أنتم من مواليد 8 أبريل الذي يتزامن مع برج الحمل، وبالمناسبة نريد أن نفتح معكم هذا الحوار ببعض المستملحات، حيث يقول بعض الفلكيين أن رغبة كبيرة تسكنك في اقتحام المصاعب، وتسلق القمم، وأن طموحك سيكون مضاعفا، ما تعليقكم، فهل صدق المنجمون أم كذبوا؟ أعتقد أن المصاعب هي التي تقتحمني ولست أنا من يقتحمها، وهي مصرة على أن تعترضني. ومع ذلك، أنا أواصل الاشتغال بتركيز شديد حين أرسم أهدافي ولا أحب التراجع عنها عادة، محاولا تذويب المشاكل وإن حدث أن تراجعت لا أتراجع بسهولة. يرتبط تاريخ ولادتك، أيضا بأبريل الذي يوصف بشهر الكذب، فهل يعرف الكذب طريقه إلى قلبك؟ لا أستطيع الجزم أنني لم أكذب خلال فترات حياتي، والكذب ليس من شيمي الخلقية، شخصيا أكره الكذب، لكني أحرص في الغالب على تحري الصدق كلما استطعت إليه سبيلا. الكذب يفاجئني ويلاحقني يوميا على مستوى ما ينشر عني من أخبار في الصحف والمجلات.
هل تنزعج من بعض المقالات أو بعض الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة تكون من موقعك كرئيس حكومة موضوعا لها؟ رسوم الكاريكاتير الساخرة وكذا المقالات الصحفية، منها ما هو مقبول يكون التعامل معه بصدر رحب، ومنها ما هو مرفوض، بل حتى المقالات المسمومة عندما تكون ذكية ولطيفة فإن الطريقة التي يقدمونني بها تبعث في نفسي الضحك، ولا أتوانى في الضحك على نفسي، لكن ما لا يعجبني وما لا أقبل به صراحة حين يحيد النقد الصحفي والمنتوج الإعلامي عن الموضوعية والنزاهة الأخلاقية، ويصير هذا الأخير، مسخرا لخدمة أغراض غير نبيلة، والتي تصل أحيانا إلى حد الخبث والمكر.
كيف تعاملتم مع الفضائح التي طالت حكومتكم وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الكوبل الحكومي وغيرها، هل أحسست بألم داخلي من هذه السلوكيات؟ حين يكون الإنسان في موقع المسؤولية من إدارة الشأن العام، فإن بعض الخصوم لا يتوانون في النيل منه، ويعملون على ترويج الإشاعة أو النبش في حياته الخاصة، أو المبالغة في تأويل سلوك معين أو مبادرة تخص الحياة الشخصية، من قبيل مثلا شكل تعاطي بعض الناس مع زواج الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون، فمن موقعي لا أنظر إلى الموضوع باعتباره فضيحة كما يظل يروج له، فالرجل أراد الزواج بسيدة مطلقة، فما هو المانع في ذلك. لكن استعجال الطرفين في الإقدام على الزواج باختيار فترة زمنية كانت في موعد الانتخابات، توقيت ربما لم يكن مناسبا، لأننا كنا مستهدفين، وهو ما وفر فرصة لهؤلاء الخصوم محاولة النيل من الحزب والتشويش عليه والتهويل من مسألة جد عادية لا تلزمهم في شيء.
يعرف عنك أنك رجل عاطفي وحساس، فهل تدع العاطفة تغلب عليك خلال عملك من أجل تشكيل الحكومة؟ العاطفة لا تصلح في تأسيس الحكومة، فمهمة من هذا النوع تستدعي القدرة على تدبير الخلاف عبر الحوار و باستحضار العقل ومراعاة خدمة المصالح العليا للوطن.
