"تدعو، تؤيد، ترحب، تطالب، تستنكر"، حصيلة ما يصدر عن القمم العربية منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945، بميثاقها المستمر منذ 70 عاماً رغم ما هبّ على المنطقة من أزمات خانقة، استدعت تحركات أكثر محاكاة لرغبات الشعوب العربية، إلا أن البعد السلمي المفرط لها والشكليات السياسية، كان لها ما كان من السخط العربي والسخرية منها وبقممها، وهو ما أفصحت عنه المملكة المغربية مؤخراً. فمع بدء العد العكسي لانطلاق الدورة "العادية" السابعة والعشرين لها، والمقررة في مراكش المغربية، فاجأت المغرب رئاسة الجامعة بعدم رغبتها باستضافة القمة المقررة في مارس/آذار وتأجيلها أيضاً إلى أبريل/نيسان، معللة ذلك ب"عدم توفر الظروف الموضوعية" لنجاحها، ما قد يجعل منها "مجرد مناسبة لإلقاء الخطب". بيان الخارجية المغربية، قال: إنه "نظراً للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع للمناسبات"، موضحاً أن "الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع". وفي تقرير خاص، قالت صحيفة "الخليج أونلاين"، اليوم السبت، إن بيان وزارة الخارجية المغربية، كشف عن وجود شبه إجماع عربي رسمي على عدم جدوى الجامعة العربية التي لا تتعدى اجتماعاتها سوى "مناسبات" موسمية لإلقاء الخطب، فقد تم اتخاذ القرار، بحسب الرباط، "بناء على المشاورات" التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية، وبعد "تفكير واع ومسؤول، ملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك، وضرورة الحفاظ على مصداقيته". وأضاف، حسب ذات الصحيفة التي أوردت هذا الخبر، أن "العالم العربي يمر بمرحلة عصيبة..لا يمكن فيها لقادة الدول العربية الاكتفاء بمجرد القيام، مرة أخرى، بالتشخيص المرير لواقع الانقسامات والخلافات الذي يعيشه العالم العربي، دون تقديم الإجابات الجماعية الحاسمة والحازمة".
- "الإتيكيت السياسي"
في بيئة تحفها المظاهر والترف والوفود الطويلة العريضة والاستقبالات الحافلة، امتدت قمم الجامعة العربية منذ تأسيسها، دون تسجيل تحرك عربي مشترك يوقف ما تستنكره الجامعة وتدينه، فلم تكتمل قمة الرباط مثلاً عام 1969، ولم تصدر بياناً ختامياً حين كان هدفها "وضع استراتيجية موحدة لمواجهة إسرائيل".
كما شهدت العديد من القمم مصالحات بين رؤساء دولها المتخاصمين في تواريخ عديدة، ورافق عدة دورات منها مقاطعة من دولة عربية أو أكثر احتجاجاً على سياسة جيران آخرين، بل قاطع نصف القادة العرب قمة لبنان عام 2008، وتكتفي كل منها ب "دعوات" لوقف العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، أو على لبنان.
- ميثاق "هرِم" وقمم على الهامش
بعد 70 عاماً على إقراره، تنبهت رئاسة الجامعة العربية إلى أن ميثاقاً جديداً لها سيتم عرضه في القمة القادمة، "ليمثل الجيل المعاصر من المنظمات الدولية، وبما يتماشى مع التطورات الدولية المعاصرة"، مشيرة إلى أن ما يميز الميثاق الجديد للجامعة؛ "هو التركيز على قضايا حفظ السلم والأمن وحماية حقوق الإنسان والمرأة، وليس فقط كما كان في السابق تعزيز علاقات التعاون بين الدول العربية". طرح الميثاق الجديد، نسفت المملكة المغربية الأمل به في تعزيز فاعلية الجامعة عربياً، فلم تكن كغيرها من الدول التي تشاورت معها، منتظرة فحوى الميثاق المنتظر، وسط ما تمر به المنطقة من تحركات عربية كانت لا تُرجى سوى من الجامعة العربية. إذ ينهي "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية في اليمن، عامه الأول محققاً انتصارات بارزة، لتعلن الرياض لاحقاً تأسيس "التحالف الإسلامي" أيضاً، بل تقود مناورات عسكرية عربية، بعيداً عن الأمل المنتظر من القوة العربية المشتركة التي تم الحديث عنها في القمة العربية السابقة في شرم الشيخ. وفي المفاوضات التي تستضيفها عواصم الغرب لإنهاء الصراع في سوريا أو اليمن أو الحرب ضد تنظيم "الدولة"، الذي يتوسع عربياً، لا يبدو للجامعة العربية تأثير ولا تستقبل دعوة حضور، وهو ما يشير صراحة إلى عدم فاعلية قد تبدأ عدّاً عكسياً، ليس للقمة القادمة، بل ل"موت الجامعة". وأعلن المغرب مساء الجمعة أنه قرر عدم استضافة القمة العربية 2016 لتجنب تقديم أي "انطباع خاطئ بالوحدة والتضامن" في خضم تحولات يمر بها العالم العربي. وكان مقررا عقد الاجتماع الدوري رقم 27 للقادة العرب في 29 مارس المقبل، في مدينة مراكش لكنها تأجلت للسابع من أبريل بناء على طلب من السعودية. وذكرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أنه بتعليمات من الملك محمد السادس، تم إبلاغ جامعة الدول العربية ب"قرار المغرب بإرجاء حقه في تنظيم دورة عادية للقمة العربية"، موضحة حيثيات الرفض في "أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي".