملية من جانبهم.
وبالإضافة إلى ذلك، سيشكل تحويل الزخم الحالي إلى تغيير مستمر، الجزء الأصعب من الأمر برمته.
وتوضح سيمز رؤيتها بالقول: "عندما يحدث ركود وفقدان للوظائف مرتبط به، يتراجع عدد الأعضاء في النقابات لسبب واضح للغاية، وهو أن الناس يفقدون وظائفهم. أما من لم يحدث لهم ذلك، فربما يحجمون عن القيام بأي تحرك قد يهز استقرار الشركة التي يعملون فيها". وتتساءل سيمز قائلة: "لماذا ينخرط المرء في حرب مع جهة عمله، عندما يكون أغلب الناس بلا وظائف من الأصل؟".
وترى سيمز وستانسبري أن تحقيق تقدم قابل للاستمرار على صعيد حماية حقوق العمال، يتطلب من القائمين على التحركات العمالية المنظمة والنقابية في زمن كورونا، الضغط باتجاه إجراء تغييرات في القواعد الحكومية المُطبقة بشأن أمور من قبيل ضمان حقوق من يعملون في المؤسسات المنضوية في إطار ما يُعرف ب"الاقتصاد القائم على العمالة المؤقتة".
وإذا عدنا إلى يورك، سنجد أن رودس بيرنايز، الذي ترقى منذ انضمامه لنقابة "العمال المستقلين في بريطانيا" بسرعة بين المواقع فيها ليصبح الآن أحد المسؤولين عن ضم أعضاء جدد على مستوى البلاد، يقر بأن إقناع العاملين في خدمة توصيل الطرود والرسائل للمنازل، بالانضمام للنقابة ليس بالأمر السهل. لكنه يقول إن لدى الكثير من الشباب العاملين في هذا المجال، قدرا من الخبرة السابقة في ممارسة أنشطة لا تبعد كثيرا عن طبيعة النشاط النقابي. ولذا يشعر بالأمل في إمكانية أن يتم في نهاية المطاف، توجيه طاقات هؤلاء باتجاه تنظيم تحركات عمالية مُنسقة، إذا أصبحوا مقتنعين بأهمية ذلك.
ورغم أنه من السابق لأوانه بشدة، تحديد ما إذا كان التأثير الإيجابي الحالي لكوفيد - 19 على العمل النقابي سيتواصل أم سيكون مجرد استثناء لقاعدة عامة تُظهر عزوف العمال الشباب عن الانضمام إلى النقابات، فإن ستانسبري تتوقع أن ينجم عن ذلك بعض المكاسب للعمال.
وتقول: "أعتقد أن من بين التأثيرات الجانبية للوباء، زيادة إدراك الناس بوجه عام أن العمال يحتاجون مزيدا من الدعم والقوة، خاصة الأساسيين منهم، الذين يعملون في وظائف حيوية، يحتاجها مجتمعنا لمواصلة أداء مهامه، وأولئك الذين يضطرون للمجازفة بصحتهم وصحة أُسَرِهم، مقابل الحصول على أجور زهيدة للغاية. وقد يفيد التفكير في العمل النقابي باعتباره أمرا مرتبطا بالإنصاف والعدالة وتوسيع قاعدة الدعم له، في تهيئة الظروف السياسية الضرورية، لإجراء إصلاحات داعمة للنقابات، وسن سياسات تخدم هذا الغرض أيضا".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.