السؤال الذي بدأ يطرح هو أين نسير؟ مما دفع إلى توالي المكالمات الهاتفية بين ابن كيران ووزير الداخلية، حيث حمي وطيسها، وكان مفادها من يتحمل المسؤولية في ما جرى طيلة الأسبوع الماضي، كما قال ابن كيران لوزير الداخلية، يضيف المصدر، إن ما تقوم به وزارة الداخلية ضد الحزب سيتسبب في الاكتساح، ونحن لا نريده. هذا جزء من كواليس ما يجري في البيت الداخلي لإخوان ابن كيران، نعرف بعضه على لسان قادة من البيجيدي وهم يستعدون لتدشين أول أيام الحملة الانتخابية بواحد من أكبر تجمعاتهم بالرباط، ردّا على مسيرة البيضاء.
اندلعت مواجهة ساخنة، أياما قليلة قبل نزال السابع من أكتوبر، بين وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية، وهي مفتوحة في نظر المتتبعين للمشهد السياسي على كل الاحتمالات.
فالبيجيدي، في آخر خرجاته، يؤكد على لسان ناطقه الرسمي وعضو أمانته العامة، محمد يتيم، أنه "تعددت وسائل استهدافه وازدادت حدة وجنونا وهذيانا مع الاقتراب من لحظة الاستحقاق التشريعي، إلى درجة فقدان السيطرة، وبلغت أوجها في محاولة الإيقاع بين ملك البلاد ورئيس الحكومة في ما سمي ب"الغضبة الملكية" على بن كيران".
وأكد يتيم في مقال نشره الموقع الإلكتروني للحزب حديثا، في رسائل يقصد الحزب تمريرها لمن يهمه الأمر، أن "الأمر بلغ أوجه خلال الأسبوع الأخير في الضغط على مرشحين باسم الحزب في كل من تاوناتوسيدي قاسم وفي اللائحة الوطنية، وفي مراكش، حيث دفعت ولايتها بدفع غريب في منع ترشيح حمّاد القباج استنادا على محاكمة فكرية له بناء على تصريحات سابقة، جرى تأويلها بما يفيد أنها تتعارض مع مقتضيات دستورية".
ثم جاءت مسيرة يوم الأحد الماضي كي تقدم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وبحسب كلام يتيم، "إساءة أخرى بالغة للمسار الديمقراطي ولصورة المغرب".
في مقابل هذا كله، تميز موقف اسلاميي ابن كيران من المسيرة ومن كل أنواع "التحريض والتخوين وشعارات وعبارات التكفير السياسي والإخراج من الجماعة الوطنية التي رفعت ضدهم، بتجاهلها ورفض الانجرار الى ردود فعل غير محسوبة والدخول في تأجيج فتنة داخلية"، يضيف يتيم.
هي أحداث ومواقف وإن كان قياديو الحزب يقرون بتجاهلها، إلا أنها بالنظر للنقاش الداخلي الذي تكشف "الأيام" جوانب مهمة منه لن تمر بردا وسلاما عليه، فهذه الانتخابات ستمر بطعم سياسي مختلف عن الانتخابات الجماعية والجهوية، وستحسم استمرار البيجيدي لقيادة التجربة الحكومية من عدمه. كل شيء داخل الحزب يكشف أن الانتخابات القادمة ستمر في ظل معطيات سياسية مختلفة عن سابقاتها، هذه المعطيات دفعت الأمانة العامة لحزب ابن كيران إلى إعلان حالة الطوارئ والتأهب القصوى، اجتماعات متتالية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وتعليمات هنا وقرارات هناك.
حزب العدالة والتنمية يستعد بطريقة هادئة ومستوعبة لتحديات المرحلة، يؤكد مصدر مقرب من الأمانة العامة، والعرقلة لا تهدده كحزب، وهي مجرد تشويش على مرحلة الانتقال الديمقراطي ليس إلا.
مصدر "الأيام" قال لنا إن الحزب هدفه في هذه المرة هو تأمين الانتقال الديمقراطي بجانب القوى الديمقراطية الحقيقية والحفاظ على الحياة الدستورية والثوابت الوطنية والانتصار للنموذج المغربي، الذي أثبت نجاعته وراهنيته والقائم على التعاقد على الإصلاح بما يفيد الاستقرار السياسي والمؤسساتي في البلاد.
وأوضح مصدرنا أن الحزب يشتغل بطريقة عادية ولا ينتبه للاهتزازات ولا للإثارات ولا لمحاولة الاستدراج لدائرة ردود الأفعال، فهو يتجه نحو يوم الاقتراع وهو واثق من نفسه ومن ذكاء الشعب، ومن ثوابت ممارسته ومن المنهج الإصلاحي الذي تبناه منذ اليوم الأول، وهو المنهج السلمي الوسطي والمعتدل والمتدرج ولكنه مكافح من أجل الانتقال الديمقراطي.