نحن مقبلون على احتفالات رأس السنة الميلادية (أجري الحوار في دجنبر الفارط) هل ستوجه تهنئة للسيد أوباما الذي سيغادر البيت الأبيض، خاصة وأنه سبق وأن بعث إليك في رأس السنة المنصرمة، تهنئة تحمل توقيعه إلى جانب زوجته وبنتيه، فضلا عن كلبه، ما جعلك تستفسره هل فعلا اراد كلبه معايدتك؟ وكيف علم بذلك؟ (يضحك) أنا لم احتج على توقيع كلب أوباما، فقط بعث له بذلك التعليق الطريف من باب الدعابة وإثارة جو من المرح داخل وسطه الأسري. أما فيما يتعلق برسائل التهنئة فأنا أحترم البرتوكول الدبلوماسي الرسمي، وهذه المهمة تندرج ضمن اختصاصات جلالة الملك الذي يبعث برسائل التهاني في المناسبات والأعياد باسمه ونيابة عن الشعب المغربي إلى رؤساء وملوك الدول. لماذا تميل لقول النكث في اللقاءات الرسمية؟ هل هي طبيعة بنكيران أم مجرد تغطية منه عن ضعف ما؟ ممكن، هذا ذكاء لا أدعيه، العفوية والميل إلى الدعابة والمستملحات هي جزء من شخصيتي، التي لا تقبل التصنع والتكلف في علاقتي مع الناس، وهذا ما يساعدني على إضفاء علاقة قرب روحية، سمتها الألفة ورحابة أجواء اللقاء، والذي أحرص على أن تكون جلسته خفيفة وممتعة وصافية.
هل تربي السيد بنكيران في أسرة تحب النكت وروح الدعابة؟
لا؛ بالعكس والداي رحمة الله عليهما كانا في غاية الجدية، ولا يتقنان فن النكتة، لكن خلال مساري الدراسي والثقافي سأكتسب هذه الروح المرحة، وأغلب النوادر راكمتها خلال تلك الفترة قبل أن أتحول إلى داعية مع الحركة الإسلامية، ففي معظم الأوقات كنت أستمتع بحكاية النكت أو سماعها، وبما أني أمتلك ذاكرة قوية، جعل كل ما يتردد على مسامعي من نكت جميلة تبقى راسخة في ذهني، لتخرج في الوقت المناسب، فأوظفها حسب السياق ولو تعلق الأمر بلقاءات مجلس الحكومة حيث أتقاسم مع السادة الوزراء حالة ضحك جماعي، نكسر من خلالها بعض الرتابة، ثم ننغمس في عملنا. وهل سبق وأن كسرت نظام البروتوكول في علاقتك بالملك محمد السادس، كأن تحكي له نكتة أو تتقاسم معه لحظة حميمية بالتداول معه في مسائل خاصة، أو تقص عليه بعض الحكايات؟ حينما أكون في حضرة العاهل المغربي محمد السادس، ترد علي بعض النكات، وأقول له يا جلالة الملك، الآن وردت في ذهني نكتة، لكن مقامك يمنعني من أن أحكيها لك، لكنه يفاجئني بالقول تفضل احكيها لي يا سي بنكيران، ورغم ذلك يستعصي علي أن أسمعه إياها نظرا لمقامه ومكانته السامية، بخلاف علاقتي ببعض الرؤساء والقادة والزعماء فإني لا أبالي.
ما سر حبكم القوي للعاهل المغربي، الذي تتباهى به في أية مناسبة؟
جميع المغاربة يحبون الملك، كما أن التفاوت في عامل السن بيني وبين جلالته، جعلني أتعرف على أخلاقه الفاضلة واللطف الذي شب عليه منذ صغره، وطبعا حين عينني صاحب الجلالة، رئيسا للحكومة، سيسمح لي هذا المنصب بالاقتراب منه، فيزداد حبي له بعدما لمست فيه عن كثب وبشكل مباشر هذا الجانب الإنساني الكبير الذي يتمتع به، ويعود هذا الحب والتقدير أيضا لوعيي وقناعتي الصادقة بأهمية الملكية في المغرب، التي هي الضامن لاستمرارية الدولة وأمنها واستقرارها، وهو ما يجعل المغاربة متشبثين ومرتبطين بعد الله بجلالة الملك أمير المومنين.
