اشتعل الحديث في الفيسبوك عن السلام، ليس من باب السلم، لكن من باب التحية وذلك منذ اللقاء الذي نظمته جماعة العدل والإحسان بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل مؤسسها ومرشدها عبد السلام ياسين. ومع أن حضور اليساريين كان لافتا خلال اللقاء فإن عدم مصافحة قياديي الجماعة للمناضلات اليساريات، تحول إلى حدث على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات بعض الجرائد.. انتقل النقاش من مضامين الدعوة إلى الحوار والبناء المشترك الذي دعت إليه الجماعة، إلى ضرب على يد اليساريات اللواتي لم تتم مصافحتهن وامتد الأمر إلى الاستهزاء بهن لأن بعضهن أثنين على أخلاق بعض القيادات التي دعتهن للقاء بالرغم من اختلاف المواقف والقناعات واستماتة كل طرف في الترافع عن قضايا مشتركة تهم المرأة برؤى مختلفة. و مع أن التحية في الأصل ليست سوى مدخلا للحوار من أجل تقريب وجهات النظر لأجل العيش المشترك، فإنها تحولت إلى صلب النقاش وحالت دون ذلك. ومما يجدر الانتباه له، بعيدا عن الإيديولوجيات كيفما كانت، ولا يختلف حوله اثنان، هو أن الذين كبروا في المغرب العميق وتربوا في أجواء مغربية حقيقية في أسر متواضعة، مهما تحرروا لا يجدون حرجا في احترام خصوصيات الآخرين، وبقدر ما حرروا أجسادهم في نضجهم الفكري واستطاعوا اقتسام فضاء الحواضر والعواصم؛ يؤمنون بحق الآخر في تدبير جسده ولا ينزعجون من ذلك إلا إذا رأوه يلحق الأذى به. والذين سافروا عبر العالم وتصيدوا قيم الحداثة بحب ورغبة في المعرفة والتواصل والوصول إلى قيم الإنسانية المشتركة، يكبرون الأفكار ويؤمنون بأن الحداثة قبل كل شيء تقتضي احترام خصوصيات الآخرين من باب الإيمان بالحريات الفردية ويؤمنون بأن الحقوق الثقافية جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان. ويكفي أن تكون قد سافرت قليلا حتى تعرف أن تبادل التحية هو من صميم التعبيرات الثقافية، كما أن السلام عند الشعوب يختلف حسب المعتقد والانتماء؛ فإذا كنا لا نجد حرجا في تقبيل الأهل والأصدقاء إناثا وذكورا فإننا لا زلنا نقبل أكتاف بعضنا إذا ذهبنا إلى البوادي أو نتبادل القبل على أيدي بعضنا حينا ونقبل رؤوس شيوخنا وقد نهرع مع بعض نساء القرية نحو غرفة أخرى كلما سمعنا قدوم بعض الرجال للبيت في مناسبة ما، بنفس القدر الذي قد لا يزعجنا جميعا انحناء آسيوي قليلا وهو يضم يديه أسفل ذقنه تحية لنا لأننا نؤمن بأن أدنى الحريات الفردية حرية الجسد في التحية. لهذا وذاك أقول لأصدقائي الحداثيين رفقا بنا وإننا نجد عدم السلام علينا من الإسلاميين أهون من ضربكم على أيدي بعضنا وأن التحية مدخل النقاش فلماذا تجعلونه كل النقاش!