كم هي ثروة المغرب ؟ وكيف يقتسمها المغاربة ؟ وكم عدد الفقراء ؟ وما حجم الفوارق الاجتماعية والمادية بينهما ؟ .. في ظل غياب دراسات رسمية دقيقة في هذا الشأن من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبنك المغرب، كل ما هناك إحصائيات وتقديرات لمؤسسات دولية، منها مؤسسة "تقرير الثراء العالمي" التي أوردت في آخر تقرير وجود 4900 مليونير مغربي استنادا على معيار امتلاك مليون دولار للشخص، مما جعل المغرب يتبوأ المرتبة الثالثة في المنطقة المغاربية والتاسعة إفريقيا، بعد تونس التي احتلت الرتبة الأولى في منطقة شمال إفريقيا ب6500 مليونير، ثم الجزائر التي احتلت الرتبة الرابعة ب 4100 مليونير، في الوقت الذي تصدرت جنوب إفريقيا قائمة الأثرياء ب48 ألف مليونير... لدينا 4900 مليونير حسب "تقرير الثراء العالمي" و 35 ملياردير حسب البنك السويسري "يو إي بي" الذي اعتمد معيار امتلاك ثروة مليار دولار، علما أن مجلة "فوربس" الأمريكية المتخصصة في ثروات رجال الأعمال على الصعيد العالمي، والتي تعتمد نفس المعيار، أحصت وجود أربعة رجال أعمال مغاربة من أصحاب الملايير، وهم عثمان بنجلون و الراحل ميلود الشعبي وأنس الصفريوي وعزيز أخنوش ! إذا كان المغرب قد دخل عالم الأثرياء بحوالي 4900 مليونير، و35 ملياردير، فإنه جاء متأخرا في الصنف الأول عن جنوب إفريقيا التي تضم 48 ألف مليونير، ومصر التي تتوفر على 23 ألف مليونير، قبل أن تنقلب أوضاعها الأمنية والسياسية، ثم نيجيريا ب 15.900 مليونير، وكينيا بحوالي 8400 مليونير، ثم أنغولا التي احتلت الرتبة الخامسة ب6, 400 مليونير، علما أنه كان بإمكان أنغولا أن تحتل مركزا أحسن بسبب توفرها على النفط بالمقارنة مع ضعف كثافتها السكانية بحوالي 20 مليون نسمة. المليونير حسب نفس المنظمة هو كل شخص راكم ثروة قدرها لا يقل عن مليون دولار، أي ما يعادل تقريبا ثمانية ملايين درهم، إذا احتسبنا الدولار بثمانية دراهم، وهو ما يعني 800 مليون سنتيم، وبهذا المعيار فإن حجم الثروة التي راكمها ال4900 مليونير لا يقل عن 40 مليار درهم، أي 40000 مليار سنتيم، اعتبارا أن كل ثري من ال4900 يتوفر على مليون دولار في الحد الأدنى. ولا تستغربوا إذا علمتم أن الدولة التي سبقت المغرب في سلم رجال الأعمال الأثرياء وفق معايير نفس المنظمة "الثراء العالمي" هي تنزانيا التي احتلت الرتبة السابعة بحوالي 5700، وبعدها حلت ليبيا قبل أن تنفجر أوضاعها الداخلية بعد مقتل الزعيم القذافي، حيث احتلت ليبيا بفضل استثماراتها النفطية المرتبة السابعة ب 6400 مليونير، ثم تونس في المرتبة الثامنة ب 6400 مليونير، ثم المغرب في المرتبة التاسعة ب4900 مليونير، وفي الأخير نيجريا ب4100 مليونير. ليست هذه عناصر المفاجأة التي جاءت في آخر تقارير منظمة "الثراء العالمي"، ولكن الآتي من التقديرات هو الأكثر إثارة، خاصة بعد أن توقعت تزايد عدد الأثرياء المغاربة من صنف "المليونيرات" إلى 