فهل تطورت علاقتكما إلى مستوى الصداقة؟ العلاقة التي تربطني بجلالته،هي علاقة ملك برئيس الحكومة، وكما قلت إني أجل فيه جانبه الإنساني الكبير وعطفه على مواطنيه وأنا واحد منهم، حيث ساعدني كثيرا في العناية بوالدتي رحمة الله عليها، فضلا عن ذلك، سيتنعم عليها وهي على قيد الحياة بهدية جميلة، وهي علبة من بخور العود من النوع الرفيع، الهدية أدخلت الفرحة في قلبها وقلوب العائلة جميعا، الوالدة حافظت عليها بعناية إلى أن حضر جميع إخواني وشقيقتي ، فمنحت كل واحد منا نصيبه من الهدية تيمنا وتبركا بهذه الالتفاتة الإنسانية لصاحب الجلالة.
أنت الآن تسكن في بيت هو في ملكية زوجتك ألا ينتابك بعض الخجل؟
أشعر بالخجل في بعض الأحيان، ويتملكني الخوف ( مبتسما) في أن تطردني الزوجة من البيت، فأقضي الليل في الشارع ما دمت لا أملك شقة باسمي لحد الآن، البيت الوحيد الذي يمكن أن ألجأ إليه في حالة الطرد من بيت الزوجية هو بيت والدتي رحمها الله، غير أنه بعيد عن العاصمة الرباط، حيث يوجد بمدينة فاس، وأسال الله أن يرطب قلب زوجتي حتى لا تطردني يوما من البيت. لديك سلسلة من المدارس الخاصة هل تفكر في الاستثمار في مجال آخر؟ انأ لست بصاحب مدارس خاصة، فالمدارس التي أسستها لبعض الجهات الأخرى كي تستفيد من مردودها، كانت استثمارا لأجل الآخرين، وأنا أتوفر على حس تجاري لكن ليست لي أموال لأوظفها في استثمارات واعدة أو مربحة، فأنا لست برجل غني، فكل ما أملكه تركة بسيطة ورثها عن والدتي. أتغزل بالنساء وبحضور زوجتي تشعر زوجتي في بعض الأحيان بالغيرة، لكن ذلك لا يثير فيما بينا مشكلات، وتغزلي بالنساء فيه عفة وهو غير محكوم بنوايا سيئة، فأنا أحب أن ألاطفهن وأتودد إليهن بقول جميل، يعبر عن الثناء والاحترام، ويثير لديهم شعورا بالرضا عن النفس، وقد لا يخلو حديثي من مزاح ودعابة وفي حضور الناس، بل أحيانا في حضور زوجتي، والتي كانت بصحبتي حين توجهت لإحدى الإعلاميات، بالقول أعجبتني، وعلى مسمع من زوجها وأمام وجمهور واسع، لم أكن حينها مصابا بالإحراج أو شعرت أن هناك عيبا في الكلمة التي أفصحت بها في وجه هذه السيدة، لأني لم أكن أجاملها فهي تتوفر على جمال لائق وحسن المظهر على مستوى الأناقة واللباس، فضلا عن طريقتها العذبة في الحديث، وخفة ظلها، وهي كلها عناصر تجعل جميع الناس يعجبون بشخصية بهذا الحضور، سواء عبروا عن ذلك علانية أم لا، وقد أخذت صورة تذكارية معها إلى جانب زوجها، وعلى العموم فمن عادتي التلطف مع النساء بشكل متحضر ودون خلفيات ضيقة. لهذا لن أتزوج الثانية الأمر صعب، فزوجتي نبيلة ترفض التعدد كما هو الحال لدى باقي النساء، زواجي بنبيلة وهي ابنة عمي، كان ثمرة حب شديد، وحين تقدمت إليها كان موقف والدها هو الرفض، لكنها تشبثت بي، وتاليا يقتضي الوفاء عدم الإساءة إليها، لاسيما أن البعض كان يراهن على أني سأتزوج عليها، وبالتالي لم أكن أحب أن يشمت فيها أحد.
