عبأت مدينة مكناس كافة طاقاتها لتكون، في أفق سنة 2021، مدينة منسجمة ومتوازنة في إطار سياسة عمومية حضرية يترجمها على أرض الواقع، 120 مشروعا رصد لها غلاف إجمالي يناهز 10 ملايير درهم. وتقوم هذه الرؤية حسب برنامج عمل جماعة مكناس (2016-2021) على أربعة محاور استراتيجية، وهي مكناس مدينة موجهة نحو التعليم والصحة والرياضة والإبداع في الثقافة، ومدينة جذابة وبيئة معيشية أحسن، وشريك في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية، ومدينة بتنمية مخطط لها. ويضع هذا البرنامج الذي صادق عليه المجلس الجماعي في دورة عادية، مؤخرا بالأغلبية، وبشكل دقيق، التوجهات الاستراتيجية كوثيقة تخطيطية تعكس بوضوح أولويات الفاعلين المحليين، وكذا أهداف التنمية على المستوى القصير والمتوسط، لتلبية حاجة ساكنة يقدر عددها بمليون نسمة، تقيم فوق مساحة تقارب 1800 كلم مربع. ويتضمن البرنامج تشجيع الاستثمار والتشغيل من خلال جملة من الآليات، منها تطوير المبادرة الذاتية داخل الأحياء كتحدي جديد لسياسة المدينة، ومرافقة المقاولين الذاتيين، وتعزيز التعاون الترابي في تنمية برنامج المقاول الذاتي، مع تتميم دور المركز الجهوي للاستثمار. ويتمثل التسويق والدهاء الاقتصادي الترابي الذي ورد في الوثيقة، في بلورة وتنفيذ استراتيجية التسويق الترابي ل"مكناس الكبرى"، وتطوير القدرة على الاستجابة السريعة لحالات أزمة الاستثمار داخل النفوذ الترابي، والمساهمة في تصميم وتنفيذ برنامج التنمية السياحية للمدينة، وتنمية الاقتصاد السياحي. ويشمل المخطط تنظيم أنشطة القرب الاقتصادية وتحسين البنية التحتية الأساسية للأسواق، وذلك بموازة مع إعادة التأهيل الحضري من خلال وضع حد للتوسع العمراني "الفوضوي" وفق رؤية مستقبلية تأخذ في الاعتبار احتياجات الأجيال القادمة، والربط بشبكة الماء الصالح للشرب والشبكة الكهربائية، فضلا عن تقوية قنوات جمع المياه المستعملة ومعالجتها. وبهدف تخفيف الازدحام داخل مدينة مكناس وتنظيم التنقل الحضري، سيتم تهيئة طرق دائرية ومختصرة، وتحسين المحاور الرئيسية، وإحداث مواقف السيارات ومحطات وقوف الحافلات، وإنشاء محطة لتنظيم حركة المرور مجهزة بكاميرات تسمح بمراقبة السير والجولان في جميع الاتجاهات على شاشات تلفزية. ويشمل البرنامج أيضا جوانب متعلقة بحفظ الصحة الجماعية والمقابر والبيئة والنشاط التجاري والترفيهي وبنيات أخرى منها تشييد محطة طرقية جديدة، وتعزيز تراب الجماعة بفضاءات للتنشيط الثقافي والرياضي، وبقطب فني لتثمين التراث التاريخي والحضاري للمدينة. كما خطط المجلس الجماعي لتشجيع وتثمين الموروث بمكناس، بالعمل على تأهيل مهن الترشيد السياحي والمساهمة في تطوير وتعزيز التراث المادي واللامادي للمدينة، وترميم وحماية المواقع التي تشهد على تاريخها القديم والحديث، مع إحياء بعض الحرف التقليدية وإعادة تنظيمها داخل المدينة العتيقة. إلا أن هذا البرنامج قابلته المعارضة في المجلس الجماعي لمكناس بالرفض، حيث صوتت ضده خلال دورته العادية، معللة ذلك ب"تكلفته المالية الكبيرة، ولما تعانيه ميزانية الجماعة من ضعف المداخيل". في المقابل، أكد رئيس المجلس عبد الله بوانو أن برنامج عمل جماعة مكناس هو وثيقة ترافعية لمطالبة كل الجهات والمؤسسات بنصيب المدينة من التنمية والتمويل، لتحتل موقعها الطبيعي في جهة فاس- مكناس وداخل تراب المملكة، مما أصبح من الضروري وضع المدينة داخل النسيج الحضري الجهوي والوطني، مع توفير الحاجيات الحالية والمستقبلية في مختلف المجالات. ويعد البرنامج ثمرة دراسة تشخيصية تشاركية أنجزت في 2016، ساهم فيها عدد من الفاعلين من مجتمع مدني ومنتخبين محليين وأحزاب ونقابات ورجال اقتصاد، بغرض تحليل حالة جماعة مكناس، وتحديد إمكانات وفرص التنمية المحلية وإعداد تصور موحد لمدينة تزاوج بين العراقة والحداثة. وقد أفرزت الدراسة جملة من الاختلالات، أبرزها أن الجماعة تعاني، منذ زمن بعيد، من ضعف التنافسية مقارنة مع جماعات قريبة منها سواء في ما يتعلق بجاذبية الاستثمار المباشر أو دينامية الشغل، ومن غياب قيادة لتنمية القطاع السياحي مع اعتبار مكناس محطة للعبور وليس للإقامة، فضلا عن توسع عمراني حضري غير مضبوط، شأنه في ذلك شأن البنية التحتية والتنقل الحضري.