فيما مقابل هذا الكلام، يؤكد مصدر آخر قريب من النقاش الداخلي داخل حزب العدالة والتنمية أن الحزب يتجه إلى رصد نوع من النكوص والتراجع في المسار الديمقراطي مقارنة بما بعد 2011، يقول مصدر "الأيام"، في الوقت الذي كانت فيه لجنة ثلاثية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية مصطفى الرميد وزير العدل والحريات تشرف إلى جانب وزير الداخلية على الانتخابات الجهوية والجماعية، ويلتقي فيها الثلاثة ويناقشون بكل أريحية ملف سير الانتخابات، وكل الملفات كانت توضع على الطاولة، حاليا الداخلية تتفرج، وهذا مؤشر خطير يوحي بأنه لا علاقة لها الآن بالحكومة، ويفيد بأن هناك تراجعا عن المسار الديمقراطي دفع الرميد إلى التعبير عن انزعاجه.
يكشف مصدرنا أن قيادة حزب العدالة والتنمية تقر بوجود التراجع، الذي يفرض سؤال أين الدولة؟ على حد تعبير المصدر، لأن هذا التراجع يتم بعبثية، تتجلى في المبررات التي يعتبرها الحزب واهية، منها بيان ولاية مراكش لرفض ترشيح حماد القباج، الذي ظنت بعض الجهات بأنه "أصل تجاري"، سيستغله الحزب لصالحه، وهذا غير صحيح، يضيف المصدر ذاته، لأنه ستكون له ردة فعل عكسية ضد ما أرادته السلطات، لأن كل المؤشرات ستشجع السلفيين بعد منع زعيمهم على التصويت وطنيا لفائدة العدالة والتنمية، وأكثر كثافة، بعد أن كان الأمر يتعلق بترشيح جزئي وبدائرة محلية، يتساءل المصدر من دفع مرشح الحزب بتاونات محمد بوصوف للذهاب للحج، ومن منع مرشح سيدي قاسم، ومن نظم مسيرة "المهزلة" بالبيضاء؟
بالنسبة لمصدرنا هذا ما دفع بالرميد على بعد أيام قليلة للتهديد بالاستقالة من لجنة الاشراف على الانتخابات، وإلى إحداث ما يشبه انفجارا سياسيا بين وزارتين مهمتين في اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات، لولا تدخل الأمانة العامة التي منعته من ذلك، لأنه سيترك ابن كيران في موقف حرج، وهي رسالة سياسية سيئة قد يبعث بها الحزب نحو خصومه، هذا الأمر جعل بنكيران عندما سأله أحد الصحافيين هل هو المسؤول عن الانتخابات، يرد عليه بالقول: "أنا المسؤول ولكن المسؤول الأول هو جلالة الملك"، في إشارة إلى أن الحزب منزعج مما يستهدفه.
وكشف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن حوار القيادة ليس على الحزب، فقد انتقل إلى حوار الدولة والوطن، ودفع أعضاء الحزب إلى نسيان المشاكل الداخلية، والسؤال الذي بدأ يطرح هو أين نسير؟ مما دفع إلى توالي المكالمات الهاتفية بين ابن كيران ووزير الداخلية، حيث حمي وطيسها، وكان مفادها من يتحمل المسؤولية في ما جرى طيلة الأسبوع الماضي، كما قال ابن كيران لوزير الداخلية، يضيف المصدر، إن ما تقوم به وزارة الداخلية ضد الحزب سيتسبب في الاكتساح، ونحن لا نريده.
الأمانة العامة في نقاش مستمر هذه الأيام تضع مجموعة من السيناريوهات التي فضل مصدرنا عدم الكشف عنها، وتراقب وتترصد وتهدد، وفي حالة تصاعد حالات استهداف الحزب بطريقة جنونية على حد تعبير مصدرنا، آنذاك سوف يعبر عن موقف واضح ولا يمكنه أن يبقى يتفرج، أضعف الإيمان أن يطلب رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران لقاء جلالة الملك، لأن الدستور ينص على أنه في حالة وجود تهديد للمؤسسات لابد من التحكيم الملكي، لأنه هو الضامن لاستمرارها، وأبرز مصدرنا أن هناك تواصلا مستمرا مع وزير الداخلية، الذي ينفي علاقة وزارته بأي ممارسة تستهدف الحزب، موضحا أن وزير الداخلية في ورطة، والحزب يعي بأن الأمر يتجاوزه ويطلب منه أن يكشف عن اللوبيات التي تواجه الحزب.
