الذي يتذكر الأجواء التي سادت الرباط عقب تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة السلطة في الجزائر سنة 1999، يذكر عمق المرارة التي تحس بها الرباط، بعد 16 سنة من الصراع مع نظام بوتفليقة وأجنحته، التي تعاقبت على الحكم طوال هذه المدة. وصحيح أن النخبة السياسية التي حكمت الجزائر على مدى العقود الماضية لم تغير موقفها من النظام المغربي، ومن قضيته الأولى الصحراء، لكن الرباط استطاعت منذ اتفاقية وجدة سنة 1984 التخفيف من العلاقة المتشنجة مع جارتها الشرقية، قبل أن ينقلب بوتفليقة على كل ما تم تحقيقه طوال عقد حكم الشاذلي بنجديد، والفترة الدموية التي عاشتها الجزائر بعد الإنقلاب 1992، حيث سيشكل وصول بوتفليقة للحكم صداع رأس للمغرب وتهديدا حقيقيا لأمنه بعد وصول صقور معروفين بمعاداتهم الشرسة للمغرب، من أمثال لعمامرة وعبد المالك سلال.
لكن ما هي الوجوه التي تشكل بدائل مطروحة في الوقت الراهن لبوتفليقة المريض؟ وهل هناك خيارات أحسن وسط هذه الوجوه في حالة غياب الرئيس بالنسبة للرباط؟ وكيف يمكن لهذه الأخيرة التعامل مع أي غياب مفاجئ لرأس النظام؟ خصوصا في ظل انقلاب معادلة هذا النظام من الداخل وأفول نجم الجيش وكبار جنرالاته لصالح وجوه سياسية عمل الزمن لصالحها، لكن دون أن يحسم هذا الزمن السياسي الصراع لصالحها بشكل نهائي.
سعيد بوتفليقة : ابن وجدة الساعي لخلافة أخيه لم يعد خافيا في الساحة السياسية الجزائرية أن الشقيق الأصغر للرئيس الحزائري سعيد بوتفليقة، والذي وُلد بمدينة وجدة مثل أخيه، أصبح يلعب دورا كبيرا وخطيرا في مفاصل النظام، خصوصا في تحديد السياسات الكبرى للجمهورية، خاصة بعدما أصيب شقيه بجلطة دماغية سنة 2013.
لا يشغل الرجل منصبا رسميا في النظام الجزائري، لكنه يمثل الحاجب الأعظم في النظام، ولا يمكن الوصول للرئيس دون المرور عبره شخصيا، بل حتى بعض المصادر كشفت أنه يمارس مهام أخيه في أكثر من مجال، ويتدخل في تعيين الوزراء والديبلوماسيين والولاة، وحتى مدراء المؤسسات العمومية، وبطبيعة الحال يتحكم من خلال هذا في سياسة البلاد تجاه المغرب، وملف الصحراء.
ولا يخفي سعيد بوتفليقة طموحة في خلافه أخيه، لكنه يعرف قواعد اللعبة، فبدون دعم كبير من الجنرال أحمد قايد صالح، والوجوه البارزة داخل جبهة التحرير، وبعض وجوه المعارضة، لا يمكنه ربح المعركة.
عمار سعداني: قائد انقلاب جبهة التحرير ومدفع بوتفليقة ضد خصومه
يعتبر عمار سعداني أحد الوجوه المرشحة لدخول نادي الرؤساء، وهو يمثل التيار المعبر عن المواقف الرسمية ويعد أقوى الداعمين للأطروحة الجزائرية حول انفصال الصحراء ومعاداة السياسة المغربية. عندما بدأ التخطيط للإطاحة بالرجل القوي الجنرال محمد توفيق مدين، كان عمار سعداني هو المدفعية الثقيلة التي وحهت لقصف الجنرال، وإخراجه من الظل نحو العلن، ولأول مرة يتجرأ أحد المدنيين، الذين كانوا يشكلون دائما الدمى المتحركة للعسكر، يقصف المؤسسة العسكرية ورجل الإستخبارات الذي حكم على مدى25 سنة.
انتخب عمار سعداني أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني في فبراير 2014، بعما سبق له أن تقلد مناصب عديدة كرئيس للمجلس الوطني، ومستشار الرئيس بوتفليقة.
لم يكن أحد يتوقع أن ابن الديبلوماسية الجزائرية والموظف البسيط في الخارجية الجزائرية، يمكن أن يصبح في يوم من الأيام أحد المرشحين المحتملين لخلافة عبد العزيز بوتفليقة.
دخل الرجل بنية النظام سنة 1995 في عهد الرئيس لامين زروال، ومنذ ذلك العهد لم يغادر السلطة ولا الحكومة، منذ 19 سنة.
وإذا كان قد بدأ خطواته الأولى في عالم السلطة سنة 1993 في عهد علي كافي، فإن سنة 1997 كانت هي البداية الحقيقية له، بعدما عينه الجنرال لامين زروال رئيسا للحكومة.
إلا أن شخصيته تبقى من نقاط ضعفه، حيث لا يتمتع بأي قوة جاذبية أو كاريزما سياسية تساعده على جمع كل أقطاب النظام ومراكز النفوذ حوله.
الجنرال أحمد قايد صالح : قائد انقلاب المؤسسة العسكرية
يعتبر الجنرال أحمد قايد صالح من أقوى جنرلات المرحلة الحالية، اعتمد عليه بوتفليقة في قيادة الإنقلاب على الجنرال محمد توفيق وتفكيك جهاز الإستعلام والإعلام الذي كان يقوده ضباط توقيف، سبق له أن قاد المنطقة التابعة لتندوف، وبالتالي كان يشرف بشكل مباشر على التعاون العسكري والأمني مع البوليساريو.
لا يخفي عداءه الكبير للمغرب، ليس فقط في قضية الصحراء، بل حتى في السياسات المرتبطة بالعلاقات الثنائية.
في 11 شتنبر 2013، سيضع قايد صالح يده على قيادة الأركان ووزارة الدفاع من خلال توليه منصب نائب وزير الدفاع أي نائب الرئيس بوتفليقة، لكن في ظل مرض الرئيس أصبح يمارس صلاحيات وزير الدفاع، إضافة إلى قيادة المخابرات ومديرية الإتصال.
يُوصف في الجزائر بأنه قائد العلبة السوداء للنظام في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الجمهورية.