بغض النظر عن أشهر عملية اختطاف واغتيال ليس في المغرب وحده ولكن في العالم، ويتعلق الأمر بالشهيد المهدي بنبركة، الذي لم تعرف حكاية تصفيته لحد الآن، وكذلك نجاح عملية الاغتيال الجبانة للمناضل الاتحادي عمر بنجلون من طرف أعضاء في الشبيبة الاسلامية، تبقى عمليات أخرى للاغتيال في المغرب إما غير معروفة أو باءت بالفشل. وبما أن رئيس الدولة الملك الراحل الحسن الثاني تعرض هو نفسه لعشرات محاولات الاغتيال، فليس من المستغرب أن يكون معارضوه قد ذاقوا من نفس الكأس التي سقته، ولكن باستثناء السي محمد اليازغي، القيادي الاتحادي، والسي أحمد الدويري، القيادي الاستقلالي، والراحل عمر بنجلون، الذين كان الطرد الملغوم الذي توصلوا به محاولة اغتيال سياسة واضحة، فإن محاولات أخرى تبقى ملغزة ويصعب ربطها بجهة بعينها كما سنتابع في حالات عبد الاله ابن كيران أو الصحافي مصطفى العلوي أو الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني.
قنبلة بين يدي اليازغي توصل محمد اليازغي، الوزير السابق والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، بطرد بريدي كبير، وفي نفس الآن توصل شخصان آخران بطردين مماثلين في بيتهما، هما عمر بنجلون ومحمد الدويري، القيادي الاستقلالي. كان الطرد الذي توصل به اليازغي مقفلا بعناية وبه كتاب محفور بطريقة احترافية لتوضع القنبلة داخله. أعد الطرد بعناية على أساس أن المتوصل به عندما يفتحه يجر خيطا رفيعا مربوطا إلى طرف الطرد البريدي من جهة ومن الجهة الأخرى إلى القنبلة الموجودة بداخل الكتاب. عمر بنجلون فطن إلى الأمر وأبان عن حسّه العلمي ووضع الطرد الملفق في حديقة عمومية، واستطاع أن يفتح الطرد البريدي ويصور مضمونه، وهكذا بفضل بنجلون تم نشر صور القنبلة وكتابها في جريدة "المحرر" أواخر سنة 1973. محمد اليازغي لم يستطع اكتشاف الأمر وكان ببيته عندما فتح الظرف البريدي الملغوم، فانفجرت القنبلة على وزير الدولة السابق، وأثرت على يده اليمنى وأذنه وجزء من معدته استؤصل واضطر اليازغي آنذاك لإجراء عملية جراحية، أشرف عليها الأخ الشقيق للأب جيكو مؤسس فريقي الرجاء والوداد البيضاويين، واضطر اليازغي إلى تعويض إبهامه وسبابته بجزء من لحم فخذه. أما محمد الدويري فلم يكن ببيته عندما توصل بالطرد البريدي الملغوم. وهكذا عندما علم بأمر محمد اليازغي وفطنة بنجلون لم يفتح هو الآخر الظرف القنبلي الذي أرسل إليه.
مصطفى العلوي: هجوم بمسدس في المكتب يتذكر مصطفى العلوي، مدير نشر "الأسبوع الصحفي"، أنه في بداية ثمانينيات القرن الماضي وفي أوج عمل وزير الداخلية القوي إدريس البصري تفاجأ قيدوم الصحافيين باقتحام شخص لمكتبه وهو يقول، في ما يشبه إبلاغ رسالته، "أنت لي ما بغيتيش تسكت غادي نسكتوك بصفة نهائية..". وفجأة، يقول العلوي ل"الأيام"، أخرج هذا الشخص الذي لم يسبق لمؤسس جريدة "الأسبوع الصحفي" أن رآه، مسدسا طويلا من عيار 9 ميليمترات... وبسبب هول المفاجأة، لم يفكر العلوي كثيرا، وأسعفته قوة حركته وشبابه آنذاك وانقض سريعا على الرجل وأمسك بالمسدس ووجه فوهته جانبا.. وبعد تجاذب بينهما استطاع الرجل أن ينتزع مسدسه من بين يدي العلوي وتراجع إلى الوراء فارا. خرج من مكتبه مهرولا وزيت المسدس مازال يلطخ يديه، وتوجه صوب صديقه محمد السوسي، الذي كان مسؤولا أمنيا بالعاصمة الرباط وقتئذ، وأخبره بالأمر... وأخذت عينات من آثار الزيت التي التصقت بيدي العلوي ووعده المحققون بالتقصي في هذا الأمر. "وبعد أسبوع على الحادث، تم استدعائي رسميا، وأبلغت أنه تم إلقاء القبض على المهاجم"، يقول العلوي ل"الأيام"، متذكرا أن رجال الشرطة لم يتوصلوا إلى المسدس لأنه رمي في شاطئ الرباط. وكانت آنذاك جريدة "الأسبوع الصحفي" تتابع عن كثب هذا الملف، وكتبت في أحد أعدادها "واقعة إلقاء القبض على الرجل الذي هاجم العلوي في مكتبه". وبعد ذلك استشعر العلوي برودة في متابعة المتهم وتماطلا في محاكمته. ورغم بحثه المستميت عن إحقاق العدالة في الحادثة، إلا أن الأمر بقي طي الكتمان والسرية، إلى أن أخبر في يوم من الأيام أن المهاجم حوكم بالمحكمة العسكرية لاستعماله سلاحا ناريا في مهاجمة العلوي بمكتبه. "كانت هذه المحاولة لإسكات صوت صحفي، يحكي العلوي، لكنها والحمد لله لم تبؤ بالنجاح".