7100 "مليونير" في أفق سنة 2020، بما يعني تزايد حجم ثروة هذه الفئة بما يزيد عن 56 مليار درهم، في الوقت الذي سيتزايد عدد أغنياء الجزائر من المليونيرات من 4100 مليونير إلى 5600 مليونير في سنة 2020، وقد تظل المدينة الجنوب إفريقية جوهانسبورغ التي احتلت الرتبة الأولى في سلم العواصم الإفريقية الثرية في نفس المرتبة خاصة وقد بلغ عدد أثريائها من المليونيرات 23.400 مليونير، تلتها العاصمة المصرية القاهرة ب12.300 مليونير، ثم "لاجوس" في نيجيريا ب9,800 مليونير، ثم العاصمة الغانية "أكرا" التي تتوقع المنظمة أن يرتفع عدد أثريائها من 800 إلى 1,500 في سنة 2020. إذا كان عدد الأثرياء من المليونيرات يقدر بالآلاف، ولا يتجاوز عدد المليونيرات عدد رؤوس الأصابع، فإن حجم الفقراء المغاربة يقدر بالملايين، ومنهم على الأقل خمسة مليون مغربي يعانون من الفقر بشتى أنواعه، وضمن ملايين الفقراء سبعة مليون مغربي يعيشون بميزانية عشرين درهما في اليوم، و10 في المائة منهم لا يتعدى دخلهم اليومي عشرة دراهم... وهو ما جعل المغرب يحتل رتبة متأخرة في سلم التنمية البشرية (129 من أصل 187 دولة) ! وهي الرتبة التي جعلته يتأخر عن عدد من الدول التي ما تزال تعيش الحروب وتمر من فترات لا استقرار مثل فلسطين وسوريا وليبيا التي احتلت المرتبة 55 وتونس التي حصلت على المرتبة 90 ثم الجزائر في المرتبة 93، والبحرين في الرتبة 44 والكويت في الرتبة 46.. !! يصر المدافعون عن الثروات غير المادية على عدم احتساب ثروات الشعوب بمعايير الناتج الداخلي الخام، وبهذا المعنى فإنهم يحاولون الرفع من الثروة الوطنية إلى مستويات أعلى بإضافة منتوج الثروة غير المادية، بهدف الرفع من الدخل الفردي المغربي الذي يقدر بحوالي 23 ألف درهم سنويا، وهو معدل ضعيف جدا على حد قول الخبير الاقتصادي عزالدين أقصبي، والذي يساوي أقل من ألفي درهم في الشهر ! إلى أن يصل دعاة الثروة غير المادية للرفع من هذا الرقم الدال إلى خانة الدخول الفردية للدول المتقدمة مثل أستراليا وكندا اللتين تجاوز فيهما الدخل الفردي 43 ألف دولار، وسويسرا التي فاق فيها هذا المعدل 46 ألف دولار وتجاوز أمريكا عتبة 53 ألف دولار ... !! الثروة المادية حسب الخبير الاقتصادي عز الدين أقصبي هي الناتج الداخلي الخام، وهو المعيار الذي يعتمده صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ترتيب الدول في سلم الغنى والفقر، وبناء عليه فإن الدخل الفردي لا يتجاوز 23 ألف درهم في السنة بناتج داخلي يقارب 218 مليار درهم يحتل بموجبه المغرب المرتبة 147 عالميا من أصل 185 دولة، كما توضح الجداول المرفقة، وهو ترتيب ضعيف يتعين بموجبه القيام بمجهودات مضاعفة للرفع من الثروات ومؤشراتها، ومن ذلك الرفع من جودة الحكامة ومن منسوب منظومة التربية والتكوين، باعتبارها مؤشرات أساسية لدى المؤسسات الدولية في إنتاج الثروات، والتي توجد في وضعية كارثية على حد قول أقصبي، حيث يتقاطع مع التقييم الذي أجراه الخبراء المغاربة الذين أنجزوا تقرير الخمسينية وهم يؤكدون أن نمط الحكامة ما يزال يبحث عن ذاته ويشكو من مشاكل عويصة تتعلق بتبذير المال العمومي والارتشاء والمحسوبية والزبونية بالإضافة إلى المحاسبة التي لم تتحول بعد إلى عملة متداولة في بلادنا !
