بعد خمسة أشهر ونيف من لعبة شد الحبل بين رئيس الحكومة "المزاح" عبد الإله ابن كيران والحلف الرباعي بقيادة عزيز أخنوش بخصوص مشاورات تشكيل الحكومة، والتي كان من تبعاتها، دخول البلد في حالة من الانسداد السياسي بسبب تشبث قادة هذا الحلف بمشاركة الاتحاد الاشتراكي.. لم يستغرق سعد الدين العثماني إلا عشرة أيام كانت كافية بالنسبة له لتشكيل الحكومة في إطار أغلبية مكونة من ستة أحزاب سياسية. ما الذي وقع حتى تلاشت العقبات؟ الذي وقع هو أن عبد الإله بنكيران وجد نفسه خارج اللعبة السياسية بقرار ملكي لم يتوقعه أن يكون بتلك الطريقة وأن قيادة حزبه العدالة والتنمية فهمت أن إعفاء هذا الأخير كان بسبب إصراره على رفض دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأنها لم تكن سريعة البديهة في التقاط إشارة انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب باسم الاتحاد الاشتراكي بالشكل المطلوب. كما فهمت أيضا أن بلاغ الديوان الملكي الذي ألمح لصلاحيات الملك يتضمن رسائل يمكن أن تتجاوز إعفاء بنكيران!! في ظل هذه المعطيات لم يكن أمام حزب العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام المزاح من رئاسة الحكومة عبد الإله بنكيران إلا خيارين لا ثالث لهما: إما التوجه نحو المعارضة بما يعنيه من صدام مع القصر وإما تحمل الصدمة وامتصاص الغضب والتفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي الذي كان واضحا في رسائله.. حزب العدالة والتنمية اختار بحسه السياسي البراغماتي التفاعل الإيجابي مع قرار إعفاء عبد الإله بنكيران بل إنه أشاد باحترام بلاغ الديوان الملكي للدستور وللمنهجية الديمقراطية من خلال تأكيده على تعيين رئيس الحكومة الجديد من نفس الحزب استنادا لمقتضيات الفصل 47 رغم أن القيادة السياسية للحزب تعلم أن إعفاء رئيس الحكومة من الناحية الدستورية لا يكون إلا في حالة تقدم هذا الأخير بطلب استقالته!! كيف رد القصر على تفاعل البيجيدي؟ استقبل الملك سعد الدين العثماني وعينه رئيسا للحكومة ثم عبر له عن رغبته في الاستمرار في العمل إلى جانب حزب العدالة والتنمية كحزب وطني، وهي إشارة دالة على أن طريق العثماني في تشكيل الحكومة ستكون سالكة لأنه لا يستطيع أي فاعل حزبي السير في الاتجاه المعاكس بعد تلقفه لهذه الإشارة!! استأنف سعد الدين العثماني مشاوراته السياسية وقد كان لافتا للانتباه ان منهجية العمل التي اتبعها في علاقته بالأحزاب كانت مختلفة عن منهجية سلفه بنكيران في المشاورات، بل المثير للانتباه أكثر أن الرجل سيستقبل في يوم واحد كل الأحزاب بما في ذلك حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يعتبره الحزب خطا أحمر. أربعة أيام على بدء هذه المشاورات سيعقد رئيس الحكومة المعين ندوة صحفية سيعلن فيها رسميا عن تشكيلة الحكومة التي ضمت ستة أحزاب من ضمنها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي أقسم عبد الإله بنكيران بألا يكون طرفا فيها مادام أن إدريس لشكر رفض الدخول إليها من الباب الواسع وفضل ولوجها من نافذة عزيز أخنوش!!! هل وقع الانقلاب على عبد الإله بنكيران من طرف رفاقه في الحزب؟ فرضية الانقلاب على الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران تظل ضعيفة لاسيما وأن هذا الأخير لعب دورا كبيرا في تهدئة المناضلين وفي توجيه أجهزة الحزب من الأمانة العامة إلى المجلس الوطني للحزب بعد أن فهم خلفيات إعفائه. قيادة حزبه فكرت بحس سياسي براغماتي بأن ميزان القوى حاليا لا يخدم مصلحة الحزب التي تستدعي منه خلال هذه الفترة العصيبة كما وصفها بنكيران الانحناء إلى أن تمر العاصفة بسلام!! الأرجح هو أن بنكيران وضع من طرف العثماني في صورة ما حدث له بناء على ما قيل له في اللقاء الذي جمعه بالملك محمد السادس بعد استقباله وتعيينه رئيسا للحكومة. لقد بدا واضحا للرجل أنه أخطأ التقدير عندما استمر في رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة بعد انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب كرسالة على أن الجهات العليا في الدولة تريد لحزب الاتحاد الاشتراكي أن يكون له دور خلال هذه المرحلة!! لهذه الاعتبارات، من السابق لأوانه الحديث عن وجود مؤامرة ضد عبد الإله بنكيران من داخل العدالة والتنمية حتى وإن كانت المؤشرات توحي بوجود أشخاص داخل الأمانة العامة لهم قناعة بأن هذا الأخير لم يعد صالحا لقيادة الحكومة المقبلة ويمكن في حال استمراره أن يضر الحزب أكثر مما ينفعه! غير انه لا بد من التوقف في هذا السياق عند تصريح لحسن الداودي الذي قال فيه بأن عبد الإله بنكيران هو الذي فضل التعاطي الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي وتصريح العثماني الذي اعتبر فيه أن إشراك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة كان قرارا سياديا!! كلام الداودي يقطع الشك باليقين بأن فرضية الانقلاب على بنكيران من الداخل غير صحيحة، أما كلام العثماني فهو مؤشر خطير على أن البيجيدي دخل مرحلة الذلقراطية وفق تعبير الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله.