(باحث في المالية العامة والسياسات العمومية) تتميز الدولة عن باقي التنظيمات بتملكها للقوة العمومية وبإنتاجها وتقديمها للخدمة العمومية مقابل ما تحصله من ضرائب وجبايات. تطور مفهوم و دور أو ادوار الدولة عبر المسار التاريخي لوجودها وعبر البنية الايديولوجية المتحكمة في المجتمعات والحقب التاريخية. فتحولت من الدولة الشمولية tout Etat الى الدولة المحدودة moins d'Etat الى الدولة الافضل mieux d'Etat لكنها في كل الحالات ظلت ملزة بأداء مهامها الاربع les fonctions d'Etat régalien الاصلية المتجسدة في الامن الخارجي والامن الداخلي والحفاظ على النظام العام وإقرار القانون وسيادة العدالة والسيادة الاقتصادية والمالية. قيام الدولة بمهامها هو الذي يعطيها حق الوجود. فلا احد (او على الاقل الاغلبية الساحقة) يناقش اليوم وجود الدولة من عدمه لكن الجميع يتدافع، معارضا او مؤيدا، من اجل الوصول الى الشكل الامثل للدولة والى الطريقة الناجعة لقيامها بأدوارها. فالدولة التي لا يحس مواطنوها بالأمن والامان والاطمئنان لمستقبلهم ومستقبل ابنائهم دولة فاشلة مهما اظهرت من قوة الردع ومهما امتلكت من السلاح والجنود. والدولة التي لا توفر الخدمات العمومية الاساسية من طب وتعليم وسكن وطرق ووسائل التنقل هي دولة فاشلة مهما قدمت من ارقام ومعطيات ومهما سوقت من برامج ومخططات. الدولة التي لا يقتنع فيها المواطن ان منظومة القضاء قادرة على توفير العدل له وحماية حقوقه هي دولة فاشلة مهما تملكت من نصوص قوانين محسنة الصياغة ومتطابقة مع المواثيق والمعايير الدولية ومهما بنت من محاكم فاخرة. والدولة التي لا توزع فيها الثروة على جميع ساكنتها وبمختلف نواحيها ومناطقها الجغرافية بشكل يضمن العيش الكريم للجميع واستفادة الجميع من الثروة المنتجة من طرف الجميع هي دولة فاشلة مهما أوجدت من مسوغات ومن بنيات ادارية وسياسية ومهما وضعت على هذه البنيات من مساحيق التشاركية والمساواة والمساهمة الشعبية في القرار السياسي. الدولة الفاشلة، مهما كانت هيكلتها محكمة البناء المؤسسي ومهما كانت ونصوصها القانونية براقة ومهما كان جهازها الامني متسلطا ومهما كان اعلامها الدعائي فعالا فإنها دولة هشة وآيلة للسقوط كبرج الورق عند أي رجة اجتماعية او سياسية مهما كانت درجتها او مطلبها او محركوها. وهشاشة الدولة الناتجة عن فشلها او فشلها المؤدي الى هشاشتها مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى الفساد المادي والقيمي الذي ينخرها والعكس ايضا صحيح. انها الحلقة المفرغة التي توصل يقينا الى انهيار الدولة: الفساد = الفشل= الهشاشة. ان الدولة المرادة، بقوة التدافع او بمسارات التطور الطبيعي، هي الدولة القوية، العادلة، الحامية، والحاضنة للجميع، هي الدولة التي يكون فيها تمكن المواطن من الخدمة الفعلية اهم عنده من سماعه عن مؤشراتها لان المؤشرات والارقام حمالة اوجه ولا تغني المواطن عن صحته وتعلمه ومسكنه؛ واحساسه بالأمن والعدل في حركته او في محاكمه او في جسده او في ممتلكاته بمقابل اقرانه او بمقابل الادارة؛ واقتناعه بان صوته مسموع ويؤخذ به في القرارات الاساسية التي تهم بلده. إن الدولة القوية، العادلة، الحامية، والحاضنة على طرفي نقيض مع الدولة الفاسدة الفاشلة والهشة. فالأولى دولة تنموية تشاركية لأنها تجعل كل مقدرات الوطن وكل مؤسساته في خدمة المواطن ورفاهيته والثانية دولة امنية قمعية تجعل من التسلط اداة للتغطية على ضعفها الداخلي وتوجه كل مقدراتها لجعل المواطن خادما لمصالح المتحكمين في دواليبها.