المرتبة 147 في مؤشر ثراء الدول ومراتب متقدمة للأثرياء لا يعرف عموم الناس كيفية احتساب ثروة بلدانهم، وهي عملية تقنية معقدة نحاول هنا تبسيطها تقريبا لمفهوم ثروة الدول وتمييزها عن ثروة الأفراد وكذلك التمييز الضروري بين ممتلكات البلد ودخله القومي ورأس ماله غير المادي. الجواب عن احتساب الثروة وتحديد قيمتها الحقيقية في المغرب يبقى مرتبطا بعدد من المؤشرات الاقتصادية والإنتاجية التي ترتهن للصناعة والتساقطات المطرية وكيفية استغلال الثروات التحت أرضية والبحرية التي يتوفر عليها المغرب. وهكذا فإن ثروة الدولة تحتسب على أساس تحديد المنتوج الداخلي الخام، وهو الأمر المعمول به والمعترف به دوليا، حيث يتم الاعتماد عليه في دراسات وتقارير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومؤشرات التنمية البشرية، وعلى هذا الأساس فالمغرب يتوفر على معدل 23.9 ألف درهم لكل فرد سنويا كدخل فردي يتم احتسابه بعلاقة مع الناتج الداخل الخام. لكن هذا المعيار ليس الوحيد الذي تحتكم إليه الدول لتحديدها مدى الثراء في ما بينها، حيث إن بعض البلدان تحتكم إلى معيار آخر لاحتساب الثروة، وهو الممتلكات. ويعد احتساب الثروة على هذا الأساس أمرا صعبا. فمثلا يتوفر المغرب على كميات كبير من الفوسفاط، وما يستغله من مخزونه الفوسفاطي سنويا يعادل 1 في الألف، وهذا فقط هو ما ننتجه حقيقة، وما دون ذلك من ممتلكات لا يمكن أن تتحول إلى قيمة الممتلكات، فإن السؤال الذي يطرح مثلا بأي ثمن يمكن أن نقيم المعادن والثروات التحت أرضية، هل بأسعار اليوم أم الأمس أم المستقبل... لذلك فإن الممتلكات لا تعد في نظر عدد من الدول مؤشرا على الثراء، لذلك فإن أغلبها ترجع إلى الناتج الداخلي الخام الذي يمكن أن تجمع نتائجه بين الخيرات والممتلكات والمجهود المبذول. وهكذا يمكن أن يطور الناتج الداخلي الخام الذي يعتبر المؤشر الأساسي للتعبير عن حجم الثروة. إذا كان هناك توافق من الأغلبية حول هذا المؤشر، فإن الواقع يؤكد أنه لا توجد منهجية دقيقة للجواب على سؤال الثروة وتقييم ثروة البلاد. واحتساب الثروة المغربية بمفهوم الناتج الداخلي الخام يستند إلى ما يسمى بالمحاسبة الوطنية، فكما تقوم بذلك الشركات الخاصة في احتساب مصاريفها ومداخيلها وناتجها الصافي، تقوم الدولة بإجراء عملياتها المحاسباتية وتأخذ منهاج معالجة المعطيات حسب المجالات ومجموعة الشركات، وتحتسب بالنسبة لهذه الأخيرة حجم إنتاجها وكم كلفها ذلك باحتساب المواد الخام وكلفة اليد العاملة... وعندما نقوم بطرح الكلفة من حجم الإنتاج تبقى القيمة المضافة العامة. وهذا