نجحت السلطات المغربية في تلافي الصدام مع مطالب الإصلاح الشعبي وفضلت بدل ذلك العمل على الاستجابة إلى قدر منه واحتواء الأصوات المطالبة بها ضمن حزمة من الإصلاحات أعطى الملك محمد السادس إشارة انطلاقها من خلال تعديلات 2011 الدستورية. الوصفة المغربية صنعت معادلة على صلة وثيقة بالحرائق المشتعلة في بعض من أرجاء الوطن العربي تقول إنه كلما تعاطت النظم مع مطالب الإصلاح ورافعيها بالمرونة اللازمة تجنبت الأوطان محارق كتلك المستعرة في سوريا ومصر وغيرهما. وقد شكلت نتائج الانتخابات المحلية والجهوية بما قادت إليه من نتائج مؤشرا على ما يسود المشهد السياسي المغربي من تحولات جارية وأخرى محتملة تقول مؤشرات إنها ستؤثر بعمق في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. التجربة المغربية في التعاطي مع المطالب الإصلاحية في المغرب كانت أهم محاور حلقة 5/9/2015 من "حديث الثورة". تجربة ورسائل من جانبه، يرى رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني أن هذه الانتخابات تأتي في سياق جديد في ظل التعديلات الدستورية وتعديلات في بنية النظام السياسي, مضيفا أنها استمرار لإعادة بناء الدولة المغربية بطريقة مختلفة. وقال في حديثه للبرنامج إن الرسالة التي بعثت بها هذه الانتخابات هي أن المغرب مستمر وماض في استكمال إصلاحاته التي انطلقت في 2011. من جانبه، اعتبر الباحث والمحلل السياسي الميساوي العجلاوي أن ما يجري في المغرب ليس مرتبطا بالربيع العربي فقط بل كانت هناك تراكمات وتجارب إصلاحية سابقة. وقال إن الانتخابات هي بمثابة رسالة عن نجاح النسق السياسي والأحزاب السياسية في المغرب، خصوصا الأحزاب الإسلامية. وأضاف أن المغاربة ينتظرون أن تعمق هذه الانتخابات الإصلاحات في المغرب من حيث تجديد النخب والأداء الفكري. بدوره، أعرب وزير الثقافة التونسي السابق المهدي مبروك عن اعتقاده بأن الانتخابات في المغرب هي درس بيداغوجي ملهم، وأن المواطنة لا تبنى إلا على هذا الأساس، وأن العنف لا يمكنه حل الخلافات السياسية. وقال إن نتائج الانتخابات تدلل على أن الإسلام السياسي لم يعد يثير الفوبيا المعتادة لدى المعارضة في المغرب وتونس، مشيرا إلى أن الإسلاميين في الحكم باتوا يقبلون اللعبة الديمقراطية وينبذون العنف ويدعمون الانتقال الديمقراطي للحكم. من جانبه، يعتقد أستاذ الأخلاق السياسية ومقارنة الأديان بكلية الدراسات الإسلامية محمد المختار الشنقيطي أن المغرب تعاطى مع ملف الربيع العربي بشكل مخالف لباقي الدول العربية واستوعب الدينامية الشعبية ومطالبها. وقال إن ما حدث في المغرب يدل على خبرة وتراكم، وإن ما فعله ملك المغرب محمد السادس هو إعادة تعريف للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. الانتخابات ودروسها وفي ما يتعلق بسر تقدم حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات المحلية أوضح سعد الدين العثماني أن المرشح في البوادي البعيدة يمكن أن ينجح بأربعين صوتا فقط، بينما في البوادي القريبة من المدن يحتاج المرشح لمئات الأصوات. وعلى هذا الأساس اعتبر أن حزب العدالة والتنمية حقق تقدما كبيرا في الانتخابات المحلية رغم ذلك. وبشأن التحالفات المرتقبة نفى العثماني أن تكون جميع أحزاب المعارضة رافضة التحالف مع حزب العدالة والتنمية باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، معربا عن اعتقاده بأن أولويات التحالف عند حزب العدالة والتنمية ستكون مع أحزاب التحالف الحكومي. كما اعتبر أنه لا خطر من الاصطفافات السياسية الحالية في المغرب كونها ذات طبيعة سياسية وليست أيديولوجية. وبالنسبة للدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها من تجربة الانتخابات المغربية رأى المهدي المبروك أن أهم ما ميز هذه الانتخابات هو مسألة حياد واستقلال الإدارة، بينما أعرب المختار الشنقيطي عن قناعته بأن الانتخابات المغربية بدأت تبني الديمقراطية قاعديا بتوجهها إلى البوادي والقرى.