لكن لا تنكر أن لديك رغبة في التعدد؟ إذا قال لك أي رجل إنه غير راغب في التعدد فهو كاذب. وهل يتسع قلب الرجل إلى أربع؟ انأ لا أناقش التعدد من الناحية الفقهية، لكن من وجهة نظر الطبيب فإنه قال لي يا بنكيران، إن لديك حجم قلب صغير. كيف يقضي بنكيران أيام العطل؟ وما هو الحيز الذي يخصصه للمطالعة؟ وما طبيعتها؟ صراحة ليست لدي أيام عطل، وغالباً ما أستغل ما يتوفر لدي من الأوقات إلى جانب الأسرة في البيت، كما أطالع خلالها بعض الكتب والصحف، وأقرأ أحيانا ما تيسر من الذكر الحكيم، حيث يعد القرآن الكريم مكونا أساسيا في حياتي الفكرية والثقافية وموجها في تربيتي الشخصية، حتى وإن كنت لا أحفظه كله باستثناء بعض الأحزاب، ولا يمنعني ذلك من الانتباه إلى الأخطاء التي يمكن أن ترد على لسان قارئ وهو يتلو كتاب الله، ويعود ذلك إلى كون والدي كان حريصا على أن ألازم المسجد إبان طفولتي لتلقي دروس القرآن وحفظه. كما عاودت القيام بمجهود شخصي لمزيد من الحفظ، وخاصة خلال فترة الاعتقال، التي أسعفتني في ترسيخ حفظ الكثير من الأحزاب. لكن أحيانا لا أستطيع تذكر بعض الآيات أو الأحزاب بنفس القوة التي طبعت ذاكرتي في أزمنة سابقة. الحمد لله أن كتاب الله حاضر في قرءاتي إلى جانب كتب الفقه الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، وبعض كتب الثقافة العصرية، لكن وبكل صدق يمكن أن أقول لكم إنه ومنذ سنة 1999 وإلى الآن، أي منذ دخولي البرلمان، أصبحت متابعة الصحافة تشغل اهتمامي وتأخذ من وقتي ساعتين من كل يوم على الأقل، ويمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى أربع ساعات، فأنا أعرج على جميع الصحف تقريبا. عملت في الكورال وغنيت "على بلد المحبوب" لا أخفيكم سرا أني مولع بالاستماع إلى الفن الرفيع، فقبل التحاقي بالحركة الإسلامية، كنت أحفظ كما هائلا من الأغاني الطربية لأم كلثوم، وفيروز، وعبد الحليم حافظ، بل كثيراً ما تغنيت بها أيضا في بعض المناسبات ومن ضمنها العائلية، وأذكر أنه سبق وأن شاركت في حفل أقيم بالمدرسة المحمدية للمهندسين، أديت حينها أغنية "على بلد المحبوب" ولم يكن سني يتجاوز إحدى وعشرين، كما عملت صحبة الكورال في مناسبات عدة، لم تكن تحدوني الرغبة في أن أصبح مطربا، بقدر ما كنت شغوفا بالفن وأغاني كبار المطربين، بل أيضا الأغاني الفرنسية وبخاصة جاك بريل، وحين التحقت بالحركة الإسلامية، تغيرت حياتي لتأخذ مسار جديا، ولم أعد كما في السابق، أقصد السنيما ولا أداء الأغاني الطربية في أية مناسبة، وإلى جانب حفظ الأغاني بقيت أحتفظ ببعض التسجيلات الموسيقية في بيتي، وأذكر أن الحنين لا زال يشدني إلى هذا الزمن والذكريات الجميلة ، والتي أسترجعها في بعض الأحيان فأطلق العنان لحنجرتي للتغني ببعض الأغاني سواء في البيت أو داخل السيارة كما وقع مؤخرا حين تم تصويري وأنا سارح أردد مع أم كلثوم إحدى أغانيها المشهورة. حوار من إجراء خديجة الفتحي