استطاع الفيلم السينمائي الطويل " الأوراق الميتة" للمخرج الشاب " يونس الركاب، والذي تم عرضه الأول بسينما الريف الخميس الماضي، أن يتجاوز نمطية السينما المغربية من جوانب شتى أهما الصورة والبنية السردية للأحداث. إبهار مشهدي منذ الدقيقة الأولى لبدأ الفيلم ينشَّد اهتمام المشاهد بانبهار إلى مؤثرات الصورة وإبهارها على الطريقة الهوليودية، بتوظيف إمكانيات تقنية عالية في المشاهد الأولى المدخل لقصة الفيلم، ليؤمن المشاهد وهو يتابع الفيلم بحضور احترافية على مستوى الإخراج تلمسها من خلال طريقة الحضور لعدة شخصيات، وكيفية المزج بين المشاهد عن طريق المونتاج، الاستخدام الرائع للموسيقى، إضافة إلى التوظيف الشاعري للصورة الذي نقلت لنا مشاهداً خارجية من غابات مدينة إفران بصورة ضاربة في الجمالية . البداية انطلقت من النهاية تجاوز الفيلم نمطية السرد وهو ينقل لك أحداثاً من سيرة البطلة " زهرة" التي تؤدي شخصيتها الفنانة الصاعدة " سناء بحاج"، الفتاة المولعة بالموسيقى التي سينتهي بها المطاف في السجن اثر جريمة قتل متكررة يتعرض لها كل شخص ربطت معه علاقة وقضى ليلة بسريرها، بعد أحداث عديدة من يوميات زهرة الموسيقية وعلاقاتها الغرامية المعقدة والمرتبكة التي يراقبها بعيداً وفي صمت " الغازي" الذي يؤدي شخصيته النجم " ربيع القاطي" الشبح المجهول الذي يلتف بأسراره في عزلة، ومن حيث يظن المشاهد أن الفيلم أشرف على نهايته يدرك أنها ليست إلا البداية لأحداث جديدة هي الحل للعقدة السردية لقصة الفيلم ، حيث يتعرف المشاهد على شخصية الغازي فتى الظل الذي لم يكن سوى طبيب زهرة النفسي في إحدى المستشفيات حيث قضت هذه الأخيرة يوميات قاسية لامرأة، مكلومة، معنفة ومغتصبة بوحشية بين جدران المستشفى. الغازي " ربيع القاطي" الشخص الوحيد الذي يعرف خبايا زهرة، والفارس الذي ضحى في صمت من أجلها ليعيش بوجه مشوه وهو يحاول إنقاذها من الاغتصاب، والغازي هو الخلاص الوحيد لزهرة المريضة بمرض انفصام الشخصية من قضبان السجن . ربيع القاطي وإقناع بدور الفارس المنتظر كالعادة بأداء ضارب في الصدق والعفوية "ربيع القاطي" ينغمس في خبايا ودواخل شخصية " الغازي" ليقنعك به دون أن تستحضر ربيع الممثل، نقل لنا " القاطي" شخصية كرست مستقبلها لمعنى الحب والتضحية وعاشت على الهامش في الظلام بشكل مشوه ترعى المحبوبة " زهرة " وتحميها، لتكون السبيل الوحيد لخلاصها، قبل أن تقدم وعداً لها أن لا تتخلى عنها لأبد، لقد كان " الغازي" الفارس المنتظر الذي حرر "زهرة" من اعتداء وعنف المجتمع . أربع تيمات في قصة واحدة تعدد التيمات في تناول قصة العمل الذي ينتمي لنوع " السيكو دراما"، حيث حضر الجانب البوليسي، البيسكولوجي، العاطفي، والاجتماعي، ويمكن القول أن تفكك بنية الفكرة والسيناريو أضر بالجوانب السابقة التي ساهمت في تقوية العمل، ولعل السبب يعود إلى أن وراء صياغة فكرة ونص الفيلم أكثر من كاتب ومساهم . الفيلم كسر قاعدة النهاية السعيدة ويبدو أن " الأوراق الميتة" تجربة سينمائية مغربية تحررت من نمطية النهايات السعيدة التي كُرست بابتذال في صورة الدراما المغربية سواء السينمائية أو التلفزيونية، إذا أسدل العمل الستار على مشهد فراق " زهرة" و " الغازي" لتعود زهرة إلى المستشفى و يمد لها الغازي كف التوديع من السيارة رغم أنه وعدها بالعودة، هذا المشهد كان كفيلاً أن يودع داخلك مشاعراً من الشجن والتعاطف مع الشخصية . الفيلم " من بطولة " ربيع القاطي"، "سناء بحاج"، "ربيع بنشحيل"، "ياسمينة الزاكي"، "حسناء مومني"، نبيل عاطف، نادية النيازي، وحميد نجاح، وإخراج " يونس الركاب" وإنتاج " أنيسة الركاب".