تطلَّبَ الأمرُ أكثر من مائتي شرطي مُسلَّح، وخمس وحدات من الكلاب المُدرَّبة المختصة، ومروحيَّتَين، لضمان ألا يفر آخر الزعماء الأقوياء للمافيا الصقلية. لكن الدون لم يكن مشتبهاً عادياً. في الحقيقة لم يكن دون من الأصل، بل كانت "دونة" (الكلمة الإيطالية المرادفة ل"سيدة"). أُلقِيَ القبضُ على ماريا أنجيلا دي تراباني، ذات ال49 عاماً، وزوجة زعيم المافيا الصقلية سلفاتور مادونيا (المعروف باسم سالفينو عيون الجليد)، الأسبوع الماضي، بعدما كُشِفَ عن أنها مسؤولةٌ عن إعادة تنظيم المافيا الصقلية، المعروفة أيضاً باسم "كوزا نوسترا"، بعد وفاة توتو ريينا، الذي تزعَّمَ المافيا لوقتٍ طويلٍ من الزمن، في السجن. ومن الواضح أن ماريا، التي يشير إليها الكثيرون من أعضاء العصابة بلقب "سيدة البيت"، كانت مسؤولةً بالكامل عن تنظيم كل تحرُّكٍ فردي في شؤون العائلة، بما في ذلك أوامر العقاب والضرب. حسب تقرير لموقع ديلي بيست الأميركي. وأخبَرَ أحد المنشقين عن المافيا المُحقِّقين بأنها "كانت تقوم بدورِ رجلٍ حقيقي"، وذلك وفقاً لوثائق المحكمة. وتواجه ماريا ومن كانت تتزعَّمهم 33 تهمةً منفصلة، بما يتضمَّن محاولاتٍ ناجحة للابتزاز، إذ يُزعَم أنها شخصياً أشرفت على جمع أموال الحماية (التي تُعرَف بالبيزو) من شركاتٍ محلية. وبأعجوبةٍ، تمكَّنَت هي وزوجها، الذي يقضي عقوبةً بالسجن مدى الحياة لقتله الناشط المناهض للمافيا ليبيرو غراسي، من إنجابِ طفلٍ، خلال زيارةٍ له أُحيطَت بحراسةٍ مُشدَّدة في السجن عام 2000. وجرى التحقُّق من الحمل من خلال اختبار أبوة، ما جعل المسؤولين يُفكِّرون فيما إذا كان الزوج تمكَّن بطريقةٍ ما من تمرير سائله المنوي لها، أو أن ثمة علاقةً جنسية جمعت بينهما إما من خلال رشوة الحرَّاس كي ينصرفوا عنهما وإما عبر جِماعٍ لم يُلحَظ. وتُعد ماريا هي آخر من يُلقَى القبضُ عليهن من سيدات المافيا، فيما صار تياراً صاعداً بين عائلات الجريمة في صقلية، بأن تتولَّى سيدةٌ زعامة عائلة مافيا. بينما لم تصبح بعد هذه الظاهرة ، جليةً في تنظيمات الجريمة المنظمة الأخرى في إيطاليا، مثل مافيا "كامورا" في نابولي، أو "ندرانجيتا" في كالابريا، حيث تنهض النساء بأدوارٍ أقل أهمية، من ضمنها توصيل الرسائل. وتقليدياً، ليست النساء موثوقات في شؤون الأعمال الهامة، وذلك وفقاً لما ذكرته كلير لونغريغ في كتابها الكاشف "نساء المافيا- Mafia Women" الصادر عام 1998. وفي عام 1983، برَّأ قاضٍ في مدينة باليرمو امرأةً مُتَّهَمةً بغسيل الأموال، على أساس أن النساء "لسن مستقلاتٍ، وهم بشكلٍ ما غبياتٍ للغاية للمشاركة في عالم الأعمال الصعب"، حسب وصفه. لكن من الواضح أن سيدات العصابات صرن ينخرطن في هذه الأعمال مذاك الحين.