المجموع، أي مجموع القيمة المضافة، يعبر عن المدخول الإجمالي الخام للبلاد، وهكذا يمكن تقسيم الحاصل على عدد الأفراد لنستخلص القيمة الإنتاجية لكل فرد مغربي. وهكذا فإن الدخل الفردي حسب القيمة الإنتاجية على المستوى الوطني هو زهاء ألفي درهم شهريا، وهو رقم يبدو ضعيفا مقارنة مع أرقام الدول الغربية. ولعل ضعف هذا الرقم يعود بدرجة كبيرة إلى عدم قدرة بعض المناطق المغربية على مسايرة إيقاع إنتاجي سريع مثل ذلك الذي يوجد بالمناطق الصناعية كالدار البيضاء، وارتهانها بشكل كبير للتساقطات المطرية معتمدة على الفلاحة البورية دون مكننة أو تطوير للإنتاج. ويظل السؤال البارز في احتساب مدى غنى الدول هو هل يمكن احتساب ثروات رجال الأعمال وممتلكات الأفراد كحصيلة إجمالية لثروة البلد، لتبرز الفكرة القائلة بأنه لا يجب إدراجها لأن ذلك سيؤدي إلى الوقوع في ازدواجية احتساب في نفس الثروة مرتين. فإذا احتسبنا ثروة الدولة ثم أضفنا إليها ثروات الأشخاص التي تشمل الشركات والعقارات سنقع في خطأ احتساب أو تقدير ثروة الدولة بإدراج ثروات الأشخاص في العملية الحسابية مرتين. وعندما يتم الحديث عن الدولة لا يستند في احتساب الثروة على الفاعلين الاقتصاديين شركات ومؤسسات، أما عندما نتعامل مع الأفراد فإن الأمر مختلف، وثراؤهم يعتبر مؤشرا من مؤشرات تطور البلاد، وليس مؤشرا لاحتساب ثروة الدولة. من جهة أخرى إذا كانت الثروة مهمة وغير موزعة بشكل عادل، فإنها تطرح إشكالات حقيقية لأن جزءا غير يسير من المجتمع لا يساهم في العملية الإنتاجية أو الاستهلاك، وهما العاملان الأساسيان لتحريك العجلة الاقتصادية. وإذا اعتمدنا الاستهلاك الذي يحدد مستوى الطلب الداخلي والرواج الاقتصادي كمؤشر لتحديد غنى الدول، فإن الملاحظ يرى أن أنماط الاستهلاك في المدن المغربية الكبرى يمكن مقارنتها مع دول جد متقدمة، وعندما يتم الابتعاد عن الدوائر الحضرية الكبرى فإن الوضعية تتحول إلى النقيض بوجود أشخاص بمؤهلات جد ضعيفة للعيش أو الاستهلاك، وهؤلاء فئات عريضة من المغاربة. وإذا اعتمدنا PIB لمقارنة مدى الثراء بين الدول فإن المغرب يحتل المرتبة 147، فيما تتسيد هذه القائمة دولتا الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين. وهكذا فإن الناتج الداخلي الخام للمغرب جد ضعيف مقارنة ببلدان الجوار. أما إذا تمت مقارنة موقع المغرب حسب الخيرات والممتلكات، فإن الأمر يغدو صعبا، حيث ستطرح منهجية تقييم هذه الممتلكات، إذ أن بعضها معروف والآخر تبقى أرقامه طي الكتمان. لكن يبقى السؤال المطروح هل المعادن فقط أم أن الثروة السمكية أيضا ستدرج في القائمة، أم سيكون المناخ مهما لتطوير اقتصاد البلاد أم أن الموقع الجيوستراتيجي قد يحتمل بعدا في احتساب الثروة. فيما تبقى المؤهلات والقدرات والمهارات البشرية عند البعض مؤشرا لاحتساب غنى البلد، لذلك يصعب إيجاد آلية لاحتساب الثروة على أساس الخيرات والمؤهلات والمهارات.