أطاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بجنيرلات من الجيش الجزائري عمروا طويلا في قياة المناطق العسكرية الست التي تحكم التراب الجزائري، وبإعلان قصر المرادية عن مضامين المراسيم الرئاسية، تكون حلقة إعادة ترتيب البيت العسكري الجزائري قد وصلت إلى مرحلة الحسم حسب المراقبين، مما يطرح أكثر من تساؤل حول خلفيات هذه التغييرات، وأهداف الرئاسة الجزائرية، و أيضا حول أبعاد النفوذ المتزايد لرئيس الأركان ونائب وزير الدفاع القايد صالح، خصوصا في الوقت الذي يتزايد الحديث عن بدء تلميع صورة هذا الأخير كخليفة محتمل للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في حالة التوصل إلى توافق بين كبار المتنفذين في محيط الرئيس الجزائري. عند الإطاحة بالجنيرال القوي توفيق مدين منذ شهور، وهو الرجل الذي حكم طويلا في الجزائر حتى لقب بصانع الرؤساء، وساد اعتقاد واسع لدى الخبراء والمعنيين بمؤسسة الجيش بأن الإطاحة بالرجل تكمن في رغبة الرئيس بوتفليقة ومحيطه بإبعاد الجنيرال على خلفية معارضته لإعادة انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة تمتد حتى سنة 2018، وهو الرجل المقعد والمريض، لكن ثبت من خلال السياسة التي اعتمدت داخل الجيش ومسلسل الإطاحة بكبار جنيرالاته وترقية جيل ثان من القادة، و أن المخطط السياسي أبعد من ذلك، هو إعادة ترتيب البيت الداخلي للجيش في إطار التهيء لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة، حيث اعتبر أن حتى إعادة انتخابه كانت أساسا بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول خليفته، فالرجل حسب التقارير الاستخباراتية الغربية غير قادر على الحكم ولا يستطيع الدخول في مواجهة مع كل مراكز النفوذ داخل الجيش والاستخبارات الجزائرية، والذي يعتبر حسب المراقبين خليفة الرجل وضابط الاتصال بين الرئيس ومحيطه، وكل القرارات تخرج من مكتب هذا الأخير، الذي يشتغل في الظل لكنه يتمتع بنفوذ متزايد. وحسب المراقبين فإن الإطاحة بالجنيرلات الجدد رؤساء المناطق العسكرية تدخل في هذا الإطار، حيث يرغب محيط الرئيس في تصفية تركة الجنيرال توفيق مدين، الذي اختار الانزواء بعد الإطاحة بأكبر مساعديه، لتتم الآن الإطاحة بجزء من جنيرلات كان هو شخصيا ورآء تعيينهم. وكان ملفتا للانتباه أن المراسيم الرئاسية تم التوقيع عليها في 28 يوليوز الماضي، واختار قصر المرادية ألا يعلن عن مضامين هذه المراسيم إلا مع بداية هذا الأسبوع، من أجل تجنب أي ردة فعل من قبل الجنيرالات الذين تم إعفاؤهم، وهم قادة أغلب المناطق العسكرية، حيث اعتبر هؤلاء القادة تاريخيا هم أصحاب الكلمة الفصل إلى جانب الاستخبارات العسكرية في تعيين رؤساء الجزائر منذ عهد الشاذلي بنجديد، كما أن قادة المناطق العسكرية كانوا يتمتعون بنفوذ واسع وامتيازات اقتصادية خلقت جدلا واسعا في الجزائر طوال العقود الماضية، على خلفية انخراط أغلب القادة في العمليات المالية و الاقتصادية للجزائر، وهو ما حول كبار جنيرالات الجيش إلى رجال أعمال بامتياز، حيث سيطروا على قطاعات اقتصادية ومالية جد حساسة. التغييرات الأخيرة أو التصفية الجديدة لنفوذ الرجل القوي سابقا شملت رئيس أركان القوات البرية اللواء عبد الغني مالطي، والذي عوض بالجنيرال عمر تلمساني، وحسب الأخبار الواردة من الجزائر، فإن هذا الأخير يعتبر من الموالين للرئيس عبد العزيز ومحيطه الرئاسي ومن الشخصيات المحسوبة على منطقة تلمسان، التي يفضل الرئيس يوتفليقة أن يوصف بأنه منها وإن كان قد ولد بالمغرب في وجدة. كما شملت الإقالة الجنيرال بومدين معزوز، مدير الأكاديمية العسكرية، والجنيرال خليفة غوار، رئيس أركان الناحية العسكرية الخامسة، وكذا الجنيرال الهاشمي بشيري، قائد الناحية الثانية بوهران، والملاحظ أن كل الجنيرالات الذين تم إبعادهم لم تستند لهم أية مهام جديدة باستثناء عمر تلمساني الذي تمت ترقيته. المصادر الجزائرية كشفت أيضا أن الجنيرال القوي في هذه المرحلة القايد صالح، رئيس هيئة الأركان ونائب بوتفليقة، حيث بدأت بعض التقارير الغربية تتحدث عن إمكانية خلافة قايد صالح للرئيس نفسه في حالة عجز هذا الأخير نهائيا عن ممارسة مهامه الرئاسية، و إن كانت هذه التقارير نفسها تعتبر أن سن الجنيرال 76 سنة، لا يسعفه في النزال الحالي حول النفوذ في قصر المرادية، ووزراء الدفاع البوابة الرئيسية نحو منصب الرئاسة في الجزائر، التي تواجه تحديا كبيرا حول غياب توافق بين مراكز النفوذ حول من يقود مرحلة ما بعد عبد العزيز بوتفليقة، الذي وصل لمراحله الأخيرة بحكم عجزه الشبه كلي عن ممارسة مهامه الرئاسية.