أحمد الدغرني: مطاردة هوليودية وسقوط في الهاوية! في العام 2006 تعرض الناشط الأمازيغي المثير للجدل أحمد الدغرني، حسب الإفادات التي أدلى بها آنذاك، لمحاولة اغتيال بالطريق المؤدية إلى تمارة عبر الحزام الأخضر ضاحية الرباط. أحمد الدغرني لاحظ وهو يباشر سياقة سيارته على العاكس الزجاجي أن شخصا بالسيارة التي توجد وراءه مباشرة يقدم إشارات لشخص لم يستطع الدغرني فك رموزها، واختار الناشط الأمازيغي المعروف تخفيض السرعة والتزم أقصى اليمين قبل الوصول إلى المنعرج الذي يولج إلى الطريق السيار الرابط بين الدارالبيضاءوالرباط، لكن سائق السيارة "الملاحقة" عمد إلى تخفيض سرعته وهو الآخر احتفظ بنفس المكان خلف سيارة الدغرني. وفجأة وبعد الوصول إلى المنعرج المؤدي إلى "الاطوروت"، يقول الدغرني، صدمتني السيارة التي حرصت على ملاحقتي طيلة كيلومترات"، وتلقت سيارة الدغرني، حسب ما أكده، ضربة محكمة أسقطته وسيارته في المنحدر الأيسر. ما زالت ذاكرة الناشط الأمازيغي الدغرني تتذكر هذه اللحظات "التي كادت تنقله إلى مثواه الأخير"، وما زالت ذاكرته تتذكر أدق التفاصيل، وعلى رأسها الساعة الثالثة والنصف من يوم 27 شتنبر، اليوم الذي نسجت فيه خيوط هذه القصة، التي يقول عنها الدغرني بلغة اليقين إنها محاولة اغتيال.
الرصاصة التي مرت قرب رأس ابن كيران في الوقت الذي أضحت فيه العلاقة بين وزارة الأوقاف وحركة التوحيد والإصلاح على ما يرام، سيتم إيفاد عبد الإله ابن كيران ضمن وفد ممثل لوزارة الاوقاف إلى فرنسا قصد تأطير الجالية المسلمة هناك. جرت العادة أن تسافر بعثة مغربية كل شهر رمضان إلى الدول الأوروبية، وجاء في ذلك الوقت الدور على رئيس الحكومة الحالي. بعد إلقائه لأحد الدروس سيتعرض ابن كيران لحادثة لم تتم إثارتها بشكل واسع آنذاك، حيث تعرض رئيس الحكومة الحالي وقتئذ لحادث إطلاق نار بعد خروجه من مسجد سانتتيان، إذ تم إطلاق رصاصتين، إحداهما أصابت مرافقا لابن كيران أردته قتيلا ونجا هذا الأخير من موت محقق.. كان آنذاك الصراع محتدما حول الحقل الديني الفرنسي بين المصالح المغربية ونظيراتها الجزائرية، والشخص الذي توفي آنذاك، وقيل إنه مرافق لابن كيران، هو رجل محسوب على التيار الإسلامي الجزائري ومعارض لنظام هذا البلد آنذاك. عندما عاد ابن كيران حكى لعائلته كيف نجا من حادثة إطلاق النار، وأخبرهم أن لطف الله وقف جانبه. الحادثة رغم خطورتها لم تجد أثرا لها في وسائل الإعلام المغربية...وشعر آنذاك ابن كيران أن العمل الدعوي هو الآخر محفوف بالمخاطر.. وأظهرت التحقيقات التي أجريت حول الحادث من قبل الشرطة الفرنسية أن المعتدي كان شخصا مخمورا. لكن رداد عقباني، الذي كان وقت هذا الحادث وزيرا مفوضا مكلفا بالتأطير الديني للجالية المغربية، قلل من أهمية هذا الحادث، وقال في حديث ل"الايام" إن ابن كيران ضخم الأمر عندما اعتبر أنه كان مستهدفا في هذا الحادث... وقال العقباني إن ابن كيران أراد "توجيه الرصاصة لنفسه"، عندما قال إنه معني بمحاولة التصفية الجسدية، و"لو أريد لابن كيران أن يغتال لما أفلت نظرا لحنكة ومهارة منفذي الاغتيالات". وتساءل العقباني لماذا سيغتال عبد الإله بن كيران وهو آنذاك ما زال مرشدا دينيا صغيرا ومغمورا...
عبد الكريم الخطيب: محاولتان لاغتيال مؤسس العدالة والتنمية أولى محاولات اغتيال عبد الكريم الخطيب كانت مباشرة بعد مشاركته في اجتماع لتأسيس منظمة لمساندة الجهاد الأفغاني بالدارالبيضاء. آنذاك اتخذ خلال هذا الاجتماع قراران هما محاولة التنسيق مع منظمات فرنسية لربط "المجاهدين" بالتجار الفرنسيين لتزويد "المجاهدين" بالسلاح. وتكلف الدكتور الخطيب بالتنسيق بين الجانبين وجلب سلاح متطور لهذا الغرض. شارك في هذا الاجتماع 11 طالبا أفغانيا الذي قام بتأطيرهم الخطيب إلى قيادات إسلامية. وبعد هذا الاجتماع، تبين أن هناك مخططا لاستهداف الدكتور عبد الكريم الخطيب من قبل جهات ما. القنصل امبارك بيهي هو الذي توصل إلى الخبر وبلغ به الدكتور الخطيب... بعد أن وصل الخبر إلى أعوان الخطيب، عرض عليه هؤلاء الاستعانة بحماية أمنية لتفادي محاولة التصفية الجسدية التي كانت تستهدف مؤسس حزب العدالة والتنمية ومدمج جزء من الإسلاميين في غمار السياسة، لكن الدكتور الخطيب رفض الحراسة الأمنية. آنذاك، وفي الطريق إلى مدينة الدارالبيضاء، وقرب منطقة عين عودة، اقتربت من سيارة الخطيب ومرافقيه شاحنة كبيرة حمراء اللون وحاولت مزاحمة سيارة الخطيب طيلة ثلاثة كيلومترات لكنها لم تستطع النيل منه... بعد عدة محاولات فاشلة قال أحد ركاب الشاحنة للدكتور الخطيب، حسب ما يرويه مرافقه "حتال مرا أخرى...". عبد الكريم الخطيب هوّن من الأمر وقتئذ وقال إن الأمر تخويف وترهيب له... وفي مناسبة أخرى، وفي اتجاه واد بهت... كانت الطريق التي سلكها عبد الكريم الخطيب بسيارته مقطوعة، كان الخطيب يسافر وتحت قدميه بندقية، ولما رأى أن بجوار الطريق المقطوعة شخصين ملثمين حمل سلاحه الناري، وحاول إماطة الشجرة التي وضعها الملثمان لقطع الطريق... وبعد ذلك ابتعد الملثمان قليلا إلى الوراء ونطقا بكلام باللهجة الريفية، ترجمه ابن عبد الكريم الخطابي، الذي رافق الدكتور الخطيب خلال هذه الرحلة، بما مفاده أن الملثمين طلبا من مرافقي الخطيب الابتعاد عنه وإلا سيُقتلون في المرة القادمة... كان الدكتور الخطيب يعلم بمترصديه سابقا بعدما بلغ إلى علمه عبر محمد التمساني المعروف بالفقيه الريفي أن أخبارا وردت عليه برغبة اشخاص في الريف باغتيال الدكتور الخطيب، وحاول ثني الرجل عن السفر إلى هناك لكن الخطيب رفض.