بالنسبة لقيادة حزب العدالة والتنمية، فالسيناريوهات المحتملة بعد اقتراع السابع من أكتوبر القادم، بالنظر إلى كل المؤشرات، التي طفت على سطح المشهد السياسي، تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحتل المرتبة الأولى، يؤكد مصدر "الأيام"، وإذا فشل في ذلك فسيكون السبب هو التزوير، ورغم ما وقع هذه الأيام فالحزب متيقن من فوزه بالرتبة الأولى، يضيف المصدر ذاته.
على الرغم من الهواجس السياسية للحزب والتي فرضت عليه نقاشا داخليا مستمرا ولقاءات مفتوحة بين أمانته العامة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، فإن اليقظة التنظيمية للحزب حاضرة في هذا النقاش، وقرر الحزب أن يرفع من درجة التأهب وسط أعضائه والمتعاطفين معه، وصدرت تعليمات لجميع هياكل الحزب بالاستمرار في العمل، ووضع جدول أعمال واضح لإدارات الحملة الانتخابية في كل الأقاليم.
المقياس هو شعبية الحزب، يؤكد مصدرنا، ولذلك قررت قيادة الحزب أن تدشن أول أيام الحملة الانتخابية التي ستنطلق نهاية الأسبوع الجاري في المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، بمهرجان خطابي حاشد للأمين العام عبد الإله ابن كيران، عبأ الحزب كل إمكانياته المادية واللوجستيكية لإنجاحه، وطلب من الكتابات الإقليمية توفير النقل والأكل لكل من سيحضر هذا المهرجان، حتى ينقل رسالة مفادها أنه قرر استعراض عضلاته وعدده وكذا عدته، أمام من يستهدفه، ستكون ردا مباشرا على مسيرة البيضاء، يوضح مصدرنا، وإلى من يظن أنه يمكنه أن يتجاوز رقما صعبا داخل المعادلة السياسية بالمغرب.
كل المعطيات تفيد بأن هناك جاهزية تنظيمية عالية، ويقظة سياسية للأمانة العامة من خلال نقاشاتها السياسية اليومية، وهي تترصد كل الأحداث التي تواجه الحزب.
الحزب يرفض المواجهة ولا يحبذها، وقيادته تحبس أنفاسها قبل حلول نزال السابع من أكتوبر القادم، حتى تمر الانتخابات في ظروف عادية.
لا يختلف الأمر كثيرا عند مصدر من داخل قيادة حزب العدالة والتنمية، فعمق النقاش في البيت الداخلي وخلفياته تؤكد على رغبة الحزب في استمرار المناخ السياسي الذي حكم سنتي 2011 و2015، وهو نفس المناخ الذي يحبذ الحزب أن يحدد مصير اقتراع السابع من أكتوبر، خوفا مما وصفه مصدرنا بوقوع الانتكاسة، الأمر هنا لا يتعلق بتخوف قيادة العدالة والتنمية من العراقيل السياسية والضربات تحت الحزام التي باتت تتلقاها تجربة الإسلاميين في الحكومة، حتى لا يعود ابن كيران للواجهة مجددا، فهي مجرد تجليات وتعبير عن إرادة ليس بالضرورة أن تكون نابعة من الدولة أو أعوان السلطة، بقدر ما هي ضغوط من جهات لا تريد الكشف عن نفسها حتى لا يستمر المناخ السياسي الذي أتاح هامشا كبيرا للإصلاح.
والهم الأساسي في نقاشات الحزب في هذه الأيام أنه بالنظر لمؤشرات دالة، فالحزب خاض إصلاحات عميقة ومهمة، كان لها عائد وربح اقتصادي واجتماعي وكذلك إشعاعي ساهم في تلميع صورة المغرب بالخارج، فحزب العدالة والتنمية بالنظر لكل هذا غير مستعد أن تتم "بلقنة" هذه الإصلاحات، أو يصبح المغرب رهين إصلاحات بالتقسيط، بدأت ونريد الإقلاع عنها.
منطق الإصلاح الذي يرغب الحزب في استمراره يفسره مصدر "الأيام" بأن البيجيدي خاضه بنجاح من خلال قدرة ابن كيران على إقناع الملك بكل قرار صائب، وهذا ما يزعج بعض الأطراف، يؤكد المصدر ذاته، فنقاشات الحزب يحكمها هم واحد هو تحرير صندوق الاقتراع يوم السابع من أكتوبر، من خلال التأكيد على نزاهة الانتخابات.