قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تقليص موازنة تسيير حكومته إلى النصف، بسبب الأزمة المالية الشديدة التي تهدد البلاد نتيجة تراجع أسعار النفط، وتداعيات وباء فيروس كورونا المستجد. وحسب مصادر محلية، فإن قرار تقليص النفقات هو الثاني من نوعه في أقل من شهرين، إذ سبقه إعلان مماثل في 22 مارس الماضي بخفضها 30 بالمئة، ما يشير إلى حجم المعاناة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة الجزائرية. واعتبرت ذات المصادر، أنه في غياب بدائل اقتصادية والاعتماد بشكل رئيسي على عائدات النفط، فإن الضغوط المالية زادت على الجزائر بعدما تسبب فيروس كورونا في انخفاض أسعار البترول، حيث انهار سعر الخام الجزائري من حدود 70 دولارا مطلع العام لأقل من 20 دولارا نهاية أبريل، فاقدا 70 بالمئة من قيمته. وكانت احتياطات الصرف في الجزائر التي تعتمد بشكل كبير على المداخيل النفطية، قد تراجعت من 162,4 مليار يورو عام 2014، إلى نحو 57 مليار يورو نهاية 2019. كما أن الحكومة تتوقع تراجع مداخيل المحروقات إلى 20,6 مليار دولار، مقابل 37,4 مليار في قانون المالية الأساسي لعام 2020. ويرى مراقبون، أن الجزائر، التي تعد واحد من أكبر الاقتصادات العربية، تواجه أزمة اقتصادية “غير مسبوقة”، بسبب تداعيات فيروس كورونا من جهة، والانهيار غير المسبوق في أسعار النفط من جهة أخرى. وفي هذا الصدد، اعتبر تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن النظام الجزائري، كما نعلم يعيش أزمة حقيقية، منذ القديم وهي نظرا لخضوعه لإنتاج الغاز والنفط، دون الاعتماد على مجالات أخرى. وأضاف الحسيني في تصريح ل”الأيام24″، “أنه عندما تزور اليوم التراب الجزائري، ليست هناك فلاحة، كل احتياجات الشعب الجزائري، من خضر وفواكه تأتي من الخارج، ليست هناك سياحة، رغم أنهم يتوفرون على شواطئ جميلة، على امتداد البحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك نسبة السياح جد منخفضة، ليست لديهم صناعة تقليدية متطورة، يمكن أن تنتج وتحول إلى الخارج، بحيث لائحة الاستثمارات الأجنبية جد منخفضة، وحتى بعض الدول التي تحاول تشجيع رجال أعمالها على الاستثمار في الجزائر، تبدأ المحاولات ثم سرعان ما يتم التراجع، وهذا ظهر في عدة قطاعات، حاولت الجزائر في عدة مناسبات، منافسة المغرب في قطاع السيارات وغيرها وتبين أن هناك فشل”. وأوضح المحلل السياسي أن “هذا الأمر مرتبط بطبيعة الحال بتراكمات تاريخية، وبإشكالية اقتصاد الريع الذي تعيش في ظله الجزائر، وبالتالي كل انخفاض اليوم في سعر برميل البترول، سينعكس بشكل سيء جد على الميزانية الجزائرية، لأنها سبق وأن كونت احتياطا مهما، يصل إلى 250حوالي مليار دولار، في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن ذلك الاحتياطي، استمر تدريجيا بالانخفاض، خاصة مع التظاهرات التي كانت تشهدها يوميا الجزائر، وتوقف عدة نشاطات اقتصادية”. واعتبر الحسيني أن “اليوم، مع اندلاع أزمة فيروس “كورونا” المستجد، ومع انخفاض أسعار البترول العالمية، سيؤدي إلى مخاطر قوية بالنسبة للجزائر في المستقبل القريب”. وأشار إلى أن “الجزائر كانت من المدعمين لأن تجتمع منظمة الأوبك وتخفض من الإنتاج، وهذه الدعوى لم تسمع من طرف السعودية وبلدان خليجية، لكن في النهاية تدخل الرئيس الأمريكي ترامب، أدى إلى تخفيض، لكن رغم ذلك، فقد ظهر أن هذا التخفيض لم يؤثر، واستمرت الأسعار في الانخفاض، وفي اعتقادي أن الجزائر ستعيش أزمة حقيقية حتى مع انتهاء الجائحة، واستمرت أسعار البترول في الانخفاض بكل تأكيد”. وفي ظل تخفيضات الإنتاج التي تنفذها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجون كبار آخرون، تظهر أيضا نقاط متألقة على جانب الطلب، كما أظهرت بيانات صادرة الجمعة أن الاستهلاك اليومي للنفط الخام في الصين انتعش في أبريل إذ عززت مصافي التكرير العمليات.لكن الأجواء في السوق ما زالت دون حالة التفاؤل، مع ابتعاد جائحة فيروس كورونا عن الوصول إلى نهاية وظهور إصابات جديدة في بعض الدول التي جرى تخفيف إجراءات العزل العام بها.