التساقطات المطرية لم تعد مهمة فقط في إرواء الأرض وإنعاش الحرث والنسل، بل صارت لها مهمة إضافية في المملكة السعيدة، كونها تكشف عن هوية "الساقطين" من المسؤولين الغشاشين في مهماتهم التي يدبرونها. عند كل موسم شتاء اعتاد المغاربة أن يكتشفوا عيوب الطرقات وهفوات قنوات الصرف الصحي التي تحميهم من آفة الفيضانات.
التساقطات المطرية في الحقيقة تسقط ورقة التوت عن سوءة المسؤولين الذين يعقدون الصفقات المغشوشة في تشييد الطرقات ومسالك الواد الحار، وهي بمثابة "مكتب دراسات مستقل " يفضح عيوب دفاتر التحملات التي يفتخر بها هؤلاء المسؤولون.
في كل موسم مطري صار سكان الدور العتيقة بربوع المملكة لا ينقطعون عن ترديد دعاء وحيد غير مأثور " اللهم امسك مطرك عنا" خوفا من أن تنهار أسقف المنازل على رؤوسهم.
على مدار السنة يسوق هؤلاء المسؤولون صورا وهمية عن تحسين البنية التحتية لمدننا التي تتحول خلال فصل الشتاء إلى قرى عائمة بسبب الغش في صيانة قنوات الصرف الصحي.
المغاربة عليهم أمام السقوط المدوي لهؤلاء المسؤولين أن يعودوا أنفسهم على حياة البادية خلال فصل الشتاء واقتناء لوازم هذه العيشة الاستثنائية، من أحذية طويلة "البوط"، وما جاورها حتى يمكنهم قضاء أغراضهم طيلة مدة التساقطات.
تزعم المجالس المنتخبة والجهات المفوض لها تدبير طرقات وقنوات الصرف الصحي أن معظم ميزانيتها الممولة من جيوب المواطنين تصرف لصيانة هذه الطرقات، لكن التساقطات المطرية تفند تلك المزاعم وتكذبها جملة وتفصيلا.
ما حدث نهاية الأسبوع الماضي بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط هو بمثابة سقوط كبير لكافة المسؤولين، بمن فيهم الوزير الوصي على قطاع الرياضة، الذي عوض أن يقر بخطئه اتهم الطابور الخامس بتوظيف صور عمال النظافة وهم يجففون الملعب ب"البونج" و"الكراطة".
التساقطات المطرية تثبت كل سنة أن انهيار الطرقات والأزقة وتجمع الأوحال راجع بالأساس إلى الخلل الذي تعرفه طريقة تدبير الصفقات العمومية في تشييد هذه الطرقات، ولا علاقة له بسوء الأحوال الجوية كما يروج لذلك المسؤولون الساقطون.